قسطنطين سيفكوف: الهدف كان عسكرياً- سياسياً! .. حول الرسائل الضمنية للهجوم الإيراني على الكيان

قسطنطين سيفكوف: الهدف كان عسكرياً- سياسياً! .. حول الرسائل الضمنية للهجوم الإيراني على الكيان

استضاف عالم السياسة الروسي المعروف إيغور شيشكين يوم الخميس الماضي، نائب رئيس أكاديمية العلوم العسكرية الروسية، ودكتور العلوم العسكرية، قسطنطين سيفكوف، للحديث عن أبعاد الهجوم الإيراني يوم 14 نيسان الجاري على الكيان الصهيوني.

ترجمة قاسيون

ترجمت قاسيون الفيديو لما له من أهمية، ونشرته على مُعرفاتها الإلكترونية. وهنا ننشر نص هذا اللقاء:
عادةً ما يبدأ تحليل هذا النوع من الظواهر (الهجمات العسكرية)، بتحديد غايات وأهداف الأطراف المشتركة فيه، ومن ثم طريقة العمل المختارة لتحقيق الأهداف، وعندها يتم تحليل النتائج المتحققة. سأبدأ بشكل معاكس؛ من النتائج المتحققة لهذه الضربة؛ لأن أهداف الأطراف يمكن حسابها بناءً على النتائج التي تم تحقيقها وعلى طريقة العمل المختارة، لذلك دعونا نبدأ من النتائج النهائية.
الجانب «الإسرائيلي» أعلن تدمير 99% من وسائل الهجوم الجوي، وهذا يشير إلى أن أربع وسائل هجوم جوي بالحد الأدنى قد حققت أهدافها؛ فإذا تم الهجوم بـ400 وسيلة جوية فقد وصل 4 منها. ولكن البيانات لا تتحدث عن أربع، بل حوالي ست أو سبع.
هنا أمر مثير للاهتمام: ما هي تحديداً وسائل الهجوم الجوي التي حققت هذه الأهداف؟ بالحكم على الطريقة التي تم بها إسقاط مسيرات «شاهد 136»، فقد تم تدميرها جميعها عملياً. كذلك الصواريخ البالستية قديمة الطراز، جرى تدميرها كلها تقريباً. ولكن تم أيضاً إطلاق عدة صواريخ شبه بالستية من طراز «فتاح 2»؛ أي الصواريخ التي تسير على طول مسار شبه باليستي، وتسمى أيضاً بالأسلحة فرط الصوتية. أؤكد على أنّ أي صاروخ يطير لمسافة تزيد عن 500 كيلومتر هو بالفعل أسرع من الصوت؛ الفرق ببساطة بين الفرط صوتي والصاروخ الباليستي التقليدي، هو أنّ الفرط صوتي يتبع مساراً يسمى مسار شبه باليستي، أي يقوم بالمناورة على طول مسار الرحلة، وبالتالي، يعطل إمكانية ضمان التوجيه الدقيق للصواريخ المضادة له.
وإذاً، تبيّن أن هذه الصواريخ الباليستية فرط الصوتية لم تكن معرضة للخطر وحققت الأهداف المحددة لها جميعها.
إذا تحدثنا من وجهة نظر «إسرائيل» فقد كان هنالك تنظيم ممتاز، تنظيم مثالي لأنظمة الدفاع الجوي. تظهر ضمن هذا التنظيم ثلاث طبقات على الأقل من الدفاع الجوي. الطبقة الأولى: كانت مكونة من مقاتلات «إسرائيلية» وأمريكية وبريطانية وفرنسية عملت على تدمير مسيرات شاهد في الأجواء الأردنية، رغم أنّ هذه المسيرات مرت فوق العراق وسورية إلى هذا الحد أو ذاك، دون مشاكل. الطبقة الثانية: تتكون من أنظمة صواريخ دفاع جوي طويلة ومتوسطة المدى تمتلكها «إسرائيل». الطبقة الثالثة: هي في الواقع نظام الدفاع المسمى القبة الحديدية.
بما يخص الصواريخ الباليستية، فهنا بالضبط كان جوهر المسألة؛ حيث تم التعامل معها باستخدام نظام «سهم-3»، وهو نظام الدفاع الصاروخي «الإسرائيلي» الذي تم إنشاؤه بالاشتراك مع واشنطن، وهو في الواقع تعديل، أو نسخة «إسرائيلية» من المنظومة الأمريكية للدفاع الجوي «ثاد».
بالعموم، إذا تحدثنا عن كفاءة 99٪ لأنظمة الدفاع الجوي، فهي ببساطة نتيجة رائعة. حسناً، حتى لو لم تكن 99 بل 98، فهي لا تزال كذلك حتى لو كانت 90% لدينا النسبة المحققة هي 87% خلال العملية الخاصة في أوكرانيا، وهنا، تم تحقيق نسبة في التسعينات.

لماذا كان هذا ممكناً؟

لماذا كان هذا ممكناً؟ لأن توجيه هذا النظام الدفاعي متعدد المستويات ومتعدد الطبقات، وليقوم بهذا الإنجاز يصبح ممكناً في حال كان الهجوم معروفاً بشكلٍ مسبق ومعلوم اتجاهه، واتجاه المسيرات واتجاه اقتراب الصواريخ قبل ساعة، ساعة ونصف، إلى ساعتين على الأقل. أي في حال قام الخصم، كما حدث فعلاً، بتوضيح ذلك كلّه، قبل وقت طويل جداً من اقتراب أهداف الهجوم. لذلك، على سبيل المثال: إذا تمتع نظام الدفاع الجوي لدينا بمثل هذه المعرفة المسبقة فإنني أجرؤ على أن أؤكد لكم أنه لن يسقط صاروخ واحد على أراضي بلدنا، ولا مسيرة ولا أي شيء آخر، وستكون الفعالية 100%. وهنا في حالة «إسرائيل» 99% أو 98%.
ما الذي يمكن قوله من وجهة نظر إيران؟ الأكثر إثارة للاهتمام، هجوم متزامن مثير للإعجاب بـ400 وسيلة هجومية: 185 أو 189 طائرة بدون طيار، 110 صاروخ باليستي، 36 صاروخ كروز. حسناً، هذه هي الأرقام التي تُقال وربما هي أكثر، لأن الأرقام يمكن أن تصل إلى 500. ما يعني هجوماً متزامناً قاسياً من الناحية النظرية. كان ينبغي لمثل هذا الهجوم المتزامن أن يؤمن اختراقاً مضموناً لكامل النظام الدفاعي المضاد.
إليك مثالاً بسيطاً: أطلق الحوثيون عدة صواريخ باليستية، ثلاثة منها وصلت إلى إيلات. أين كان نظام «سهم-3»؟ أي أن السمة المميزة الأولى التي ضمنت لـ«إسرائيل» القدرة على حل المهمة بهذه الكفاءة، هي طريقة تنظيم الضربة الإيرانية؛ ما يعني أنّ إيران قد فعلت كل ما يمكنها فعله كي تتمكن «إسرائيل» من إسقاط كل تلك الصواريخ، وفعلت إيران كل ما يمكن فعله لكي تستخدم «إسرائيل» جميع أنظمة الدفاع الجوي المتاحة لديها.

ما هي الغايات التي حققتها إيران؟

ما هي الغايات التي تم تحقيقها من جانب إيران؟ أولاً: تم تدمير مركز استخبارات يقع بالقرب من الحدود مع سورية. تم تحقيق هذا الهدف بدقة والمركز تم تدميره. لأن مركز الاستخبارات هذا، لعب دوراً مفتاحياً في تنظيم الضربات «الإسرائيلية» على أهداف لإيران وحزب الله في سورية، ولعب دوراً خصوصاً في الهجوم على مبنى للسفارة الإيرانية في دمشق.
الضربات الإيرانية الأخرى، كانت أيضاً ذات دلالة كبيرة. الضربة الأولى تم تنفيذها ضد مطار يقع في صحراء النقب. وما هو المعروف عن صحراء النقب؟ المعروف عنها أنه يوجد فيها المركز النووي «الإسرائيلي» (ديمونا)، وكذلك على الأرجح توجد هناك الترسانة النووية «الإسرائيلية». النقطة الثانية المثيرة للاهتمام هي أنك إذا ضربت مطاراً، فهناك ثلاث فئات من الأهداف. الفئة الأولى: هي الطائرات الموجودة في مواقف مفتوحة أو محمية. الضربة على هكذا طائرات تؤدي لتدميرها وبأعداد كبيرة، والخسائر في هذه الحالة لا يمكن تعويضها إلا بشراء طيارات جديدة. هذه الفئة من الأهداف لم يتم استهدافها. الفئة الثانية الممكن استهدافها: هي مراكز مراقبة الحركة الجوية في المطار، مواقع الرادار والدعم وغيرها. هذه أيضاً لم يجر مسّها، على الرغم من أن هذا كان سيؤدي إلى إيقاف عمل هذا المطار طويلاً حتى تتم استعادة نظام التحكم. الضربة الفعلية تم توجيهها إلى الفئة الثالثة، إلى ما قد يبدو أنه هدف بلا معنى، من النوع الذي يمكن إصلاحه خلال بضع ساعات؛ وهو مدارج الطائرات. المدارج في هذا المطار مصنوعة من الخرسانة المسلحة عالية القوة، بما يؤمن استقبال طائرات النقل العسكري الثقيلة والقاذفات الاستراتيجية وضمناً، وبالدرجة الأولى، الأمريكية بطبيعة الحال.
وبالتالي، فإنّ إيران، وعبر هذا النوع من الضربات، أنجزت المهمات التالية. المهمة الأولى: كشفت الضربات بشكل كاملٍ تنظيم أنظمة الدفاع الجوية «الإسرائيلية» عند عملها بالمستوى القتالي الأقصى لها، وبكل الاتجاهات المحتملة التي يمكن أن تأتي منها الصواريخ. المهمة الثانية: سمحت الضربات بتقييم فعالية وسائل الدفاع الجوي «الإسرائيلية» اتجاه أنواع مختلفة من وسائل الهجوم التي أطلقتها إيران؛ المسيرات، الصواريخ البالستية التقليدية، والصواريخ الفرط صوتية، وبات مؤكداً أنّ الصواريخ فرط الصوتية، وحتى في ظل أقصى فاعلية دفاعية، نجحت في تجاوز أنظمة الدفاع الصاروخي «الإسرائيلي».
علاوة على ذلك، أجبرت إيرانُ «إسرائيل» على إنفاق أسلحتها في عملية التصدي للضربة، وأنفقت في التصدي تكلفة إجمالية تبلغ حوالي مليار ونصف مليار دولار، وهو مبلغ هائل للتصدي لهجوم واحد، في غضون بضع ساعات. كما أظهرت إيران لإسرائيل أن لديها أسلحة قادرة على اختراق التحصينات الباطونية المسلحة ذات الأمتار العديدة عبر ضربة مدارج الهبوط التي أشرنا لها، وعلى وجه الخصوص، قادرة على اختراق الحماية المسلحة لمفاعل ديمونا وكذلك إمكانية اختراق حماية الترسانة النووية.
حجم الضرر الذي لحق بإسرائيل كان من ذلك النوع الذي عملياً لم يسقط فيه أي ضحايا. أي أنّ إيران أيضاً، لم تمنح «إسرائيل» ذريعةً دموية لكي تبدأ ضربة انتقامية على الفور.

1171-20

الهدف عسكري- سياسي

بناءً على ما سبق، فإنّ لدي قناعة راسخة بأن إيران لم تكن تسعى عبر الضربة وراء هدف عسكري، بل نحو هدف عسكري- سياسي بحت. يمكن صياغة هذا الهدف على النحو التالي: إظهار قوة الضربة الإيرانية، وفي الوقت نفسه منع استفزاز يقود لضربة انتقامية إسرائيلية. وبهذا المعنى، فهذا هدف عسكري- سياسي حكيم.
من وجهة النظر الاستراتيجية العسكرية، فإنّ مثل هذا التنظيم للضربة الذي قامت به إيران، يعبّر عن امتلاكها بعد نظرٍ استراتيجي في الفن العسكري؛ فلتتخيل الأمر بنفسك. الدفقة الأولى من الصواريخ، بالأحرى المسيرات، انطلقت قبل 9 ساعات من الوصول إلى الهدف. فعلياً انطلقت طائرات شاهد التي تطير بسرعة 130 كم/سا، وأيضاً بمسار معقد (غير مستقيم) ويلزمها بين 8 إلى 9 ساعات لكي تجتاز 2000 كم. صواريخ كروز، أيضاً تطير حوالي الساعتين.
كل هذه المسيرات، كانت رحلتها معروفة جيداً. علاوة على ذلك، وبالحكم على الصور، فإن هذه الطائرات بدون طيار كانت تحلق على ارتفاعات عالية 100-150-200-300 م أي أنها لم تطر على ارتفاعات منخفضة للغاية 50-100 م بغاية الهرب من المجال الراداري، من مراقبة الرادارات، بغاية الاندماج مع سطح الأرض حتى لا يتم رصدها من الجو، لم تكن هناك أي محاولة لفعل ذلك... من فضلكم أيها السادة، فكروا في الأمر.
وعلى الصورة نفسها تقريباً، عملت صواريخ كروز، ولهذا السبب فصواريخ كروز أيضاً لم تصل إلى الهدف. في هذه الظروف، تم إطلاق الصواريخ الباليستية قبل 10-15 دقيقة من اقتراب المسيرات الرئيسية من الهدف ومن وصول صواريخ كروز إلى هدفها، والتي حين بدأت بالتحرك كان النظام الدفاعي «الإسرائيلي» بأكمله ليس مُفعلاً فحسب بل كان كذلك في حد الاستعداد الأقصى للتصدي.
بالطبع، تم رصد تحليق ومسار هذه الصواريخ من مسافة كبيرة، ولم تكن هناك أي مفاجأة من أي نوع. لقد قلت: إنّ الهجوم كان معروفاً قبل 72 ساعة. نعم، كان معروفاً أنه سيتم تنفيذه خلال 72 ساعة، ولكن لم يكن معروفاً أي تنظيم للهجوم سيكون وأي مسارات.

سيناريو آخر!

دعنا نتخيل سيناريو آخر: ماذا لو لم تقل إيران، نعم خلال 72 ساعة سنشن ضربة هنا أو هناك. كان الجميع سيكونون جالسين ومنتظرين، سيحلقون في الجو لمدة 24 ساعة بانتظار يوم القيامة، ضمن ما نسميه نقاط التحكم الجوي، ثم بعد ذلك سيهبطون.
حسناً، بعد أسبوع من الاستنفار سوف يكونون قد أرهقوا، وعندها تنطلق دفقة صواريخ فرط صوتية من 30-40 صاروخ مثلاً. لن يتمكنوا من إسقاطها، ستكون قد اخترقت. وقت رحلتها 8-10 دقائق من إيران إلى «إسرائيل». كان كل ذلك يمكن أن ينجز؛ سيكون قد تم تدمير نتنياهو بالفعل، وتدمير هيئة الأركان العامة للجيش «الإسرائيلي». وكان من الممكن تدمير أهداف مهمة أخرى. وكانت الضربة الانتقامية لإيران لتكون واضحة وشديدة القسوة، وكانت ستستدعي قطعاً رداً نووياً «إسرائيلياً».
وإذاً ما الذي يمكن قوله؟ أظهرت إيران تمتعها بالحكمة الشرقية التقليدية؛ سمحت للعدو بحفظ ماء وجهه، حتى لا يجد نفسه في وضع ميؤوس منه يرتب عليه بالضرورة أن يوجه ضربة انتقامية. ومن الجهة الأخرى، فقد حصلت على فوائد ضخمة: كشفت كامل نظام الدفاع الصاروخي «الإسرائيلي»، ووضحت لـ«إسرائيل» حقيقة بسيطة واضحة: لو أنّ إيران شنت ضربة من الطراز الذي افترضتُهُ، فإنّ نظام الدفاع الجوي «الإسرائيلي»، لن يكون قادراً على فعل شيءٍ اتجاهه. كذلك فإنّ ديمونا نفسها، حيث المفاعل النووي الذي قربه المطار الذي أشرنا إليه في صحراء النقب، سيتم تدميره بكل تأكيد. وحينها على الإسرائيليين التفكير ورسم قطر منطقة التلوث التي لن يكون أحد قادراً على العيش فيها في حال تدمير ديمونا. أيضاً منطقة التلوث الإشعاعي، والتي في حال تمكن أحد من العيش فيها، فينبغي حساب أنّ خطر الإصابة بالسرطان والأمراض الخبيثة سيزداد بعدة مراتب؛ أي بشكل عام، سيضطرون أيضاً إلى الفرار منها، و«إسرائيل» أساساً دولة صغيرة جداً، وهذا يملي على «إسرائيل» أن تفكر بعمق بهكذا احتمالات.

الكلاسيك والجديد

لذا أقول: إنّ إيران قامت بخطوة حكيمة للغاية. إن تصرفات إيران على وجه التحديد، تتحدث عن شيءٍ مثير للاهتمام: في ظروف الحرب الهجينة، فإنّ النظرية العسكرية الكلاسيكية، وفن العمليات، التي تضع في المقدمة مسألة بسيطة هي هزيمة تجمعات العدو ودفعها إلى الاستسلام واحتلال هذه المنطقة أو تلك، يحل محلها منطق مختلف تماماً، والذي يمكن أن يصاغ بالشكل التالي: لا نعطي سبباً لإثارة هجوم على بلادنا، وفي الوقت نفسه، نضمن كشف النظام الدفاعي للعدو، ونظهر قدرتنا؛ هذا فن مختلف تماماً.
وإيران اليوم، أظهرت ذلك بشكل واضح، وأظهرت عبر هذه الضربة أيضاً المبدأ الذي تحدثتُ وأتحدث عنه مراراً: ضمن الضربة الإيرانية لم يكن هناك فن عملياتي كلاسيكي على الإطلاق؛ لقد كانت سياسة عسكرية محسّنة وحكيمة للغاية، وتستحق القيادة الإيرانية الثناء عليها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1171
آخر تعديل على الأحد, 21 نيسان/أبريل 2024 22:57