ما الذي تعنيه مظاهرات إدلب؟

ما الذي تعنيه مظاهرات إدلب؟

مضى أكثر من شهر على بداية موجة احتجاجات غير مسبوقة في محافظة إدلب السورية ضد جبهة النصرة وزعيمها الجولاني، والتي تُسيطر على مدينة إدلب وريفها، إضافة إلى أجزاء من ريفي حماة وحلب.

السبب المباشر لانطلاق الاحتجاجات هو كشف مصير عبد القادر الحكيم الذي اعتقلته النصرة قبل 10 أشهر، وقتلته تحت التعذيب قبل 5 أشهر، ولكنها اعترفت بذلك تحت الضغط يوم 24 شباط الماضي، أي منذ شهر تقريباً.
في اليوم التالي لهذا الإعلان، أي يوم 25 شباط، وكان يوم أحد، تجمع عدد من الشبان في إحدى الساحات الرئيسية في إدلب ومعهم عدد من المسلحين الملثمين، وذلك للاحتجاج ضد جبهة النصرة. وكان العدد في اليوم الأول محدوداً، ولكنّه كان عدداً كبيراً من وجهة نظر تاريخ جبهة النصرة في القمع الصارم لأي نشاط يجري ضدها... وما لبثت الأمور أن خرجت عن السيطرة في الأيام التالية، حيث باتت المظاهرات بالمئات وربما بالآلاف، وبشكل شبه يومي، وفي مناطق متعددة من إدلب وريفها.
كشف مصير عبد القادر الحكيم، لم يكن إلّا سبباً مباشراً لتفجير الأوضاع؛ فالأسباب البعيدة عديدة ومتراكمة عبر سنوات سيطرة النصرة على إدلب وريفها، والتي ظنّ السكان فيها أنهم انتقلوا إلى «مناطق محررة»، لكنّ القمع بقي مستمراً وزاد، وبقيت السجون والمعتقلات والإخفاء القسري، وبقي التسلط قائماً، وبات من يمارس التشبيح هذه المرة هم عناصر النصرة أنفسهم.

ورغم أنّ الأسباب المتراكمة الداخلية قد تكون كافية لوحدها لتفسير أي نشاط يقوم به أهل إدلب ضد النصرة، إلّا أنّ الوقوف عندها وحدها لا يسمح بفهم الصورة الحقيقية بشكل كامل.
لماذا نقول ذلك؟ لأنّ الغضب المتراكم في الصدور كان قد وصل إلى عتبات انفجارية عدة مرات سابقة في إدلب وريفها، وكان يتم التعامل معه من قبل الجولاني بمزيج من الضربات الصارمة بلا رحمة ولا شفقة، ومن تقديم بعض التنازلات الصغيرة في هذا الملف أو ذاك، بما في ذلك الاستفادة من ضغط الناس لإجراء «إصلاحات ضد الفساد» داخل النصرة، هي في الحقيقة عملية موازنة بين الأجنحة المختلفة، بحيث يبقى الجولاني قابضاً على التنظيم بأفضل شكلٍ ممكن.
آب الماضي، 2023، اعتقل الجولاني الرجل الثاني في تنظيمه بتهمة «العمالة للتحالف الدولي»، وهو الملقب بأبي ماريا القحطاني، ميسر علي موسى عبد الله الجبوري، عراقي الجنسية، وكان يشغل منصب قائد مجلس شورى جبهة النصرة.
في حينه، تمت قراءة هذا الاعتقال باعتباره تبريداً للأجواء الساخنة بين النصرة وتركيا، التي بدا أنها ترى فعلاً أنّ «أبا ماريا»، هو ذراع أساسية للأمريكي ضمن النصرة، وأنّ هذا الذراع يقوم بتخريب الاتفاقات الروسية التركية وأكثر من ذلك، فهو يهاجم فعلاً الجنود الأتراك ودورياتهم بين الحين والآخر.

الملفت للنظر هو أنّ الجولاني، وبعد انطلاق المظاهرات الواسعة ضده ابتداء من 25 شباط الماضي، وتحديداً في الأسبوع الأول من آذار الجاري، وجّه «اللجنة القضائية» التي شكلتها النصرة للتحقيق فيما سمي «قضية العملاء»، كي تبرئ أبا ماريا وتفرج عنه.

تركيا VS. الولايات المتحدة؟

ليس خافياً أنّ لكل من تركيا والولايات المتحدة الأمريكية نفوذاً داخل النصرة، وأنّ هنالك بطبيعة الحال نفوذاً لقوىً أخرى أيضاً داخل النصرة، ولكن النفوذ الأمريكي والتركي هما الأساسيان.
طوال سنوات مضت، حاول الجولاني إظهار نفسه بوصفه محصلةً لذلك النفوذ، بحيث يميل في سلوكه «شكلياً» باتجاه الضغوط الأعلى والنفوذ الأعلى.
للتذكير، فإنّ الجولاني وأبا ماريا هما زميلا سلاح، قدِما معاً في التوقيت نفسه من العراق، ومجمل سلوكهما السياسي يدل على أنّهما مجندان منذ سنوات طويلة عند الأمريكي، واعتقال الجولاني لأبي ماريا لم يكن إلّا محاولة لتبريد الأجواء المشتعلة مع الأتراك في حينه.
اليوم، يبدو أن المشهد قد وصل نقطة جديدة يتلاقى فيها محركان داخلي وخارجي. الداخلي: هو وصول الغضب العام عتبة جديدة، وأما الخارجي: فهو اقتراب وقت إنجاز الاستحقاقات المتعلقة لا بالنصرة، بل بالأمريكي...
فلنتذكر معاً، أنّه منذ أواسط 2022، بات خطاب ثلاثي أستانا موحداً في موضوع المطالبة بخروج الأمريكي من سورية (ومن العراق أيضاً)؛ فإذا كان هذا الموقف روسياً وإيرانياً قبل ذلك، فقد بات تركياً أيضاً منذ تلك الفترة. وما رأيناه من ضغط متصاعد ضد الوجود الأمريكي المباشر في الشمال الشرقي منذ 7 أكتوبر وقبل 7 أكتوبر، يندرج في هذا الإطار.
ويبدو الآن أنّ الوقت حان لرفع الضغط لإخراج الأمريكي من الشمال الغربي؛ الأمريكي الذي تمثل النصرة بالذات قاعدة أساسية لنفوذه بوصفها معيقاً أساسياً لاستكمال اتفاقات أستانا بين روسيا وتركيا، وبوصفها مكرساً لتقسيم الشمال الغربي إلى منطقتين، بالتوازي مع التقسيمات الأخرى في البلاد، والتي يلعب الأمريكي انطلاقاً منها، بوصفها أمراً واقعاً حالياً، محاولاً منع أي تقدم في جهود التسوية، تماماً بالطريقة التي وصفها جيمس جيفري المبعوث الأمريكي السابق للملف السوري، حين قال: «إذا كانت ورقة شجر ستقع على الجانب الذي فيه الروس، وظيفتنا هي منعها من الوقوع في ذلك الجانب»... وكما قال في مكان آخر: «وظيفتي... تحويل سورية إلى مستنقع للروس»...
وإذاً، وبالمحصلة، فإنّ ما يجري الآن من مظاهرات في إدلب، هو جزء من عملية أوسع، المستهدف الأساسي فيها ليس الجولاني فحسب، بل معلمه الأمريكي، ووجود ذلك المعلم ونفوذه في الشمال الغربي السوري.
وهذا بدوره قد يعني شيئاً إضافياً مهماً، هو أنّ التنسيق والتفاهم بين ثلاثي أستانا في التجهيز لحل نهائي للمسألة السورية على أساس 2254 ودون الأمريكان، قد قطع خطوات عديدة، وقد دخل مرحلة التنفيذ...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1167
آخر تعديل على الإثنين, 08 نيسان/أبريل 2024 10:40