في الظاهر «مناهضة للتطبيع»... وفي الجوهر تمديد للعقوبات وللأزمة حتى 2032!

في الظاهر «مناهضة للتطبيع»... وفي الجوهر تمديد للعقوبات وللأزمة حتى 2032!

انقضت عشرة أيام منذ أقر مجلس النواب الأمريكي مشروع القانون المسمى «قانون مناهضة التطبيع مع الأسد» يوم الـ 14 من شباط الجاري، والذي ما يزال بحاجة إلى تمريره في مجلس الشيوخ ومن ثم مصادقة الرئيس الأمريكي عليه ليتم إقراره، وهو الأمر المتوقع حصوله خلال هذا العام.

ورغم أنّه قد كُتب الكثير حول هذا المشروع، ورغم أنّ جهات سورية محسوبة على المعارضة قد رحبت به كعادتها في الترحيب بأي شيء يخرج من واشنطن، إلا أنّ جوهر مشروع القانون هذا، وأهم ما فيه، لم يتمّ تناوله إعلامياً ولا سياسياً بشكل واضح حتى الآن.
أهم ما في هذا القانون ليس ما يوحي به اسمه وفقراته الأولى، بل الأجزاء الأكبر والأطول فيه المتعلقة بالعقوبات؛ فالقانون ينص على تمديد عقوبات قيصر، (التي كان من المفترض أن ينتهي العمل بها وفقاً لقانون قيصر نفسه، بعد خمس سنوات من دخوله حيز التنفيذ في حزيران 2020، أي في حزيران 2025). ويمدد مشروع القانون الجديد عقوبات قيصر حتى عام 2032، ويشدد بعضاً من العقوبات المفروضة ضمنه. ويقدم بذلك إشارةً إلى طبيعة التصور الزمني الذي تأمله الولايات المتحدة الأمريكية لامتداد الأزمة السورية...
ولكي نضع هذا القرار الجديد في إطاره الصحيح، لا بد من العودة إلى نقاش مسألة العقوبات الغربية وخاصة الأمريكية، التي ما يزال البعض مصراً على الدفاع عنها حتى اللحظة، وما يزال البعض الآخر مستفيداً منها، معلّقاً كل الخراب الاقتصادي والاجتماعي عليها دون أن يقوم بأي إجراء فعلي للتصدي لها، رغم أنّ ذلك ممكنٌ، وواقعي...

ومن المفيد إذاً، أن نذكر بما سبق أن قلناه في كلا الاتجاهين؛ في اتجاه إضرار العقوبات بالشعب السوري، وفي اتجاه ممانعة المتشددين والفاسدين الكبار ضمن النظام فكَّ الارتباط الاقتصادي مع الغرب والاتجاه شرقاً بالأفعال لا بالأقوال...

أهداف العقوبات

كما قلنا سابقاً وبشكل متكرر، بما في ذلك في مادة بعنوان «المقررة الأممية للعقوبات الأحادية تفتح ثغرة في جدار السردية الغربية»، فيما يتعلق بالأهداف المنشودة من العقوبات وتحديداً في الملف السوري: «كانت وما زالت العقوبات الاقتصادية التي يفرضها الغرب – وبالأخص الولايات المتحدة – وسيلة لما يسمونه (تغيير سلوك) أنظمة وحكومات مختلفة حول العالم، ولكن فعلياً ما تحققه هذه العقوبات هو أهدافها الحقيقية التي تكمن في إضعاف الدول ومؤسساتها إلى حد الانهيار وإفقار الشعوب، ضمن محاولاتها لتحقيق مصالح سياسية معينة. وأفضل مثال للنظر إلى هذا الجانب هو العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على سورية والتي توضحت أهدافها بشكل أكبر بعد إقرار ما يسمى بـ «قانون قيصر». والذي يحمل بين طياته أهدافاً سياسية أبرزها متعلق بالدفع باتجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني من خلال نصٍ في القانون».
وتظهر هذه الأهداف بشكل أوضح من خلال متابعة مقاربة هذه الأطراف للملف السوري والمشاريع التي تعمل عليها، وأبرز هذه المشاريع مؤخراً هي مشروع الـ «خطوة مقابل خطوة» الذي غطته قاسيون بشكل مكثف. وبينما طغى شعار «تغيير سلوك النظام» في مرحلة سابقة، أتى شعار «خطوة مقابل خطوة» ليأخذ حيّزاً أكبر، الأمر الذي تطرقت إليه مادة نشرها مركز دراسات قاسيون قبل أسبوعين بعنوان «من «تغيير سلوك النظام» إلى «خطوة مقابل خطوة» أين وصلت اتفاقات تحت الطاولة مع الغرب؟». قلنا في المادة المذكورة حول مشروع «خطوة مقابل خطوة» إن «طرفاه هما الغرب والنظام، والمعارضة السورية ليست طرفاً فيه، والقرار 2254 ليس أساساً له... طَرحُ المشروع بوصفه أداة لتنفيذ 2254 كان الخطوة الأولى (في الحقيقة الثانية بعد شعار تغيير سلوك النظام)، في الانسلاخ التدريجي عن 2254»، وعليه فإن جوهر هذا المشروع يقوم على أساس استعداد الغرب للتنازل عن شيء ما بحوزته «مقابل خطوات معينة يقوم بها النظام السوري»، وأحد أهم الأشياء التي يمكن أن يتنازل عنها الغرب والولايات المتحدة مرتبطة بالعقوبات التي تفرضها على الدولة السورية. من المفيد هنا أيضاً العودة إلى مادة بعنوان «أين وصلت عملية «تغيير سلوك النظام»؟ سياق... أدوات... نتائج»، والتي تطرقت إلى الاستنزاف الاقتصادي والأدوات التي يستخدمها الغرب بقيادة أمريكية لتحقيق غاياتها في الملف السوري.
قبل عدة سنوات، وبالتحديد منذ انطلاق مسار أستانا ولاحقاً التغييرات التي شهدتها المنطقة فيما يتعلق بعلاقات القوى الإقليمية – ولا سيّما الدول العربية الأساسية – مع الغرب وأمريكا من جهة والعلاقات مع القوى الصاعدة من جهة أخرى، أمام كل ذلك، بات واضحاً لدى الغرب وبالأخص واشنطن، أن فرض العقوبات على سورية لم يعد كافياً لوحده لمحاولة تحقيق أهدافها المرجوة في التعاطي مع الملف السوري. نتيجة كل ذلك، ظهرت نسخ جديدة ومطورة من العقوبات المرتبطة بسورية وطريقة فرضها، بما فيها «قانون قيصر» و«قانون الكبتاغون»، وأخيراً ما يسمى بـ «قانون مناهضة التطبيع مع نظام الأسد».
وكانت قاسيون قد تطرقت إلى هذه القوانين سابقاً، ومنها مادة بعنوان ««الكبتاغون»... النسخة المعاصرة من «قيصر»... والهدف تكريس الفوضى والعمل ضد أستانا!»، والتي خلصت، ضمن أمور أخرى، إلى «أنّ محاربة تجارة الكبتاغون ليست أكثر من شعارٍ وهمي، شأنها شأن حماية المدنيين في قانون قيصر، بينما الهدف الفعلي هو محاولة توسيع أدوات التحكم الأمريكية ليس في سورية وحدها، ولكن خصوصاً في الدول المجاورة لها، وبالتحديد عبر الأردن ومن ثم العراق؛ حيث ستحاول الولايات المتحدة وعبر هذا القانون وغيره أنْ تلغي مفاعيل عمل ثلاثي أستانا، الذي بات يتحدث بشكل علنيٍّ أو شبه علني بأنه ماضٍ ليس فقط في التسوية السورية التركية، بل وأيضاً نحو تطبيق 2254 ونحو حل الأزمة السورية دون مشاركة الأمريكان، وبالرغم منهم إنْ احتاج الأمر ذلك».
فيما يتعلق بمشروع «قانون مناهضة التطبيع مع نظام الأسد»، والذي تم إقراره في مجلس النواب الأمريكي في الـ 14 من شباط الجاري، ويبقى مشروع قانون إلى أن يتم إقراره من مجلس الشيوخ لاحقاً هذا العام ويصادق عليه الرئيس، والذي من المتوقع أن يتم تمريره كما حصل مع «قانون قيصر» ضمن حزمة مرتبطة بإقرار ميزانية ونفقات الدفاع للعام التالي، فإن له جوانب أخرى ذات صلة بالعقوبات أقل وضوحاً من «قانون قيصر» و«قانون الكبتاغون». على الرغم من أن القانون معني بشكل أساسي بأي ممارسات أو نشاطات من قبل مسؤولين فدراليين أمريكيين بما في ذلك الحكومة الأمريكية، ترقى إلى مستوى إعادة العلاقات والاعتراف بالنظام السوري، إلا أنه يشمل خطوات أخرى ذات صلة بالعقوبات حيث يشمل مشروع القانون في نصه الحالي أربعة أجزاء أساسية، أولها وأطولها هو التعديلات على «قانون قيصر»، ودون الدخول بتفاصيل مشروع القانون الذي يستحق مادة منفصلة، إلا أن هذه التعديلات تضيف بنوداً أخرى لما يشمله القانون، كما أنها تمدّد العمل بموجب «قانون قيصر» حتى نهاية عام 2032، حيث كان من المفترض أن ينتهي العمل به هذا العام أو بعد 5 سنوات منذ دخوله حيّز التنفيذ.

1163p-10

أكذوبة الاستثناءات الإنسانية للعقوبات

لطالما روجت الجهات الفارضة للعقوبات ومعها مناصروها من السوريين أن برامج العقوبات التي يفرضها الغرب والولايات المتحدة تشمل استثناءات لقطاعات معينة ومنها الإنسانية والطبية والغذائية بما يخفف من وطأة العقوبات على المدنيين. وركزت عدة مواد سابقة على أن هذه الدعاية هي مجرد أكذوبة وأن تطبيقها شبه مستحيل و/أو لا يؤدي فعلياً إلى أي تحسين في الوضع المعيشي للسوريين.
تم التطرق إلى هذه النقطة خلال فترة ما بعد الزلزال المدمّر في الـ 6 من شباط الماضي والاستجابة لما نتج عنه في المناطق السورية التي تضررت على إثره. تم الحديث عن هذا الموضوع في مادة نشرتها قاسيون بعنوان «من يساعد السوريين إنسانياً متهمٌ عند أمريكا... حتى تثبت براءته!»، والتي راجعت موضوع الاستثناءات الإنسانية المزعومة من العقوبات. الأهم في تلك المادة موضع النقاش كان قراراً صدر عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأمريكية بعد أيام من الزلزال، والذي نص في مقدمته على السماح بترخيص «جميع المعاملات المتعلقة بجهود الإغاثة من الزلزال في سورية والتي كانت محظورة بموجب لوائح العقوبات السورية». وتباهت الولايات المتحدة بهذه الخطوة كدليل على «إنسانيتها» من خلال تقديمها «استثناءً إنسانياً» كاستجابة للكارثة التي حلّت بالشعب السوري نتيجة الزلزال». وهذا التصريح المتضمن في القرار أوجب «الوقوف عنده والنظر فيه من زوايا مختلفة، ولا سيّما أنه من المفترض أن العقوبات الأمريكية – والغربية بشكل عام – مصممة وفقاً لواضعيها بـ «طريقة ذكية» ولا تشمل أو تؤثر على الشعب السوري، وفيها استثناءات تضمن ذلك، متعلقة بالمساعدات الإنسانية والطبية والغذائية... إلخ». على أساس ذلك، طرحت المادة السؤال التالي: «لماذا هنالك حاجة إلى قرار منفصل مرتبط بكارثة إنسانية إضافية ويسمح بتعاملات مرتبطة بذلك إذا كان أساساً أي شيء مرتبط بالمساعدات الإنسانية مستثنىً من العقوبات؟»
إضافة إلى هذا السؤال، تطرقت المادة إلى كيفية تطبيق ما تسميه واشنطن بالاستثناءات الإنسانية، حيث أشار بيان صحفي لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية إلى طريقة الحصول على الاستثناء: «إذا كان الأشخاص، بما في ذلك المؤسسات المالية، منخرطين في أنشطة الاستجابة للكوارث في سورية، لكنهم يعتقدون أن أنشطتهم غير مشمولة بالتراخيص أو الإعفاءات الحالية، نحث أولئك الأشخاص على الاتصال بمكتب مراقبة الأصول الأجنبية مباشرة للحصول على تراخيص أو إرشادات محددة». وهذا أدى إلى الاستنتاج التالي: «الولايات المتحدة تمنح نفسها الحق الحصري في إسباغ الصفة «الإنسانية» على أي نوع من المساعدات، وأيضاً على نزع تلك الصفة؛ أي إنّ أية مساعدة إنسانية يمكن أن تصل إلى سورية ينبغي أن تكون بعلم الولايات المتحدة وبموافقتها، ما يعني أيضاً أنّ تسييس المساعدات والتحكم بها بما يخدم السياسة الأمريكية في سورية هو على رأس أولويات واشنطن، ولم تكن الإغاثة الإنسانية ذاتها، وليست الآن، محل اهتمام واشنطن».
كما تم النظر في الاستثناءات الإنسانية للعقوبات في مادة بعنوان «هل هناك أي معنى لما يسمى «الإعفاءات الإنسانية من العقوبات»؟»، والتي خلصت من خلال النظر إلى مثال «قانون قيصر» إلى أنه لا يوجد ما يوحي «بأن الولايات المتحدة اعتنت بضمان عدم تضرر المدنيين؛ في الواقع، يبدو أن الولايات المتحدة لم تكلف نفسها عناء معرفة الآثار السلبية، لأن المدنيين لم يكونوا ولن يكونوا أبداً أولوية لأي سياسة أمريكية، لا في سورية، ولا في أي مكان بالعالم... من المحتمل حقاً أن يكون الاستهداف الفعلي للأمريكيين هو بالضبط الإضرار بالمدنيين السوريين، بما يولده ذلك من تعميق للتوتر والفوضى». كما تم التذكير بأنه وفق طريقة تنفيذ العقوبات، فإن الجهات التي تقدم المساعدات الإنسانية أو أي شيء مما هو مستثنى من العقوبات، عليها أن تحصل على الإعفاء قبل الشروع بالقيام بعملها، والحصول على ذلك يتطلب إجراءات تستغرق الكثير من الوقت والكلفة، ما يدفع ودفع الكثير منها إلى التوقف عن العمل كليّاً في سورية، وهو الأمر الذي أشارت المادة السابقة إلى أنه عمل يخالف أبسط قاعدة قانونية والتي تنص على أن «الشخص بريء حتى تثبت إدانته»، بينما وفق العقوبات المفروضة على سورية، ولا سيّما الأمريكية، فإن الجهات التي تقدم المساعدات الإنسانية مذنبة حتى تثبت براءتها، وتثبتها للأمريكي تحديداً!
علاوة على ذلك، فإن تعريف ما هو إنساني تقرره الجهة الفارضة للعقوبات وليس متعلقاً بطبيعة المساعدة. في هذا السياق، يوضح عدد من الممارسات بأن الغرب وبالأخص أمريكا لا ترى أن الوصول إلى التعليم هو أمر إنساني بحت يستحق تشميله في الاستثناءات الإنسانية. وتم النظر في هذه النقطة في مادة بعنوان «وفقاً لـ «قيصر»: التعليم ليس قضية إنسانية!»، وفي سياق مرتبط، سبق وسلطت قاسيون الضوء على أن العقوبات تشمل كافة مؤسسات الدولة بما فيها وزارة التعليم، ولذلك فإن العقوبات المفروضة على سورية تساهم في كارثة تسرب الأطفال من المدارس، لأن المدارس بحاجة إلى ترميم وإعادة تأهيل وبناء ولكن الجهة المشرفة على هذا الأمر هي وزارة التعليم، ولذلك لا يمكن استثناء إعادة تأهيل أو بناء المدارس الحكومية من العقوبات، ما يعني تعميق مشكلة التعليم وعدم قدرة أعداد متزايدة من الأطفال السوريين على الحصول على التعليم.

اقتراحاتنا للتصدي للعقوبات... والتي لم يأخذ المتشددون بأي منها...

قاسيون، وعلى مدى سنوات الأزمة نشرت عدداً كبيراً من المواد تشمل مقترحات عملية وواقعية حول كيفية التعامل مع العقوبات الاقتصادية، ونظرت هذه المواد في كيفية تعامل الحكومات السورية مع العقوبات، مع التركيز على دور السياسات الاقتصادية والفساد المستشري في الاقتصاد والدولة وعدم تعديل هذه السياسات، الأمر الذي أدى إلى إعطاء العقوبات المجال الواسع لتؤثر على الاقتصاد بالشكل الذي أثرت به ونهشت ما تبقى من الاقتصاد وفاقمت من تدهور الوضع المعيشي. على العكس تماماً، فالسياسات المتبعة والتغييرات المستمرة بما فيها خطوات مثل رفع الدعم عن كل ما تبقى من الأساسيات، كل ذلك أدى لتعميق تأثير العقوبات ومعها تعميق معاناة الشعب السوري.
في مادة بعنوان «كيف ساهم الحرامية الكبار و«ليبراليتهم» الاقتصادية في مضاعفة وتعميق آثار العقوبات الغربية؟» استعرضنا بعض المقترحات التي قدمناها لخطوات يمكن القيام بها لوقف النزيف، الأمر الذي يتطلب الإرادة السياسية، والتي ما زالت غير موجودة لدى الجهات المتنفذة التي تقوم بدلاً من أخذ خطوات لتخفيف وطأة الأوضاع على المواطن، بإجراءات تزيد من معاناته. وأشرنا إلى أن «إمكانية تخفيف تأثير العقوبات لا تكمن فقط في البدائل والسياسات الاقتصادية التي تضع الاقتصاد الوطني والإنتاج الوطني والسوق الوطني والمستهلك السوري أولويةً لها، ولكن في الإرادة السياسية، وهذه تتطلب تغييراً جذرياً للوصول إليها... فالنخبة المتنفذة والمستفيدة من استمرار الأزمة بكل جوانبها، والمتحكمة بمفاصل الدولة، أظهرت بما يكفي من الوضوح أنها غير مستعدة للقيام بأي دور إيجابي، ولم يعد الناس ينتظرون منها سوى المزيد من المصائب». وهذا يعني باختصار «أنّ تجاوز الانهيار الاقتصادي القائم ممكن، ولكن الطريق نحوه لم يعد اقتصادياً أو مالياً، بل بات سياسياً بالدرجة الأولى... ما يحوّل تطبيق الحل السياسي الشامل عبر 2254، أي البدء بتغيير جذري للبنية والمنظومة القائمة، إلى أداة أساسية ووحيدة في حل الأزمات الاقتصادية وفي تجاوز العقوبات».
وبرزت أهمية وجود الإرادة السياسية لاجتثاث الفساد بشكل خاص بعد الزلزال في 6 شباط الماضي والذي كشف المزيد من العواقب الكارثية للفساد بما فيها الأرواح التي حصدها الزلزال والحجم الهائل من الخسائر الاقتصادية، والتي تمت تغطيتها في مادة بعنوان «كي لا ندفع ثمن الزلزال مرتين... «اجتثاث الفساد» ضرورة كبرى!». ونوهت المادة إلى أنه «ساد اعتقاد لدى بعض السوريين أن تعرُّض البلاد لهذه الكارثة الجديدة من شأنه أن يدفع الاقتصاد السوري إلى الأمام قليلاً كنتيجة لتدفق أموال المساعدات واجتذاب كتلة دولارية جديدة من الخارج، ولا سيّما بعد إعلان وزارة الخزانة الأمريكية عن تخفيف بعض القيود التي تفرضها العقوبات الأمريكية على سورية لمدة 6 أشهر». وأشارت المادة إلى أن السوريِّين المنكوبين دفعوا في تلك «الكارثة ثمناً باهظاً لفاتورة الفساد الكبير ونهبه المستمر للدولة خلال عقود من الزمن، الأمر الذي ترك البلاد في وضع شديد الهشاشة أمام أية كارثة إنسانية حدثت أو ستحدث لاحقاً... لهذا، فإن مصير أية مساعدات ستدخل سورية، في ظل منظومة الفساد الكبير المستشرية والمتحكمة في جميع مجالات الحياة، ستكون عرضة هي الأخرى للنهب والضياع كما ضاعت جميع المساعدات والمعونات الاقتصادية التي قدمتها الدول الصديقة لسورية سابقاً... تثبت الكارثة المستجدة مرة أخرى ما أثبتته الكوارث السابقة في درب الآلام السوري، وهو أن أية خطوة نحو الأمام في معيشة السوريين وأوضاعهم مرهونة باجتثاث الفساد الكبير الذي يمصّ دماء المنهوبين ويتربح من أوجاعهم المتراكمة كل يوم».

1163p-17

ما الجديد الآن؟

الجديد هو استمرار للقديم؛ فمع مشروع قانون مناهضة التطبيع، الذي لن يطول به الأمر حتى يتحول إلى قانون، فإنّ العقوبات الأمريكية ستبقى رقماً أساسياً مؤثراً في المعادلة السورية لسنوات لاحقة، ما دامت الإحداثيات القائمة مستمرةً؛ أي ما دام الحل السياسي غائباً، وما دام الفاسدون الكبار والمتشددون ورافضو الحل السياسي هم المتحكمون بمقادير الأمور.
بالتوازي، جرى ويجري السير، خطوات وراء خطوات، خلف السراب المسمى «خطوةً مقابل خطوة»، والذي يعني في جوهره «لملمة المسألة» عبر صفقة ما من تحت الطاولة بعيداً عن الحل السياسي وبعيداً بالذات عن 2254، والصفقة تكون مع واشنطن وبوساطة المطبعين مع الصهيوني وبحضورٍ خلفيٍّ للصهيوني نفسه.
والعقوبات في هذا الإطار ليست العصا التي سيتم رفعها عند الاستجابة للطلبات المقدمة كما قد يظن البعض، يكفي النظر في المثال العراقي لمعرفة أنّ نوعية النظام الحاكم ليست ما يهم الأمريكان، فالعقوبات الأمريكية على العراق ما تزال مستمرة حتى اللحظة بعد 21 عاماً من احتلاله وإسقاط نظامه، بل والعقوبات الآن أسوأ مما كانت عليه قبل 2003؛ ربما ينبغي التذكير بأنّ النفط العراقي الذي يبيعه العراق للخارج، لا يتم استلام ثمنه في بغداد، بل يتسلمه الفيدرالي الأمريكي، وهو من يتحكم بكيفية تمريره إلى العراق، ويتحكم بمن يصل إليه ومن لا يصل...
الأمر ببساطة هو أنّ الأمريكي وفي إطار تراجعه الشامل على الساحة الكونية، لم تعد لديه مشاريع يجذب من خلالها القوى المحلية والإقليمية المختلفة. لديه فقط العصا، عصا العسكرة وعصا العقوبات وعصا التخريب عبر داعش وغيرها، ولذا لا يمكنه، حتى لو أراد، أنْ يقدم خيراً لأحد، يمكنه فقط تقديم مزيد من الخراب والفوضى الشاملة الهجينة التي هي مخرجه الوحيد من تراجع هيمنته العالمية... ولذا فإنّ أي صفقة مع واشنطن هذه الأيام، هي تنازلٌ مجّانيّ عن المستقبل... الشخصيّ والعام!

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1163
آخر تعديل على الأربعاء, 28 شباط/فبراير 2024 21:25