المسألة ليست في كيفين بل في سرقة الشعب السوري في سياق «الدفاع عنه»!
ريم عيسى ريم عيسى

المسألة ليست في كيفين بل في سرقة الشعب السوري في سياق «الدفاع عنه»!

أصدرت محكمة فيدرالية في الولايات المتحدة مطلع هذا العام، حكماً بتعويض لصحافي أمريكي بقيمة 50 مليون دولار أمريكي، في دعوى تقدم بها ضد النظام السوري على خلفية «اعتقاله وتعذيبه من تشرين الأول 2012 وحتى نيسان 2016». وكان الصحافي، كيفين دوز، قد ذهب إلى سورية عن طريق تركيا في مطلع شهر تشرين الأول 2012، بصفته كمصور صحفي لتغطية الأحداث في سورية، وفق ادعائه. وتم إطلاق سراح الصحافي الأمريكي بوساطة روسية، وشكر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية آنذاك، الحكومة الروسية على الجهود التي بذلتها في هذا الصدد. ومن الجدير بالذكر، أنه وفق عدد من التقارير تم اعتقال عدة أشخاص أمريكيين في سورية منذ 2011 كانوا متواجدين في البلاد بصفتهم صحافيين، ولكن دوز كان من القلة الذين عملت الحكومة الأمريكية بشكل حثيث لإطلاق سراحهم، ما يطرح التساؤل حول ما الذي يجعل إطلاق سراحه بهذه الأهمية، وهو سؤال خارج موضوع هذه المادة، ولكن من المهم التفكير به.

وكان دوز قد رفع دعوى على الحكومة السورية في تشرين الأول 2021 بمساعدة ما يسمى بـ «فريق المنظمة السورية للطوارئ»، والتي ادعت أن دوز ذهب إلى سورية «على أمل توفير الدواء للمدنيين وتسليط الضوء على معاناتهم». ووفق مصادر قانونية وإعلامية أمريكية، فإن دوز يمكن أن يحصل على التعويض مما يسمى «صندوق ضحايا الإرهاب».

ما هو «صندوق ضحايا الإرهاب»؟

أنشأ الكونغرس صندوق الولايات المتحدة لضحايا الإرهاب الذي ترعاه الدولة (USVSST)، بحسب موقع الصندوق، في كانون الأول 2015 «بموجب القانون، لتقديم تعويضات لمجموعة محددة من ضحايا الإرهاب الدولي المتضررين من الإرهاب الذي ترعاه الدولة». إضافة إلى ذلك، «بشكل عام، تم تصميم صندوق USVSST لمنح تعويضات لضحايا الإرهاب الدولي الذي ترعاه الدولة، والذين (1) حصلوا على أحكام نهائية في محكمة محلية بالولايات المتحدة ضد دولة راعية للإرهاب، أو (2) تم احتجازهم كرهائن في سفارة الولايات المتحدة في طهران، إيران من عام 1979 إلى عام 1981 (والأزواج والأطفال المؤهلون)».
من المهم التذكير هنا بقائمة الدول التي تعتبرها الولايات المتحدة دولاً راعية للإرهاب، وهي، وفق وزارة الخارجية الأمريكية: كوبا، كوريا الشمالية، إيران، وسورية. ومن الجدير بالذكر، أن سورية هي الأقدم في هذه القائمة، حيث تم تصنيفها كذلك في كانون الأول من عام 1979.

ما هي مصادر الأموال المودعة في الصندوق؟

وفق القانون الذي تم بموجبه إنشاء الصندوق، «يتم إيداع أو تحويل... جميع الأموال وصافي العائدات من بيع الممتلكات، التي تمت مصادرتها أو دفعها إلى الولايات المتحدة بعد تاريخ سن هذا القانون كعقوبة جنائية أو غرامة ناشئة عن... أي مؤامرة أو مخطط إجرامي ذي صلة أو أي جريمة فيدرالية أخرى ناشئة عن تصرفات دولة راعية للإرهاب، أو التعامل معها أو التصرف بالنيابة عنها.... نصف جميع الأموال ونصف صافي العائدات من بيع الممتلكات، المصادرة أو المدفوعة للولايات المتحدة بعد تاريخ سن هذا القانون كعقوبة مدنية أو غرامة ناشئة عن... أي مؤامرة ذات صلة أو مخطط أو أي جريمة فيدرالية أخرى تنشأ عن تصرفات دولة راعية للإرهاب أو التعامل معها أو التصرف بالنيابة عنها».
ويمكن أن يتم تحويل الأموال إلى الصندوق بقرار من وزارة العدل الأمريكية، وكذلك بقرار من الكونغرس، ويمكن أن تأتي الأموال من مصادر، مثل: صندوق المصادرة التابع لوزارة الخزانة، وهو حساب الاستلام لإيداع المصادرات التي تتم وفقاً للقوانين التي تطبقها أو تديرها وكالات الخزانة ووزارة الأمن الداخلي، وتتم إدارة صندوق المصادرة من قبل المكتب التنفيذي للخزانة لمصادرة الأصول، كما يمكن أن تأتي الأموال من خلال برنامج مصادرة الأصول التابع لوزارة العدل.
من المهم التذكير، بأن الهدف المعلن من قبل وزارة الخزانة الأمريكية من العقوبات الاقتصادية هو تجميد أصول الجهة الخاضعة للعقوبات، أو الشخص المستهدف ومنع الأشخاص الأمريكيين من التعامل معهم. ومن المفترض، بمجرد تحقيق أهداف السياسة الخارجية للعقوبات، أن تتم إعادة الأصول إلى البلد المعني. ولكن، وفق نص القانون الذي بموجبه تم إنشاء «صندوق ضحايا الإرهاب»، فإنه يمكن إيداع أي أموال تتم مصادرتها في سياق مخالفة القوانين المتعلقة بالعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على الدول، أو الأفراد في الصندوق.
أحد الأمثلة لاستخدام القوانين الأمريكية لمصادرة أموال مرتبطة بنشاطات في سورية، كان فرض عقوبة مالية على شركة الاسمنت الفرنسية «لافارج» والتي اعترفت بدعمها لتنظيم داعش وجبهة النصرة في 2013 و2014 من خلال ممارسة عملها في المناطق الخاضعة لسيطرة تلك التنظيمات في سورية. وفق الوثائق المرتبطة بالقضية، تمت مصادرة الأموال وبالتحديد 687 مليون دولار أمريكي من الشركة على أساس قوانين متعلقة بالإرهاب والعقوبات، وتم إيداعها في صندوق الأصول المصادرة التابع لوزارة العدل الأمريكية، والتي يمكنها أن تحولها إلى صندوق ضحايا الإرهاب. هذا يعني، أن الأموال التي تتم مصادرتها على أساس نشاطات لشركات غير أمريكية خارج أمريكا على أساس قوانين أمريكية، مثل: القوانين المرتبطة بالعقوبات التي تفرضها أمريكا على أي دولة، يمكن أن ينتهي بها المطاف في صندوق ضحايا الإرهاب، والذي يدفع تعويضات كما في المثال في بداية هذه المادة لمواطنين أمريكيين.
بشكل أوضح، يمكن استخدام هذه القوانين، وبالأخص قوانين، مثل: قانون قيصر لتجميد ومصادرة أصول أفراد وشركات ومؤسسات سورية في حال كانت هذه الأصول موجودة في دول أو شركات يمكن لأمريكا استخدام بلطجتها لوضع يدها عليها، ويمكنها من خلال قرار قضائي أمريكي أن تودعها في صناديقها المختلفة، وتدفعها كتعويضات لمواطنين أمريكان، بالرغم من أن هذه الأصول والأموال هي إما ملك لجهات أو أفراد سوريين، أو في حال كان مصدرها النظام السوري، فهي فعلياً ملك للشعب السوري.
ولا يوجد أي شيء يمكن أن يمنع أمريكا من استخدام الأصول التي تصادرها من أي دولة أو مواطني أي دولة، حيث إنه منذ بداية الحرب في أوكرانيا كانت هناك دعوات متزايدة إعلامياً وفي الأوساط السياسية الأمريكية، بأن تقوم إدارة بايدن بتصفية مليارات الدولارات من أصول البنك المركزي الروسي، التي جمدتها أمريكا من أجل مساعدة أوكرانيا في جهودها الحربية، أو بالأحرى من أجل تغطية التكاليف التي يتكبدها الغرب وأمريكا في دعم أوكرانيا ضد روسيا. وكان هذا الطرح على أساس قانون أصدره الكونغرس في عام 2001، والذي بموجبه يمكن للرئيس الأمريكي «عندما تكون الولايات المتحدة منخرطة في أعمال عدائية مسلحة أو تتعرض لهجوم من قبل دولة أجنبية أو مواطنين أجانب... بمصادرة أي ممتلكات تخضع للولاية القضائية للولايات المتحدة لأي شخص أجنبي، أو منظمة أجنبية، أو دولة أجنبية، يقرر أنها خططت أو أذنت أو ساعدت أو شاركت في مثل هذه الأعمال العدائية، أو الهجمات ضد الولايات المتحدة؛ وجميع الحقوق والملكيات والمصالح في أي ممتلكات تمت مصادرتها على هذا النحو ستصبح في عهدة الولايات المتحدة... ويمكن بعد ذلك الاحتفاظ بهذه الممتلكات أو استخدامها أو إدارتها أو تصفيتها أو بيعها أو التعامل معها بأي شكل آخر لصالح الولايات المتحدة ولمصلحتها». ولذلك، بكلام آخر، بينما لم تستطع أمريكا أن تقوم بهذا فيما يتعلق بروسيا، لأنها ليست منخرطة بشكل مباشر في الحرب في أوكرانيا، إلا أنه يمكن اعتبارها منخرطة في النزاع في سورية بموجب تواجدها العسكري هناك. وتوجد سوابق أخرى تم بموجبها القيام بذات الشيء فيما يتعلق بأصول صادرتها أمريكا في سياقات أخرى، بما فيها العراق وإيران وفنزويلا وأفغانستان، حيث تم استخدام أموال من هذه المصادرات لدفع مستحقات لمواطنين أمريكيين، بموجب أحكام أصدرتها محاكم أمريكية على أساس أنهم ضحايا للممارسات المرتبطة بهذه الدول، أو أنظمتها، أو مجموعات فيها.

خلاصة

إذا كانت العقوبات الأمريكية وسيلة ابتزاز سياسية ووسيلة لإعادة هيكلة اقتصادات الدول المستهدفة باتجاه تدميرها وخلخلتها، فإنّ الأدوات «القانونية» الإضافية التي تبتدعها واشنطن بشكل مستمر، يتم استخدامها لمصادرة أموال وملكيات الشعوب المستهدفة، والتي تدعي واشنطن أنها تفرض العقوبات «دفاعاً عنها»..

(English Version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1157
آخر تعديل على الخميس, 18 كانون2/يناير 2024 13:59