الإعلام العبري يبدأ بالانتقال من طور «جنون الانتقام» إلى طور «يرش فيه على الموت سكراً»

الإعلام العبري يبدأ بالانتقال من طور «جنون الانتقام» إلى طور «يرش فيه على الموت سكراً»

يسلط مركز دراسات قاسيون- وضمن المتابعات الدورية التي يقوم بها- الضوء على بعض الاتجاهات الأساسية السائدة في إعلام العدو الناطق بالعبرية، وذلك خلال الأسبوعين الأخيرين.

قبل الدخول في المحاور التفصيلية لهذه المتابعة، فإنّ ما يمكن لحظه في الإعلام العبري خلال الأسبوعين الأخيرين، هو أنّ حالة الجنون الجماعي التي سادت صحف الكيان منذ 7 أكتوبر، قد بدأت بالتلاشي؛ إذ إنه ورغم استمرار سيادة النفس الانتقامي والإجرامي في تلك الصحف، إلا أنّ حالة الإنكار الشامل للهزيمة قد بدأت بالتلاشي، كما بدأت «وحدة الآراء» بالتشتت بشكلٍ عنيف، بما في ذلك عبر الوصول مجدداً إلى طرح الأسئلة الوجودية.
أهم الموضوعات التي عبّرت الصحافة من خلالها عن قلق «النخب» الصهيونية ضمن الكيان، وعن قلق المستوطنين على حد سواء، هي: الموقف الأمريكي واحتمالات تطوره، علاقة الكيان مع الدول العربية، عملية «حارس الازدهار» وفشلها المسبق، الانقسام الداخلي وتعقيداته المتفاقمة.

عمليات السلام المزيفة، تنهار دفعة واحدة!

قبل 7 أكتوبر، ومنذ بدأت «صفقة القرن» وما تضمنته لاحقاً من «اتفاقات أبراهام»، كانت الصحافة العبرية، ومعها الرأي العام في الكيان، غارقين في وهم «تصفية القضية الفلسطينية» وإنهاء «الصراع العربي الإسرائيلي»؛ إذ كان يجري النظر إلى كامب ديفيد ووادي عربة بوصفهما أساساً متيناً تم فوقه بناء اتفاقات أبراهام، وأنّ هذا البناء قد بات في مراحله الأخيرة.
من يتابع الصحافة العبرية هذه الأيام، يمكنه أن يلحظ أنّ الحديث عن «اتفاقات أبراهام» وفوائدها للكيان قد اختفى بشكلٍ كاملٍ تقريباً. ليس ذلك فقط، بل إنّ الحديث متركز على احتمالات انهيار كلٍ من كامب ديفيد ووادي عربة.
في مقالة في صحيفة «معاريف»، 29 كانون الأول 2023، يقول الكاتب: «من واجبنا أن نحاول أن نفحص عن كثب ومع نقد ذاتي حاد، لماذا وما إذا كان ينبغي علينا إعادة النظر في المسار على المستوى الإقليمي... ألم يحن الوقت لخلع القفازات الحريرية قليلاً، ومطالبة القاهرة بوضع حد لسياسة الابتزاز على قبول الرشاوى من قبل الجنود المصريين العاديين على طول الحدود؟ ولماذا نسمح على الإطلاق ببقاء أي أنفاق؟»
ويضيف الكاتب، ضمن فهمٍ صحيح لما ينتظر الكيان، ولما ينتظر «السلام» مع مصر، بعد 7 أكتوبر: «إن العلاقات بين «إسرائيل» ومصر ذات قيمة استراتيجية هائلة. لكن لا توجد دولة في المنطقة تحتاج إلى التعاون مع «إسرائيل» الضعيفة، دولة ليست متفوقة عسكرياً وتكنولوجياً واقتصادياً، وتتمتع بباب مفتوح إلى البيت الأبيض... الموقف «الإسرائيلي» الرسمي تجاه مصر كان ولا يزال شديد الاحترام والحذر، ومن الجيد أن يكون كذلك. لكن أحداث 7 تشرين الأول تجبرنا على إعادة النظر في كل شيء. ومن الممكن أن يكون هناك مجال في هذا السياق لتشديد الموقف «الإسرائيلي» قليلاً».
وبعد رسمه للإطار العريض، ينتقل الكاتب إلى الفكرة الأساسية التي يريد قولها: «أولاً: فيما يتعلق بالإشراف على محور [نفق] فيلادلفيا... فمن الواضح أن الأمور ليست على ما يرام هناك، إذ لا يعقل أن يتم تخزين مثل هذه الكمية الكبيرة من الذخيرة في قطاع غزة، دون تهريبها من مصر. ثانياً: بعد أكثر من أربعة عقود من السلام بين البلدين، حان الوقت للمطالبة بتغيير جذري في المناهج الدراسية والرسائل المنقولة إلى الجمهور المصري، الذي لا يزال معظمه يكره «إسرائيل». من المهم تسريع العملية أيضًا في المدارس المتوسطة والثانوية، والبدء في مراقبة معاداة السامية عن كثب في الجامعات، وكذلك في النقابات المهنية في جميع أنحاء مصر، مثل: نقابة المحامين، ونقابة المعلمين، وما إلى ذلك. حيث أن هؤلاء يتمتعون بقوة كبيرة نسبياً لدى الجمهور المصري».
ليس من الصعب الاستنتاج، أنّ الكاتب يقول ضمناً: إنّ «كامب ديفيد» و«بعد أربعة عقود»، مهدد بالانهيار، وحتى إنْ لم ينهر فهو يحتاج إلى مراجعة وتعديلات، لأنه بشكله الحالي غير قادر على ضمان «أمن الكيان». والأمر نفسه ينطبق على النظرة إلى «وادي عربة» مع الأردن. يقول الكاتب: «النظام في الأردن ضعيف ويخشى على استقراره، ويعتمد بشكل كبير على «إسرائيل» والولايات المتحدة... ربما حان الوقت لخلع القفازات قليلاً، هنا أيضًا، بطريقة منظمة وذكية، ومساعدة الأردن بشكل أكثر وضوحًا في الحماية من التهديدات المتزايدة ضده، مثل: مخيمات اللاجئين على أراضيه على سبيل المثال. ويجب إغلاق جميع مخيمات اللاجئين الموجودة على أراضيه. هذه أوكار إرهابية تهدد «إسرائيل»... وفي الأردن أيضاً، كما هو الحال في مصر، فإن التحريض والمواد الدراسية مروعة، وعلينا أن نشمر عن سواعدنا ونتأكد من أن دعم «إسرائيل» والولايات المتحدة المستمر للمملكة سوف يرتبط بتغيير جوهري في المناهج الدراسية».
في كلتا الحالتين، يتحدث الكاتب عن ضرورة «خلع القفازات قليلاً» في التعامل مع مصر والأردن، وعن ضرورة تعديل اتفاقات «السلام» القائمة؛ أي أنه يتحدث ضمنياً عن أنّ الأمن المفترض أن تؤمنه تلك الاتفاقات، قد ظهر أنه سرابٌ ووهم قابل للتبدد في أي لحظة، ولذا ينبغي الضغط ليس سياسياً ومالياً فقط (بمساعدة واشنطن)، بل وعبر «خلع القفازات قليلاً»، أي مع التهديد بتجديد المعارك... وهذا يمكن أن يعكس في العمق، إحساساً «إسرائيلياً» ليس فقط بأنّ اتفاقات السلام السابقة مهددة، بل وأنّ حالة الحرب المعلنة المباشرة، هي احتمالٌ قائم، إنْ لم يكن الآن ففي المستقبل.

1155-7

حول فشل «حارس الازدهار»

في مقالة في صحيفة «كالكاليست»، 28 كانون الأول 2023، يقول الكاتب: «كان الرئيس الأمريكي جو بايدن يأمل في تقديم رد دولي حازم على هجمات الحوثيين ضد السفن في البحر الأحمر، من خلال إنشاء قوة بحرية جديدة، لكن بعد أسبوع من الإعلان الرسمي، لا يرغب العديد من الحلفاء في الارتباط بالقوات البحرية. إن عدم رغبة بعض الدول في الانضمام إلى هذه الجهود ينبع من الخلافات المحيطة بالحرب في غزة، والانتقادات الدولية المتزايدة للمناورة العسكرية».
وفي مقالة في «تايمز أوف إسرائيل»، في اليوم نفسه، يقول الكاتب: «أصدر اثنان من حلفاء أمريكا الأوروبيين الذين تم إدراجهم كمساهمين في عملية «حارس الازدهار»- إيطاليا وإسبانيا- بيانات يبدو أنها تنأى بنفسها عن القوة البحرية... لكن ما يقرب من نصف تلك الدول لم تتقدم حتى الآن للاعتراف بمساهمتها أو تسمح للولايات المتحدة بالقيام بذلك... إن إحجام بعض حلفاء الولايات المتحدة عن ربط أنفسهم بالجهود يعكس جزئياً الشقوق التي أحدثتها حرب «إسرائيل» ضد حركة حماس في قطاع غزة، والتي شهدت محافظة بايدن على دعم قوي «لإسرائيل»، حتى مع تصاعد الانتقادات الدولية بشأن هجومها... وبينما تقول الولايات المتحدة: إن 20 دولة اشتركت في قوة المهام البحرية التابعة لها، فقد أعلنت عن أسماء 12 دولة فقط... ويساعد الغضب الشعبي في بعض الدول بشأن الهجوم «الإسرائيلي» على غزة في تفسير بعض تردد الزعماء السياسيين. فقد أظهر استطلاع للرأي... مؤخراً، أن أغلبية كبيرة من الأوروبيين الغربيين ـ وخاصة إسبانيا وإيطاليا ـ تعتقد أن «إسرائيل» لابد وأن توقف عملها العسكري في غزة».
من الملفت للانتباه، أنّه في حين نقرأ تشخيصاً واضحاً لفشل تحالف واشنطن في الصحافة العبرية، فإنّ عدداً غير قليل من المتصهينين العرب، ما يزالون حتى اللحظة مبتهجين بهذا التحالف ويطبلون له، ويبنون أهرامات من الأوهام والأكاذيب على أساسه.
حول الموضوع نفسه، ترى مقالة في «يديعوت أحرونوت»، 25 كانون الأول 2023، أنّ: «المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة، اختارت عدم الانضمام إلى التحالف البحري متعدد الدول بقيادة الولايات المتحدة، ضد المتمردين الحوثيين في اليمن في البحر الأحمر، والذي تم تشكيله سابقاً هذا الشهر. ولم تنضم المملكة العربية السعودية، الدولة التي حاربت الحوثيين في السنوات الأخيرة، إلى التحالف الجديد-على خلفية تقارير مختلفة، تفيد بأن الرياض كانت على وشك التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار مع المنظمة الإرهابية المدعومة من إيران... وتقاتل السعودية الحوثيين في اليمن منذ سنوات. وفي الأسابيع الأخيرة، أفادت التقارير، أن المفاوضات بشأن اتفاق وقف إطلاق النار بين الجانبين جارية، وعلى وشك الانتهاء... إن الانضمام إلى التحالف مع الولايات المتحدة من شأنه أن يشعل الحرب من جديد، ويجعل المملكة العربية السعودية هدفاً لصواريخ الحوثيين... وكان من المفترض أن تؤيد مصر الانضمام إلى هذا التحالف من الناحية الاقتصادية، ومن أجل تأمين السفن المارة بالمنطقة. لكنها اختارت البقاء خارجاً، لأن مصلحة مصر الأساسية هي زيادة الضغط على «إسرائيل» لرفع الحصار عن غزة، من أجل إزالة اعتبارات نقل سكان غزة إلى سيناء، وهي قضية تخشى أن تؤدي إلى بدء حرب أخرى».
ومرةً أخرى، نرى في هذه المقالة رؤية أكثر موضوعية من هلوسات المتصهينين العرب الذين، وبمجرد أعلنت الولايات المتحدة عن تحالفها الجديد، سرعان ما استنتجوا أنّ التسوية السعودية- الإيرانية ستنهار، وأنّ السعودية ستنخرط في حرب جديدة شاملة ضد اليمن، وإلخ وإلخ.

عن الدور الأمريكي

تستعرض مقالة في «إسرائيل هيوم»، 30 كانون الأول 2023، بقدرٍ من التفصيل، المؤشرات العملية للوقوف الحاسم والنهائي لواشنطن إلى جانب الكيان، وحتى النهاية، مع قدرٍ ضئيل يمكن لحظه من التشكيك. تقول الصحيفة: «قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يوم السبت: إن الحرب «الإسرائيلية» على حماس في غزة ستستمر «لعدة أشهر أخرى»، متراجعاً عن الدعوات الدولية المستمرة لوقف إطلاق النار، بعد تزايد الوفيات بين المدنيين والجوع والنزوح الجماعي في القطاع المحاصر. وشكر نتنياهو إدارة بايدن على دعمها المستمر، بما في ذلك الموافقة على بيع أسلحة طارئة جديدة، وهي الثانية هذا الشهر، ومنع صدور قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يسعى إلى وقف فوري لإطلاق النار. وتقول «إسرائيل»: إن إنهاء الحرب الآن سيعني انتصار حماس، وهو الموقف الذي تشاركها فيه إدارة بايدن... وقالت وزارة الخارجية يوم الجمعة: إن وزير الخارجية أنتوني بلينكن أبلغ الكونجرس أنه وافق على بيع معدات بقيمة 147.5 مليون دولار، بما في ذلك الصمامات والشحنات والبادئات، اللازمة لقذائف 155 ملم التي اشترتها «إسرائيل» سابقاً. وهذه هي المرة الثانية هذا الشهر التي تتخطى فيها إدارة بايدن الكونجرس، للموافقة على بيع أسلحة طارئة «لإسرائيل». واتخذ بلينكن قراراً مماثلاً في 9 كانون الأول بالموافقة على بيع ما يقرب من 14 ألف طلقة من ذخيرة الدبابات «لإسرائيل»، تبلغ قيمتها أكثر من 106 ملايين دولار. جاءت كلتا الخطوتين في الوقت الذي لا يزال فيه طلب الرئيس جو بايدن للحصول على حزمة مساعدات بقيمة 106 مليار دولار تقريباً- لأوكرانيا و»إسرائيل» واحتياجات الأمن القومي الأخرى- متوقفاً في الكونجرس، وسط جدل حول سياسة الهجرة الأمريكية وأمن الحدود. وتحدث بعض المشرعين الديمقراطيين عن جعل المساعدة الأمريكية المقترحة البالغة 14.3 مليار دولار لحليفتها في الشرق الأوسط، مشروطة بخطوات ملموسة من جانب حكومة نتنياهو، لتقليل الضحايا المدنيين في غزة خلال الحرب مع حماس».
ما مرّ عرضاً في المقالة السابقة، تحت الكذبة الأمريكية المفضوحة عن رغبتها في «تقليل الخسائر بين المدنيين»، يظهر بشكل أوضح في مقالة في موقع «القناة السابعة»، 29 كانون الأول 2023، والتي رسمت بشكل أوضح، وإنْ مع مبالغات في تقدير الوزن «الإسرائيلي» في العلاقة الثنائية بين واشنطن وتل أبيب، ولكنها رسمت بشكل أوضح حدود المخاوف «الإسرائيلية» من القبضة الحديدية التي تدير بها واشنطن المعركة، والتي يبدو فيها الكيان مجرد أداة لواشنطن:
«للوهلة الأولى، يبدو أن «إسرائيل: ليس لديها خيار سوى الخضوع للضغوط الأمريكية. ففي نهاية المطاف، فهي بحاجة إلى إعادة الإمداد بالذخائر والحماية التي يؤمنها حق النقض الأمريكي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والوقت الذي يمنحها إياه حق النقض هذا... لنفترض أن «إسرائيل» تحولت إلى التكتيكات التي طالب بها بايدن، لكنها أخذت وقتها في القضاء على حماس. وفي هذه الأثناء، لا ينبغي «لإسرائيل» أن توافق على أي شيء. وعليها أن ترفض مناقشة اليوم التالي، ولا ينبغي لها أن توافق على وقف إطلاق النار. إذا كان الأمر كذلك، فإن بايدن هو الذي لم يتبق أمامه سوى القليل من الخيارات. وبما أن إسرائيل تلتزم بمطالب بايدن ولكنها تسير ببطء في الحرب، فليس أمام بايدن خيار سوى انتظار تدمير حماس مهما طال الوقت. إن تدمير حماس أمر أساسي في خطط بايدن لدفع حل الدولتين. وبما أن «إسرائيل» ستتبع مطالب بايدن، فسيتعين على بايدن الاستمرار في استخدام حق النقض ضد أي دعوات لوقف إطلاق النار... إذا لم توافق «إسرائيل» على وقف إطلاق النار، فلن يكون من الممكن إعادة بناء غزة، ولن يتمكن سكان غزة من العودة إلى منازلهم المدمرة. سيكونون لاجئين، أو على الأقل نازحين. ويجب على «إسرائيل» ألا تتعاون في إعادة بناء غزة، أو في الجهود الإنسانية. يمكنها أن تقول، وهي محقة في ذلك: إن حماس لم يتم تدميرها بعد. إن عدم تعاون «إسرائيل» من شأنه أن يعيد الكرة إلى ملعب الأمم المتحدة. وستكون مسؤولة عن غزة وسكان غزة قبل انتهاء الصراع. وهذا سوف يضعهم في مأزق».
يسعى الكاتب في المقالة السابقة لإظهار تل أبيب بوصفها ليست فقط مستقلة عن واشنطن وإرادتها، بل ومتحكمة بها في نهاية المطاف، فليس لدى واشنطن وفقاً للكاتب «خيار آخر». ينطبق على هذا التحليل القول الشعبي: «كالذي يرش على الموت سكراً»؛ فالخيار «الإجباري» الذي يحاول الكاتب تصويره بوصفه خيار الكيان، خيار استمرار الحرب- وإنْ بوتائر منخفضة- وبآجالٍ مفتوحة، هو بالضبط الخيار الأمريكي، وهو على العكس تماماً من الخيار الذي عمل وفقه الكيان، على الأقل إلى ما قبل الهدنة. فليس خافياً على النخب ضمن الكيان، أنّه وإنْ كان إيقاف إطلاق النار الآن خسارة كبرى للكيان، فإنّ استمرار إطلاق النار بآجال مفتوحة، وفي ظل حجم الخسائر الكبرى التي يتلقاها الكيان، وفي ظل طبيعته الديمغرافية الاستيطانية، سيعني تكريس الخطر الوجودي وتعميقه، بل وسيعني في نهاية المطاف أنّ واشنطن في إطار صراعها العالمي، تستخدم الاحتياطي «الإسرائيلي» لديها، ويمكنها أن تستخدمه حتى النهاية إنْ تطلب الأمر ذلك...
في مقالة في موقع القناة الإخبارية «i24»، 26 كانون الأول 2023، يقول الكاتب: «من المقرر أن يصل وزير الشؤون الإستراتيجية «الإسرائيلي» رون ديرمر إلى واشنطن العاصمة يوم الثلاثاء، للتحدث مع ممثلي البيت الأبيض ووزارة الخارجية حول تقليص الحرب والانتقال إلى عملية منخفضة الشدة في قطاع غزة... وقال مسؤول أمريكي كبير... إن «القضية الرئيسية للمناقشة بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو هي كيفية إنهاء الأمور وفي أي إطار زمني». وبحسب المصدر «الإسرائيلي»... فإن «ديرمر سيناقش أيضًا تفكير نتنياهو فيما يتعلق بما يحدث في غزة عندما تنتهي الحرب، بما في ذلك من يحكم الجيب على المدى الطويل».. وسبق أن أعربت إدارة بايدن عن دعمها لفكرة حكم السلطة الفلسطينية للقطاع بعد انتهاء الحرب بين «إسرائيل» وحماس... وقال مسؤول «إسرائيلي»: إن ديرمر «من المتوقع أن يناقش القلق بشأن مخزون الذخيرة «الإسرائيلي» ومطالبة الولايات المتحدة بتسريع شحنات الأسلحة». وأعرب وزير الدفاع «الإسرائيلي» يوآف غالانت- في وقت سابق من شهر كانون الأول- عن مخاوفه بشأن التأخير في تسليم الذخائر إلى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن».

1155-10

ومرةً أخرى، تكشف المقالة السابقة، والتصريحات الرسمية ضمنها، أنّ كلام الإدارة الأمريكية، وخاصة كلام مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان، هو ما تم فرضه على تل أبيب، وأنها خضعت له، وبدأت بمناقشة تفاصيله مع إدارة بايدن؛ المقصود هو خيار الحرب منخفضة الكثافة طويلة الأمد.
فلننظر أيضاً في المقولة التي تقدمها مقالة في «يديعوت أحرونوت»، 23 كانون الأول 2023... «في أعقاب الهجوم الوحشي الذي شنته حماس في 7 تشرين الأول، كانت تعبيرات الرئيس الأمريكي جو بايدن عن دعمه «لإسرائيل» بالقول والأفعال فورية ولا لبس فيها. ووصف العديد من المراقبين موقف الرئيس بأنه «غير مسبوق».. وبطبيعة الحال، يطرح السؤال حول دوافع بايدن. ويمكن أن يُعزى ذلك إلى وصف الرئيس نفسه في كثير من الأحيان بأنه «صهيوني». أو كنوع من الاشمئزاز الأخلاقي الغريزي مما فعلته حماس... ومع ذلك، فإن الفحص الدقيق للخطوات التي اتخذتها إدارة بايدن في أعقاب هجوم حماس يكشف عن دافع إضافي مخفي، لكنه قوي، لدعمه القوي «لإسرائيل». وكان بايدن وسلفه باراك أوباما يعتقدان أن «إسرائيل» يمكن أن تقوم بخطوات عسكرية قد تفاجئ الولايات المتحدة وتضعها في مأزق. في الواقع، كانت «إسرائيل» فريدة من نوعها في الشرق الأوسط، باعتبارها الدولة الوحيدة التي تمتلك العقلية والوسائل التي تمكنها من الهياج. وبالتالي، فإن الطريقة الوحيدة للتخفيف من سيناريو الكابوس في المنطقة، هي منع «إسرائيل» من أن تكون الطرف الوحيد الذي تتمتع فيه واشنطن بنفوذ كافٍ للسماح لها بممارسة ضوابط فعالة... ويشعر الأمريكيون بالقلق بشكل خاص بشأن احتمال التصعيد في الشمال... كما يشعر بايدن بالقلق من أنه بعد تفكيك حماس في غزة، سيتحول الجيش «الإسرائيلي» إلى التعامل مع حزب الله، أو حتى يتعهد بمواجهة إيران مباشرة. مثل هذا السيناريو يمكن أن يؤدي إلى انفجار لا يمكن السيطرة عليه. ولا عجب أن تحاول واشنطن نزع فتيل التصعيد المحتمل ضد حزب الله من خلال إطلاق مبادرة دبلوماسية تجاه الحكومة اللبنانية».
إذا حاولنا إعادة صياغة ما تقوله المقالة السابقة، مع فلترتها من ادعاءات القوة والتحكم الصهيونية المعتادة، لوجدنا أمامنا المقولة التالية: «الغرض الأمريكي الأساسي من الدعم الواسع للكيان هو التحكم به بشكلٍ كامل ليخدم الأهداف الأمريكية في المنطقة، ولمنعه من أية حماقات يمكنها أن تهدد المصالح الأمريكية، وبالدرجة الأولى لمنعه من توسيع نطاق الحرب». ويمكننا هنا أن نضيف، ليس على أساس المقالة، بل بناءً على التحليل الذي قدمته افتتاحيات قاسيون منذ 7 أكتوبر، أنّ الدعم الأمريكي وصولاً إلى التحكم الكامل بالكيان، لا يستهدف فقط منع توسيع الحرب بشكلها المباشر، بل والمحافظة على درجة حرارة مرتفعة في كل المنطقة عبر إطالة أمد الحرب، منع وقف إطلاق النار، وتخفيض كثافتها في إطار الحفاظ على استمراريتها، ضمن رؤية هدفها متوسط المدى هو إشعال جملة حروب هجينة في المنطقة، بحيث تنشر الفوضى الشاملة فيها، وتمنع التحولات الجارية موضوعياً في التموضع الدولي، لكل من مصر والسعودية بشكل خاص، والذي إنْ اكتمل في إطارٍ من التعاون الإقليمي مع إيران وتركيا، وتحت المظلة الروسية الصينية، فمن شأنه أن ينسف الأساسات المتبقية للهيمنة الأمريكية: البترودولار، وطرق التجارة البحرية بوصفها المسيطر على التجارة العالمية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1155
آخر تعديل على الجمعة, 05 كانون2/يناير 2024 20:55