«الأمل» هو كلمة السر في الحراك العالمي المناصر لفلسطين!

«الأمل» هو كلمة السر في الحراك العالمي المناصر لفلسطين!

بات من المتفق عليه، أنّ حجم وامتداد المظاهرات الشعبية حول العالم المناصرة لفلسطين، هما حجم وامتداد غير مسبوقين تقريباً. وتجري مقارنتهما بحالة واحدة فقط خلال القرن العشرين، هي حالة المناصرة الشعبية العارمة للشعب الفيتنامي خلال مقاومته البطولية ضد الاحتلال الأمريكي وعملائه.

على سبيل المثال لا الحصر، فقد شهدت لندن مظاهرات بمئات الآلاف، قالت شرطة لندن: إنها الأكبر ضمن كل التاريخ المسجل لأعداد المشتركين في أي مظاهرة في لندن. في ألمانيا، ورغم السلوك الفاشي المعلن للحكومة الألمانية، التي وصلت بها الأمور حد اعتبار رفع علم عضوٍ في الأمم المتحدة (أي علم فلسطين)، خرقاً للقانون يستوجب العقاب، بوصفه «معاداةً للسامية» و«تهديداً للسلم الأهلي»! رغم ذلك، فإنّ المظاهرات المناصرة لفلسطين وللشعب الفلسطيني والمناهضة للمجازر الصهيونية، لا تتوقف، وتنتشر في كل المدن الألمانية تقريبا،ً وعلى أساس يومي، وبالآلاف وعشرات الآلاف من المشاركين.
في فرنسا، وخلال الأيام الأولى من الحملة الانتقامية الهمجية التي شنتها «إسرائيل» ضد غزة، كان عدد غير قليل من المتعاطفين من الشعب الفلسطيني، وخاصة في المناطق القريبة من سويسرا، يقطعون الطريق نحو جنيف للمشاركة في التظاهرات هرباً من القمع الحكومي الفرنسي، لكن سرعان ما انفجرت الأمور وخرجت عن السيطرة، وباتت المظاهرات تعم فرنسا وبالألوف وعشرات الألوف، بما في ذلك في باريس، ورغماً عن الحكومة وانحيازها الكامل للفاشية الصهيونية.
كذلك الأمر، خرجت تظاهرات ضخمة في نيويورك وواشنطن وغيرها من المدن الأمريكية، وفي معظم الدول الأوروبية وخاصة إسبانيا، وفي الدول الإسلامية والعربية بطبيعة الحال، وكذلك في أمريكا اللاتينية، وفي إفريقيا.

كيف يمكن تفسير ذلك كلّه؟

لا جدال في أنّ القضية الفلسطينية تكاد تكون أوضح قضية على وجه الأرض في عدالتها. ولا جدال في أنّ حجم الإجرام الوحشي المتعجرف الذي يمارسه الصهيوني يفقأ الأعين، ويستنفر قلوب الناس قاطبة، ويدفعهم نحو التحرك. ولكنّ هذا وحده لا يمكنه أن يفسّر كل شيء...

في إطار التفسير، تبرز العوامل التالية:

أولاً: شعوب العالم قاطبة، سئمت بكل ما للكمة من معنى، من الاستعلاء والكذب الغربي، والأمريكي خاصة. وباتت القسم الأعظم من البشرية، يتعامل مع أي موقفٍ تتخذه الحكومات الغربية، ومع أي موقفٍ يدعمه الإعلام الغربي، بوصفه موقفاً شريراً وخاطئاً ومعادياً لمصالح الشعوب. وهذا ينطبق ليس على شعوب الجنوب العالمي فحسب، بل وعلى الشعوب الغربية أيضاً، وربما أكثر مما ينطبق على الشعوب الأخرى.
ثانياً: معارضة الشعوب للإجرام الصهيوني، هو ضمنياً معارضة للحكومات والسلطات التي تحكم تلك الشعوب، وهو موقف من تلك الحكومات؛ موقف داخلي وليس مجرد تعاطفٍ إنساني عابر للحدود. وهذا في جوهره يعني أنّ الناس في مختلف أصقاع العالم، تمارس تدريباً مكثفاً على الاحتجاج، بالاستناد إلى القضية الفلسطينية، ومن أجلها، ولكن أيضاً من أجل الجماهير نفسها في دولها، ومن أجل التغيير في تلك الدول... وبكلمة، فإنّ الفيضانات الجماهيرية المناصرة لفلسطين حول العالم هي تدريب ثوريٌ للجماهير، استعداداً لجولات قادمة ذات عناوين محلية ودولية على السواء.
ثالثاً: الأمر الذي يمر كثيرون عليه مرور الكرام، وخاصة منهم أولئك «المفرطون في حساسيتهم الإنسانية»، هو أنّ حجم التعاطف مع الشعب الفلسطيني يتناسب طرداً مع صلابة إرادة ذلك الشعب، ومع صلابة وقوة مقاومته وقدرتها على إيلام المحتل وإذلاله. فالتعاطف الإنساني مع الضعيف الذي بلا حيلة، هو ضربٌ من ضروب الشفقة؛ ولطالما اقترنت الشفقة عند الإنسان بشيءٍ من الإحساس الضمني بالعلو على الإنسان الآخر موضع الشفقة، بل وبشيء من الأنفة اتجاهه. المثال الفلسطيني مختلفٌ تماماً، فالتعاطف ليس شفقة بحالٍ من الأحوال، بل هو اقتداءٌ بمثلٍ أعلى، في القوة وفي الصلابة وفي الصبر وفي القدرة على الإنجاز. التعاطف الشعبي العالمي مع فلسطين، كما كان الأمر وقت فيتنام، هو تعاطف مع أبطالٍ حقيقيين لمساعدتهم في الوصول إلى النصر المؤكد، وللاشتراك في نيل شرف ذلك النصر. مرة أخرى، وللتذكير، فإنّ حجم التعاطف العالمي مع المقاومة الفيتنامية، كان يصعد طردياً مع ازدياد قوة المقاومة وازدياد حجم الألم والخسائر الذي توقعه بالمحتلين.
رابعاً: تكثيف النقاط الثلاث السابقة، يوصلنا إلى فكرة إضافية: الشعوب حول العالم، وخاصة في الغرب، فقدت الثقة نهائياً بأنظمتها، وتراها معادية لها نفسها قبل أن تكون معادية لفلسطين والشعب الفلسطيني، وهي في إطار احتجاجها على العدوان الصهيوني الإجرامي، تحتج أيضاً على حكوماتها، وتستلهم الأمل من صمود ومقاومة الشعب الفلسطيني في القدرة على التغيير، ليس فقط على مستوى دولها منفردةً، بل على المستوى العالمي... أيّ أنّ الحراك المناصر للشعب الفلسطيني حول العالم، لا يمكن أن يُفهم بشكلٍ صحيح إذا لم نره كجزءٍ من صعودٍ جماهيري عالمي في مواجهة المنظومة العالمية السائدة بأسرها، وبمركزها الأمريكي- الصهيوني.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1148
آخر تعديل على الجمعة, 05 كانون2/يناير 2024 21:10