فلسطين: بوصلة الحراكات الشعبية!

فلسطين: بوصلة الحراكات الشعبية!

خلال الموجة الأولى من الحراكات الشعبية التي انطلقت تقريباً عام 2010، نجح الغربيون ونجح المتشددون ضمن الأنظمة وضمن المعارضات، في تحويل غضب الناس والظلم والقهر المتراكم في صدورها عبر عقود، في غير مصلحتها.

تمكن الغرب عبر الإعلام وعبر الوسائل المختلفة، من تقديم نفسه كذباً وزوراً بوصفه «نصيراً» لتلك الحراكات، وجرى ذلك نتيجة ضعف الخبرة السياسية في الشارع، ونتيجة عمليات القمع المبالغ فيه، وغير المبرر الذي تعرضت له الحركة، وكذلك نتيجة سرقة المشهد من معارضات بعينها مصممة على طريقة المعارضة العراقية...
كل ذلك دفع نحو أحد مصيرين؛ إما عمليات تبديل طرابيش شكلية جرى من خلالها إيهام الناس بالتغيير، في حين لم يتغير شيء تقريباً في الجوهر (الحالة التونسية والمصرية)، وإما نحو الدم والعنف والإرهاب والدمار كما جرى في حالات ليبيا وسورية والسودان واليمن... هذا المصير الثاني أنتج حالات تقسيم أمر واقع في كل هذه الدول، وأنتج بقاء الأنظمة على حالها، مع تهافتٍ مرعب في وجود الدول نفسها، وفي وجود ووظائف أجهزة تلك الدول، وبالتوازي انهياراً إضافياً في أوضاع الناس الاقتصادية الاجتماعية، والحياتية بصورة عامة.
المشترك بين كل هذه الحالات، ورغم اختلاف السيناريوهات، هو أنّ السائد في بلدانها كان النموذج الغربي اقتصادياً، أي الليبرالية المتوحشة. وأنّ النخب المالية في تلك الدول، وبنفوذها العالي سياسياً، كانت دائماً في علاقة حميمة مع الغرب، وكانت وسيطه نحو نهب وتخريب هذه البلدان، ومنع تطورها، ومنع تنميتها، وذلك بغض النظر عن ماهية الشعارات التي تقولها، وحتى عن طبيعة التحالفات التي تدعيها.
دخول المقاومة الفلسطينية الحاسم على معادلات الصراع في مجمل المنطقة، هو تعبيرٌ عن الاتجاه العام الذي تسير وستسير عليه الأمور خلال المرحلة القادمة؛ أي اتجاه معاداة الشعوب الحاسمة للغرب وحلفائه وأعوانه، وعلى رأسهم الصهاينة، ومعهم المطبعون من فوق الطاولة ومن تحتها، وضمناً نخب النهب والفساد والتخريب في مجمل بلدان المنطقة.
اتحاد النضال الاقتصادي الاجتماعي السياسي، مع النضال الوطني، هو الوصفة الوحيدة الناجعة للوصول بالحراكات الشعبية إلى أهدافها المحقة في التغيير نحو الأفضل، في التخلص من النهب والقمع على حد سواء، في استعادة وتحصين كرامة وسيادة الناس وكرامة وسيادة ووحدة الأوطان.
لا بد أن يكون واضحاً في ذهن كل من يسعى إلى تغيير إيجابي في وطنه، أنّ كل ضربةٍ يتلقاها الصهيوني هي دفعٌ للأمام نحو عملية التغيير المطلوبة، لأنّ النظام الإقليمي والدولي القائم هو ما تتحصن خلفه نخب النهب والفساد، وعملية الانهيار الشامل لهذا النظام، والتي نراها أمام أعيننا، هي باب الشعوب نحو مستقبل آمنٍ وحرٍّ وكريمٍ... انهيار نظام الاستعمار الغربي بأشكاله المختلفة، هو ضمناً انهيارٌ لأدوات ذلك النظام... ونخب الفساد والنهب في كل دولة من دولنا، هي بشكل أو بآخر، أدوات ضمن نظام النهب والاستعباد الشامل نفسه.
المقاومة الفلسطينية تعيد تصويب البوصلة ليس في فلسطين فقط، بل وفي كل عالمنا العربي وفي كل المنطقة على العموم؛ فالحراك الشعبي يتحول إلى قوة لا تقهر حين يدمج بين سلميته من جانب، وبين مطالبه الاقتصادية الاجتماعية السياسية وهويته الوطنية الواضحة البارزة من جانب آخر.
كل تعويل على الغرب، أمريكي أو أوروبي، هو وهمٌ قاتل؛ فالغرب هذا هو الداعم الأول للفوضى في المنطقة، وهو الداعم الأول للاستعباد والنهب في منطقتنا عبر المنظومات القائمة، أو عبر تغييرات شكلية سطحية فيها. ولذا فإنّ النضال من أجل التغيير الجذري الشامل، هو بالضرورة وفي الوقت نفسه، نضالٌ وطني ضد أعدائنا وأعداء كل الشعوب المتمثلين بالدرجة الأولى بالصهاينة ومعهم الأمريكان والغربيون على العموم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1143
آخر تعديل على الجمعة, 20 تشرين1/أكتوير 2023 18:37