«عودوا إلى بيوتكم... تم إنجاز المهمة»!!

«عودوا إلى بيوتكم... تم إنجاز المهمة»!!

بين طرائف ما يجري على هامش التظاهر في السويداء، أنّ بعض الشخصيات المعزولة التي حاولت الدفع باتجاه أفكارٍ من طراز «الإدارة الذاتية» و«الهيئة السياسية» وإلخ، واصطدمت برفض الناس الحاسم والثابت لها، يطوفون هذه الأيام بين الناس ويقولون لهم بلهجة الواثق: «تم إنجاز المهمة، ويمكنكم العودة إلى بيوتكم؛ فالأمريكي صار جاهزاً لفرض منطقة حظر جوي»!

جوهر المسألة، ليس في اطمئنان هؤلاء أنّ «الحظر الجوي» قادم- مع أنه لا يمكن استبعاد أنّ بينهم من ناقصي العقول والحمقى من يمكن أن يصدق الكذبة نفسها المرة وراء الأخرى- وإنما جوهر المسألة في أنّ استمرار حركة الناس بات عبئاً على صدورهم، لأنّ حركة الناس هذه المرة هي حركة متمردة غير مطواعة، وغير مستعدة لتنكيس ظهرها لكي يركب عليه المتسلّقون. على العكس من ذلك، فالحركة تعمل يومياً على قطع الطريق على حرامية الحراك من شتى الأنواع والأصناف، وتصر على شعارات واضحة في مقدمتها 2254، وبالتوازي معه الشعارات الاقتصادية الاجتماعية، وفوق هذا وذاك الشعارات الوطنية الجامعة التي ترفض عزل الحركة وترفض إعطاءها صبغة مناطقية أو طائفية... وهذا كلّه يسبب مغصاً شديداً لدى المتشددين من كل الأطراف، ولذا فقد باتت عودة الناس إلى البيوت بالنسبة لهم أفضل بكثير من استمرارها.

بما يخص «الحظر الجوي»، وحتى قبل أن نقول: إنها مجرد خرافة إعلامية، ينبغي التذكير بأنّ هذا الكلام هو طعنٌ مباشر في سلمية الحراك؛ فقوة الحراك في سلميته، وسلميته أقوى ألف مرة في الدفاع عنه من أي «حظر جوي»، على افتراض وجود هكذا حظر.

من جهة ثانية، فإنّ التجارب التاريخية الملموسة لمعنى «الحظر الجوي الأمريكي» واضحة للعيان في ليبيا والعراق، حيث تحول شعار «حماية المدنيين» بالملموس إلى قتلهم والفتك بهم. والحمد لله أنّ الأمريكان باتوا أعجز من أن يفرضوا أياً من هذه المخططات في سورية إلا إعلامياً، وعبر مجموعة من الإعلاميين محترفي الكذب، أما على أرض الواقع فالأمور في مكان مختلفٍ تماماً؛ فلا الأمريكي ولا الصهيوني بقادرٍ على فرض حظر جوي في الجنوب السوري، وهم أعجز مما كانوا عليه في 2011 بعشرات المرات؛ فالعالم دخل منذ عقد وأكثر مرحلة توازن دولي جديد، بات فيه الأمريكي والغربي عموماً أعجز عن تقرير مصائر الشعوب، ولم تعد بيده من وسيلة سوى محاولة اللعب على الوعي العام... يكفي النظر إلى ما يجري في إفريقيا وأوروبا الشرقية وضمناً أوكرانيا وفي أمريكا اللاتينية، وما يجري في بريكس وشنغهاي وأوبك + لمعرفة مدى التراجع الهائل الذي تعيشه المنظومة الغربية بأكملها.
من المعروف تاريخياً، أنّ الرومان لم يعترفوا بانهيار امبراطوريتهم إلا بعد أكثر من 200 عامٍ من انهيارها الفعلي... ولن يعدم التاريخ تكراراً هزلياً للمسألة نفسها بما يخص الإمبراطورية الأمريكية، فستجد دائماً من يصر على أنّ أمريكا ما تزال هي القوة المتحكمة بمقادير الأمور على كوكب الأرض... هذا النوع من العقول لا مفر من وجوده دائماً، ويجب التعامل معه بالنقاش والحوار قدر الإمكان، ولكن في الوقت نفسه ينبغي الحجر عليه كما يتم الحجر على فاقد الأهلية العقلية، فليس من الحكمة تسليم أمثال هؤلاء زمام أي مسألة جدية...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1141
آخر تعديل على السبت, 21 تشرين1/أكتوير 2023 00:00