كيف يمكن توسيع صفوف الحركة الشعبية؟

كيف يمكن توسيع صفوف الحركة الشعبية؟

مع مرور ما يقرب من الشهر على بدايات الموجة الجديدة من الحركة الشعبية، بات واضحاً لمن يراقب الحركة من خارجها، وكذلك لمن يشارك فيها من داخلها، أنّ حجم المشاركة ما يزال محدوداً، ورغم أنه قد حدثت زيادة نسبية عن الأيام الأولى، إلا أنها ما تزال زيادة متواضعة. وهنالك طبعاً عدد كبير من الأسباب المتداخلة لذلك، منها الموضوعي المتعلق بإمكانات التحرك المتفاوتة، وبأشكال التحرك المتنوعة وغيرها من الأمور، وهنالك أسباب ذاتية تتعلق بسلوك الحركة نفسها... وهذا يحتاج إلى نقاش جدي.

إذا أردنا قياس أعداد المشاركين ضمن شكل «التظاهر»، فإنه يشكل نسبة قليلة جداً من الراغبين في التغيير، ومن أصحاب المصلحة في التغيير، الذين يشكلون أكثر من 90% من السوريين، المنهوبين المفقرين. وهذا الأمر يحتاج إلى تفسير موضوعي، وإلى جرأة في الانتقاد الذاتي وفي تصويب الأخطاء، لأنه دون القيام بذلك فإنّ المصير الحتمي سيكون التضاؤل التدريجي للحركة، وإنْ مؤقتاً.

لعل بين أهم الأفكار التي تحتاج إلى نقاش في هذا السياق ما يلي:

إنّ الانزلاق التدريجي نحو عملية نسخ- لصق 2011 من شأنها أن تعيد ترتيب مزاج الناس غير المشتركين؛ فإذا كانوا منقسمين بين متعاطف ومتردد ومتخوف ورافض، فإنّ كلّ إيحاءٍ جديدٍ يجري اقتباسه من 2011 (سواء بالسلوك أو بالشعارات) من شأنه أن يحدث انزياحاً في المزاج الشعبي، بحيث يقل تعاطف المتعاطف، أو يتحول نحو التردد، والمتردد يزداد تردده ويتحول لمتخوف، والمتخوف يزداد تخوفه ويتحول لرافض، والرافض تزداد حدة رفضه.
الإصرار الهستيري على فصل «الكرامة» عن «الجوع»، يعني استبعاد مئات ألوف الناس الذين يريدون الاشتراك في إطار المطالب الاقتصادية الاجتماعية ويتخوفون من السقوف السياسية التي يجري فرضها. والحق، أنه لا يمكن انتزاع الكرامة وصيانتها بغير قوة الناس وقوة اجتماعهم، ناهيك عن أنّ الفصل بين الكرامة والجوع هو فصل تعسفي، المطلوب منه هو إخفاء البرامج الاقتصادية الاجتماعية التي لا تختلف في جوهرها عن البرامج المطبقة فعلاً من السلطات السائدة في كل مناطق سورية... ما يعني، أنّ من يصرون على النظر بشكل فوقي إلى «الجوع» وإلى «الجائعين»، ومن حيث يدرون أو لا يدرون، إنما يدفعون باتجاه عملية تبديل طرابيش، أو إعادة اقتسام النهب، مع إبقاء المنهوبين على حالهم، ولذا ليس على أحد أن يستغرب أن القسم الأعظم من المنهوبين ليس متشجعاً للمشاركة في هذا المسعى.
مع كل يوم إضافي ضمن الحركة، تظهر نزعة «مجلس قيادة الثورة» بشكل أوضح وأكثر سوءاً؛ إذ إنّ هنالك أعداداً قليلة ممن يعتبرون أنفسهم منظمين للحركة، يسعون إلى تحويلها إلى عسكرٍ تحت قيادتهم، هم من يحددون ما هو الشعار المسموح رفعه، وما هو الشعار الممنوع رفعه، وهم من يحددون متى وكيف في كل صغيرة وكبيرة... وهذا أيضاً يلعب دوراً مهماً في تنفير الناس، حتى من المشاركين، ناهيك عن غير المشاركين.
في الإطار نفسه، تظهر النزعات المغامرة التي يدفع نحوها، ويقوم بها بعض المغامرين المتحمسين، والتي ترتد آثارها على الحراك بأسره، رغم أنه لم يقرر ولم يشارك حتى في اتخاذ القرار.
بالتوازي، يلعب الإعلام دوراً شديد السوء، سواء منه المحسوب على النظام، أو المحسوب على المعارضة؛ فيجري تضخيم شعارات وإخفاء شعارات، بحيث يجري عزل الحركة عبر اتهامها بالعمالة وتخوينها، ويساهم بعض المشتركين في الحركة في تثبيت الاتهامات عبر سلوكهم على الأرض وسلوكهم في الإعلام.

أيضاً تجري محاولة السيطرة سياسياً على الحركة، وتحويلها إلى جنود في خدمة اتجاهات سياسية بعينها؛ فباسم الحراك في السويداء مثلاً: جرى كتابة عشرات البيانات حتى الآن، علماً أنّ كل بيان من هذه البيانات قد صيغ بعيداً عن ساحة التظاهر، وبعيداً عن مشاورة الناس أو أخذ رأيهم.
بالتوازي، تعمل جهات متعددة على خلق «مجلس وطني» جديد، أو «ائتلاف» جديد، عبر مسمى «هيئة سياسية» أو ما شابه من التسميات. الغرض واضح تماماً، وهو سرقة حركة الناس وسرقة آلامهم وأصواتهم لوضعها ضمن أجندات معينة، مصاغة مسبقاً بعيداً عن الناس وبعيداً عن مصالحهم، بل وبالضد من مصالحهم. هذا لا يعني أنّ الناس لا يجب أن تبحث عن تمثيل سياسي مناسب لها، ولكن هذه المسألة يجب أن تأخذ وقتها الطبيعي عبر الفرز المستمر على الأرض، وعلى أساس السلوك والمواقف الصحيحة والخاطئة، بحيث يجري عزل المغامرين والمرتبطين بمشاريع خارجية بشكل تدريجي. والشرط الأهم، هو أنّ التمثيل السياسي ينبغي أن يكون بالضرورة وطنياً شاملاً وليس محلياً، لأنّ أي تمثيل سياسي محلي سيصب بالضرورة ضد مصلحة أبناء الـ 90%.
مع كل يوم جديد تتكثف اتهامات التخوين اتجاه الحركة، ويسندها كما هو واضح الأمريكان والمشتغلون بأمرهم، عبر إعادة ترديد الأكاذيب حول «إدارة ذاتية» و«منطقة حظر جوي» وإلخ. وهذا يتطلب من الحركة أن تثبت الطابع الوطني وأن تزيد إبرازه بشكل مستمر، وبالدرجة الأولى ضد الكيان الصهيوني، ليس لأنّ عداء الكيان هو أمر جامع لكل السوريين فحسب، بل ولأنّ الموقف الواضح العلني من الكيان ومخططاته هو أداة أساسية في حماية الحركة، وفي فرزها وفي توسيع صفوفها، وطمأنه المترددين والمتخوفين وصولاً لانخراطهم في الحركة.
الميكرفون، كما تثبت التجربة، يتحول يوماً بعد يوم من أداة لرفع الصوت، إلى أداة لإسكات الأصوات المخالفة؛ فمن يصل إلى الميكرفون هو من يصل رأيه، ووصوله للميكرفون محدد مسبقاً على أساس معرفة رأيه... وهذا مشابه أيضاً لوضع صفحات التواصل الاجتماعي الأساسية وقنوات الإعلام الأساسية. وينبغي الانتباه مسبقاً، إلى أنّ الاتجاهات العامة التي يجري تعزيزها عبر هذه الوسائل، وبشكل إجمالي رغم وجود استثناءات، هي الاتجاهات السلبية، ولذا فإنّ على الحركة أن تخلق إعلامها الموثوق الأمين غير الخاضع إلا لها هي.
أيضاً ينبغي الانتباه إلى محاولات التمويل التي يدفع البعض نحوها، والتي يجري تغطيتها بشتى أنواع الأقنعة. على سبيل المثال لا الحصر: الادعاء بالقيام بوظائف الدولة الخدمية على الأرض، عبر توظيف ناس ودفع رواتب لهم، أي عملياً تجنيد الناس بالاستناد إلى أوضاعهم المادية المأساوية، تحضيراً لاستخدامهم في دعم اتجاهات سياسية بعينها. الجانب الآخر الذي يكشفه هذا السلوك، هو غياب القاعدة الجماهيرية لطروحات أصحاب هذه الأجندات، أي أنّ قواهم الفعلية على الأرض هزيلة جداً، وليسوا قادرين على جلب الناس بالإقناع، فيعمدون إلى جذبهم بأساليب ملتوية، بينها المال.
هذه الأفكار هي مجرد ملاحظات أولية من بين ملاحظات كثيرة أخرى نعتقد أنه ينبغي النظر فيها جدياً والتفكير بآثارها اللاحقة، لأنّ من يريد الخير للبلاد ويؤمن بأنّ قوة الناس عامل أساسي في استعادة وحدة البلاد وكرامتها وكرامة أهلها، عليه أن يكف مباشرة عن ممارسة عقلية «مجلس قيادة الثورة»، لأنّ الناس مع الوقت، وإنْ لم يتحلَّ بالتواضع اللازم، ستنفض عنه، وستغيره لتختار قياداتها وممثليها بنفسها بعيداً عن الفرض من فوق.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1140
آخر تعديل على الجمعة, 05 كانون2/يناير 2024 21:23