افتتاحية قاسيون 1140: السّلميّة درع المطالب وضمانتها

افتتاحية قاسيون 1140: السّلميّة درع المطالب وضمانتها

تكمن قوة أي حراك شعبي في جماعيته، وفي قدرته على تنظيم نفسه، وسلميّة أي حراك شعبي هي دائماً أهم وأقوى درعٍ واقٍ له، وهي إحدى أهم ضمانات وصوله إلى أهدافه النهائية.

هذا الكلام ينطبق على كل حالات الحراك الشعبي، وينطبق ضمناً على الحالة السورية، بل وربما ينطبق عليها أكثر مما ينطبق على غيرها؛ فالتجربة المرّة السابقة التي مرّ بها السوريون، تثبت أنّ كل أولئك الذين دفعوا باتجاه العنف والسلاح، سواء تحت شعار «حماية المظاهرات»، أو تحت شعار «الحسم العسكري ضد المؤامرة»، كانوا في جوهر الأمر يقفون موقفاً واحداً من الحركة الشعبية، هو موقف عدوها الذي يريد إنهاءها، أو امتطاءها لتحقيق مصالحه الضيقة لا مصالحها.

وفي جميع الحالات، فإنّ ما كان مشتركاً بين المتشددين من الأطراف السورية، وما يزال مشتركاً حتى اللحظة، هو رفضهم لتطوّر الحركة الشعبية تطوراً تدريجياً سلمياً، لأنّ إعطاء الحركة وقتها الكافي للتطور لا يسمح بتنظيم صفوفها على أسس وطنية وعقلانية فحسب، بل ويسمح أيضاً بتجذير شعاراتها بالاتجاه الاقتصادي الاجتماعي، وبعزل أولئك الذين يحاولون تخريبها من داخلها.

بين الدروس التي تعلمها ويتعلمها الناس، ودفعوا ثمنها دماً وآلاماً، أنّ الحفاظ على السلميّة ليس مجرد شعار يتم ترديده، بل هو ممارسة تتطلب عملاً حثيثاً على عدة أمورٍ بالتوازي:

أولاً: التمسك اللفظي بالسلميّة، أي عبر الشعارات والأقوال، هو شرط لازمٌ للحفاظ على السلميّة وللحفاظ على الحركة تالياً. ولكنه بالتأكيد ليس شرطاً كافياً.

ثانياً: الحفاظ على السلميّة يتطلب العمل على منع أيّ سلوكٍ مغامر من ذلك النوع الذي تقوم به مجموعات صغيرة، ويجري تحميل مسؤوليته للحركة بأسرها. وإذا لم تستطع الحركة أن تمنع السلوك المغامر فعليها التبرؤ منه، والعمل على عزله اجتماعياً وسياسياً.

ثالثاً: الحفاظ على السلميّة يتطلب أيضاً ألا يسمح الناس على الأرض لأحد بسرقة تمثيلهم كما جرى سابقاً. وضمناً يجب ألا يتم السماح لأحد أو لمجموعة، أياً يكن وأياً تكن، أن ينصّبوا أنفسهم قادة للحراك أو ممثلين له؛ عملية الوصول إلى تمثيلٍ سياسي حقيقي لأيّ حراك شعبي هي عملية يجب أن تأخذ وقتها الموضوعي المطلوب، ويجب أن تتم على أساس وطني شامل، وليس على أسس مناطقية. ضمن هذه العملية، تقوم الناس بفرز قياداتها من خلال التجربة، من خلال الخطأ والصواب، ومن خلال تراكم الثقة بالأقوال والأفعال. ولينتبه كلّ من يسارع لتقديم نفسه قائداً للحراك، سواء شخصيات أو قوى سياسية، أنّ أولئك الذين قاموا بهذه التجربة سابقاً يجري اليوم شتمهم في الشوارع، ولن يختلف مصير مقلديهم عنهم. على الوطنيين والثوريين الحقيقيين أن يتحلوا بالتواضع وبالتعقل، وأنْ يحترموا قدرة الناس على اختيار من تريد. وهذا كله يصب في إطار السلميّة، لأنّ القبول ولو الشكلي بـ«قيادة» ما للحراك، من تلك التي تحاول فرض نفسها من فوق، يعني تسليم رقاب الناس لها، ويعني السماح لتلك «القيادة» بأن تغامر، وفق ما تراه مناسباً، بما في ذلك من جر الناس نحو أخطار على سلمية حراكهم.

رابعاً: السلميّة، تحوز قوتها من مشروعيتها الإنسانية والأخلاقية والدستورية، ولكنها تحوز قوتها أيضاً من قدرتها على تجميع الناس المتعاطفين والمترددين والمتخوفين. ولذا فإنّ العلاقة متبادلة بين السلميّة وبين توسيع صفوف الحركة الشعبية، الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق بشكل ملموس دون تصويب الشعارات، عبر التركيز على الحل السياسي عبر 2254 بالدرجة الأولى، وعبر التوقف عن ازدراء المطالب الاقتصادية الاجتماعية المحقة للناس، بل عبر تبنيها ورفعها بوصفها جزءاً جذرياً وأساسياً في ظهور أي حركة شعبية، وفي أهدافها النهائية.

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1140
آخر تعديل على الإثنين, 18 أيلول/سبتمبر 2023 14:56