تكرار الأشكال والشعارات السابقة... يعيق تطور الحركة الشعبية

تكرار الأشكال والشعارات السابقة... يعيق تطور الحركة الشعبية

تتواصل منذ أيام التحركات الاحتجاجية في عدة مناطق من سورية، وبشكل خاص في السويداء ودرعا.

المؤكد هو أنّ حجم اشتراك الناس في هذه الاحتجاجات قد ارتفع نسبياً خلال الأيام الثلاثة الماضية. ولكن ليس من الصعب على من يشارك في هذه الاحتجاجات ويراها بشكل مباشر ويسمع آراء الناس فيها وخارجها، أن يصل إلى استنتاج مفاده أنّ الموضوع ما يزال في بداياته، وأنّ حجم الاشتراك الفعلي للناس ضمن الأشكال والشعارات القائمة حالياً، هو أقل بكثير وأصغر بكثير من حجم الغضب الحقيقي في صدور الناس، ومن حجم الرغبة في التغيير وتحسين الأوضاع المزرية... وهذا يتطلب قراءة ونقاشاً جدياً بين الشبان الفاعلين في الحراك، وبين أولئك الذين يحجمون عن الانخراط فيه بشكله وشعاراته الراهنة.

ما يجمع 90% من الناس اليوم هو الشعار المطلبي، وشعار المطالبة بالحل السياسي وإنهاء الأزمة. ما عدا ذلك يفرّق ولا يجمع، ضمناً شعارات إسقاط النظام وما يشابهها؛ ليس لأنّ من لا يشاركون هم أنصار للنظام أو أعداء للتغيير، بل لأنّ من لا يشاركون لديهم خشية واعية من تكرار المكرر. وهذا النوع من «الخوف» و«الخشية» ليس جبناً بحالٍ من الأحوال، فكما يقال «العقل هو الذي يخاف». والناس الذين لا يشتركون بشكل فاعل اليوم لا تنقصهم الشجاعة، وليسوا أقل شجاعة ممن يشتركون فعلاً في الاحتجاجات القائمة.

المسألة بوضوح وببساطة، هي أنّ قسماً كبيراً من الناس المنهوبين والمتضررين لا يثقون أدنى ثقة لا في المعارضة ولا في النظام، ولذا لا يجب أن يستغرب أحدٌ إنْ امتنع هذا القسم عن الانخراط في أشكال من الحركة يرى ضمنها تكراراً حرفياً تقريباً للأشكال والشعارات السابقة التي كان قد دفع باتجاهها كلٌّ من المتشددين في النظام والمعارضة على حد سواء... ناهيك عن بعض المحاولات لتمرير شعارات ورايات بعينها وتسليط الضوء عليها وتصويرها وكأنما هي جوهر ما يجري، وذلك في تكرار بائس لمحاولة امتطاء ظهور الناس وآلامها... والناس باتت أوعى وأكثر نضجاً.

من يصرّون على استمرار الشعارات والأشكال نفسها، وإذا استثنينا منهم أصحاب النوايا الحسنة، يريدون أحد أمرين لا ثالث لهما: إما عزل الحركة ومنع تطويرها وبالتالي إصابة الناس بخيبة أمل لدفعهم نحو السكوت والاستكانة، وإما محاولة التوتير السريع أملاً في استدعاء الفوضى، وتالياً إسكات أصوات الناس المطالبة بالتغيير.

الحفاظ على الحركة الشعبية ودفعها نحو التطور ونحو تنظيم نفسها، ونحو التحول إلى أداة فاعلة في إنهاء الكارثة السورية وفي إعادة توحيد سورية شعباً وأرضاً، وفي الوصول إلى الحل السياسي، يتطلب عملاً مختلفاً عن السائد حتى اللحظة...

من المفهوم أنّ قسماً مهماً من المشتركين في الاحتجاجات يحاولون مرة أخرى الشعور بأنّ لهم صوتاً يجب أن يسمع شاء من شاء وأبى من أبى... وهذا جيد ولكن غير كافٍ.

العمل الحقيقي المطلوب هو «عمل ممل ورتيب وأسود»، عمل يستخدم الاتصال اليومي المباشر مع الناس وعلى الأساس المطلبي بالدرجة الأولى، ويستخدم كل أشكال النضال وبشكل تدريجي، من الاجتماع والنقاش إلى العريضة إلى الاعتصام إلى الإضراب، ووصولاً في الوقت المناسب إلى المظاهرة المنظمة التي تحتضنها وتشارك فيها الغالبية العظمى من المنهوبين... وهذا ممكن التحقيق في حال تم العمل عليه بإصرار وبشكل تدريجي عبر الإقناع وعبر العمل اليومي الدؤوب، وعبر تنظيم الشباب لأنفسهم، وعبر تفكيرهم هم بالشعارات التي يجب رفعها وليس عبر استنساخ الشعارات السابقة والأشكال السابقة.

هنالك من يحاول التخويف مما يجري، ويصوّر الأمر كما لو أننا على بعد ساعات أو أيام من إعادة 2011 مرة أخرى، وهنالك من يتربص بحراك الناس ويبحث عن الهفوات ليكرر خطابات التخوين السابقة نفسها بغرض تخويف الناس والإيحاء لها بأنّ أشباح 2011 ستعود للظهور عما قريب... هذا لن يحصل، فلا المتشددون بنفس القوة ولا الناس بنفس مستوى الوعي السياسي السابق، ولا الظروف الإقليمية والدولية هي ظروف 2011.

ما ينبغي أن يخشى منه المنهوبون وهم يعملون باتجاه الموجة الجديدة من حراكهم هو أن يعزلوا الحركة بأنفسهم، وألا يسمحوا لها بالتطور والاتساع عبر الإصرار على الشعارات والأشكال السابقة... ينبغي الاستماع إلى الناس والنقاش معها، وينبغي احترام آرائها ومخاوفها، والعمل معها بشكل يومي وعدم التعالي عليها... سواء الذين يشتركون فعلاً أو الذين لم يشتركوا بعد... تنظموا ثم تنظموا ثم تنظموا... إذا لم تنظم الحركة نفسها بشكل واعٍ فإنّ أي عمل ستقوم به سيكون قابلاً للتجيير ضد مصلحتها هي بالذات.
الطريق مفتوح على اتساعه أمام الناس كي تنظم نفسها بنفسها، وكي تصيغ شعاراتها بنفسها، وعلى أساس من الوعي والتوافق فيما بينها. المنهوبون الذين يسعون لتنظيم أنفسهم ليسوا أقل وعياً من أيٍّ من النخب السياسية التي تسعى لفرض شعاراتها وهتافاتها، بل هم أكثر وعياً وأعلى حساسية بما يناسب كل ظرف وكل زمن وكل مكان...

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
000