الأمريكان هم من أوقفوا مرور المساعدات وغايتهم ضرب التسوية السورية- التركية!
ريم عيسى ريم عيسى

الأمريكان هم من أوقفوا مرور المساعدات وغايتهم ضرب التسوية السورية- التركية!

فشل مجلس الأمن الدولي في بداية تموز الجاري في تمديد آلية المساعدات عبر الحدود بعد انتهاء صلاحية قرار مجلس الأمن 2672 والذي تم اعتماده في 9 كانون الثاني 2023. وكان هذا القرار الأخير ضمن سلسلة من قرارات بدأت منذ اعتماد قرار مجلس الأمن 2165 في 14 تموز 2014، والذي تم بموجبه السماح للوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة وشركائها التنفيذيين «باستخدام الطرق عبر خطوط النزاع والمعابر الحدودية باب السلام وباب الهوى واليعربية والرمثا... من أجل ضمان وصول المساعدات الإنسانية... إلى الأشخاص المحتاجين في سائر أنحاء سورية من خلال أقصر الطرق، مع إخطار السلطات السورية بذلك».

منذ ذلك الحين، تم تمديد القرار، والذي عُرف باسم «آلية إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود» من خلال قرار مجلس أمن جديد مع تغييرات تعكس تغير الأوضاع على الأرض. حيث إن خيار المعابر الحدودية الأربعة في القرار الأول كان لضمان وصول المساعدات إلى كافة المناطق، تلك الخاضعة لسيطرة النظام والخارجة عن سيطرته، والتي لاحقاً عاد بعضها إلى سيطرة النظام، الأمر الذي انعكس في القرارات اللاحقة في خفض عدد المعابر الحدودية إلى اثنين ثم إلى معبر واحد، مع زيادة التركيز على ضرورة توسيع استخدام إيصال المساعدات عبر خطوط النزاع.

إضافة إلى ذلك، قبل عام، وعندما حان وقت تجديد القرار الذي انتهت صلاحيته آنذاك– قرار مجلس الأمن 2585 لعام 2021، والذي انتهت صلاحيته في 10 تموز 2022، تم اعتماد قرار مجلس الأمن 2642 في 12 تموز 2022، والذي بموجبه تم تمديد القرار لمدة ستة أشهر «مع إمكانية تمديدها مرة أخرى لمدة ستة أشهر إضافية»، الأمر الذي حصل، وبموجبه صدر القرار 2672 في بداية هذا العام.

بعد فشل مجلس الأمن في تمديد القرار الأخير، بدأت حملة إعلامية شرسة ركزت على أن روسيا عرقلت- من خلال استخدامها لحق النقض في مجلس الأمن- وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين، وأن الغرب بذل جهوداً كبيرة لضمان وصول المساعدات إلى السوريين.

ولكن ما الذي حصل فعلياً؟

عقد مجلس الأمن اجتماعاً يوم الثلاثاء 11 تموز الجاري لمناقشة آلية إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود، وذلك بعد انتهاء صلاحية القرار 2672. وفي السنوات السابقة، كان يتم تقديم مشروع قرار متوافق عليه مسبقاً بعد تداولات بين الدول الأعضاء، أو وضع مشروعي قرار على الطاولة والتصويت عليهما (وفشل كليهما) ثم الوصول إلى توافق، وغالباً ما يكون أحد تلك المشاريع مقدماً من قبل روسيا، والآخر من قبل الثلاثي الغربي أمريكا- فرنسا- بريطانيا.

هذا العام تم طرح مشروعي قرار، وكان الاختلاف الوحيد بينهما هو المدة الزمنية والتي كانت وفق مشروع القرار الروسي 6 أشهر، بينما كانت 9 أشهر في مشروع القرار الغربي. وحصل الأول على تأييد دولتين، 3 ضد، و10 امتنعوا عن التصويت، بينما حصل الثاني على تأييد 13 دولة وامتناع دولة واحدة عن التصويت (الصين) واعتراض دولة واحدة (روسيا)، ما أدى إلى عدم القدرة على اعتماده.

بعد يومين من فشل تمديد القرار، أرسلت الحكومة السورية رسالة إلى الأمم المتحدة أعطت بموجبها إذناً باستخدام معبر باب الهوى– وهو المعبر المعني بالقرار– لإيصال المساعدات الإنسانية إلى شمال غرب سورية لمدة ستة أشهر، على أن يكون هذا الأمر بالتنسيق معها، وطالب فيها بالسماح للجنة الصليب الأحمر ومنظمة الهلال الأحمر السوري بالإشراف على تسهيل وتوزيع المساعدات الإنسانية في هذه المناطق. ولاقى هذا المقترح رفضاً واستنكاراً من قبل بريطانيا والولايات المتحدة. الأمم المتحدة أيضاً أبدت قلقاً حول الشروط التي وردت في الرسالة المشار إليها.

لاحقاً، في 19 تموز، عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة جلسة لبحث مسألة استخدام حق النقض في مجلس الأمن على أعقاب جلسة مجلس الأمن حول الوضع الإنساني في سورية بموجب قرار الجمعية العامة A/RES/76/262، والذي تم اعتماده في نيسان 2022، والذي يعطي رئيس الجمعية العامة القدرة على عقد «جلسة رسمية للجمعية العامة في غضون 10 أيام عمل من قيام عضو دائم واحد أو أكثر من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن باستخدام حق النقض، لإجراء مناقشة بشأن الحالة التي استخدم فيها حق النقض».

وقال رئيس الجمعية العامة في افتتاح الجلسة: إن برامج الإغاثة والمساعدات الإنسانية يجب ألا تكون رهينة للمصالح السياسية، وأضاف: «أدعوكم إلى أن تكونوا على دراية بالحقائق وأن تكون جهودكم موجهة نحو الحلول الحقيقية؛ ولإعطاء الأولوية بشكل عاجل للتعاون طويل الأجل على الانقسام؛ والواجب الإنساني على سياسة حافة الهاوية. معاً، لدينا القوة لإحداث تغيير جدي. إن شعب سورية يعتمد علينا في مساعدتهم».

جوهر المسألة

قبل أن يُعرض أي من المشروعين على مجلس الأمن (الروسي والغربي)، كان الروس قد أبلغوا الغربيين وبشكل علني: أنهم لن يوافقوا على مدة 9 أشهر لأنهم يتعاملون مع هذا القرار بوصفه مؤقتاً وتعبيراً عن حالة مؤقتة، ومحاولات إطالة مدته المقصود منها ليس إيصال المساعدات، بل تكريس عملية الفصل بين المناطق السورية، وتطبيع تقسيم الأمر الواقع لإيصاله إلى تقسيم دائم.

الغربيون كانوا يعلمون إذاً، حين منعوا مرور مشروع القرار الروسي للتصويت، أنّ مشروعهم ذو الشهور التسعة لن يمر هو الآخر. وهذا يعني وضوحاً ودون أي فذلكات ما يلي:

الغربيون، وعلى رأسهم الأمريكان، رفضوا تمديد وصول المساعدات لمدة 6 أشهر انطلاقاً من مصالحهم السياسية الضيقة، وكل كلامهم عن مساعيهم «الإنسانية» هو كالعادة محض افتراء وكذب.
بعبارة أخرى، كان الغربيون أمام احتمالين: إما القبول بستة أشهر، كما كان الأمر السنة الماضية، أو إيقاف المساعدات نهائياً، وهم اختاروا إيقاف المساعدات.

أما الغرض السياسي من ذلك، فهو واضح تماماً؛ ناهيك عن حملة الهجوم على روسيا التي تخدمهم في إطار الصراع الدولي، وناهيك عن الببغاوات من السوريين الذين يرددون وراء الغرب كل ما يقوله، فإنّ المستهدف الأساسي في المسألة ضمن السياق الراهن هو التسوية السورية- التركية بالدرجة الأولى، لأنّ وقف المساعدات يشكل ضغطاً إضافياً ليس فقط على الملايين من السوريين في الشمال الغربي، ولكن على تركيا نفسها أيضاً. وفي الوقت نفسه فهو يشكل اقتحاماً غربياً للعملية التي تقودها أستانا، للوصول إلى تفاهمات بين سورية وتركيا، ومن باب «إنساني»...

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1132
آخر تعديل على السبت, 06 كانون2/يناير 2024 13:32