إسهام الغرب في إعادة الإعمار: شرٌّ يجب تجنبه!

إسهام الغرب في إعادة الإعمار: شرٌّ يجب تجنبه!

في الخطاب السياسي السائد في أوساط كل من النظام والمعارضة على حد سواء، يجري التعامل مع «دور مُنتظرٍ للغرب في إعادة الإعمار» بوصفه أمراً إيجابياً؛ من جهة أوساط النظام، تجري المطالبة بأن يمارس الغرب هذا الدور دون اشتراطات سياسية مسبقة، أي دون ربطه بالحل السياسي، ومن جهة أوساط المعارضة، تجري أيضاً المطالبة بأن يمارس الغرب هذا الدور (في إعادة الإعمار)، ولكن بعد الحل السياسي.

أي أنّ جوهر الرأي السائد على الضفتين، هو أنّ مساهمة غربية في إعادة الإعمار، وربما تولي الغرب منفرداً عملية إعادة الإعمار، هي أمرٌ إيجابي، ولكنه ينبغي إما أن يكون دون شروط، أو ألا يكون إلا بتحقيق شروط معينة.

تقاطع متكرر!

ينبغي ألا يكون مفاجئاً هذا التقاطع بين المتشددين في الطرفين، في النظر إلى الدور الغربي، وخاصة في المجال الاقتصادي؛ فالبرنامج الاقتصادي- السياسي المطبق فعلياً في سورية، وذلك الذي تعد به أوساط المعارضة المدعومة غربياً، هو بالجوهر نفسه: اللبرلة الاقتصادية الشاملة، والمبنية على العلاقة مع الغرب، والتي تواصل سورية ضمنها وضعها كبلدٍ مستعمرٍ اقتصادياً؛ أي كبلد تقوم علاقاته الخارجية الاقتصادية على أساس التبادل اللامتكافئ (هجرة العقول، التبعية التكنولوجية، مقص الأسعار، القروض).

المصلحة الوطنية السورية

إذا حاولنا النظر إلى المسألة من زاوية مصلحة سورية والشعب السوري، أي مصلحة أكثر من 90% من السوريين، وليس من زاوية مصالح النخب الضيقة في هذا الطرف أو ذاك، لوجدنا الأمر مختلفاً تماماً...
تجارب إعادة الإعمار التي تولاها الغرب خلال أكثر من 70 سنة مضت، وخاصة تلك التي جرت بعد أزمات عنيفة وطويلة داخلية، تشترك بما يلي:

أولاً: موارد العملية لم تكن في يوم من الأيام من الجيوب الأوروبية، بل من موارد البلدان نفسها التي تجري «إعادة إعمارها»، ومن مساهمات دول «غنية» في جوار الدولة المعنية، من مصلحتها إنهاء الأزمة، إضافة إلى قروض من المؤسسات الدولية (صندوق النقد والبنك الدولي بشكل أساسي).

ثانياً: موارد العملية بأسرها، بما فيها القروض التي كانت المؤسسات الدولية المسيطر عليها غربياً تعطيها للدول المعنية، كانت تسلك دائماً الطريق نفسه: قسم مهم من هذه القروض يتحول إلى أداة لشراء ومن ثم تمكين تجار الحرب التابعين مباشرة للغرب، وعبرهم تكريس سياسات تخدم الغرب وتحول سطوة تجار الحروب هؤلاء في أوقات الحرب إلى سطوة مستمرة في أوقات «السلم»، ولكن طبعاً قابلة للتفجير في أي وقت. قسم آخر يذهب إلى إعادة الإعمار، ولكن على أن تقوم به شركات غربية؛ وهذه- وبالتعاون مع تجار الحرب- تقوم بإعادة القسم الأكبر من الأموال الافتراضية لعملية إعادة الإعمار باتجاه الغرب، كأرباح وكسرقات، في حين تبقى تلك الأموال دفترياً ديوناً على الدولة والشعب المعنيين، لا يطول بها المطال حتى تغرق ذلك البلد وتتحول إلى صاعق لأزمات جديدة أعنف من تلك التي «تجاوزها».

ثالثاً: لا تقترب «إعادة الإعمار» المدارة غربياً من القطاعات الحيوية، وضمناً البنى التحتية والكهرباء والأساس اللازم للتنمية والصناعة، بل تكتفي بتقديم بضع «فاترينات» عرض لأبنية شاهقة، و«وسط تجاري» وما شابه... وتضع بذلك أساساً لتحلل الدولة المعنية وانفجارها اللاحق، وبطبيعة الحال لمزيد من الإفقار والتخلف والتبعية... وهذا يمكن رؤيته عياناً، في تجارب لبنان والعراق وكوسوفو وغيرها.

إضافة إلى كل ما سبق، فإنّ حديث الغرب عن إعادة إعمار سورية اليوم، يعني بالملموس: أموالاً خليجية يتم أخذها لتشغيل الشركات الغربية، بحيث تساهم ولو جزئياً في التنفيس عن أزماتها المتعاظمة، وفوق ذلك هيمنة سياسية واقتصادية طويلة الأمد، مع اقتصاد ضعيف أو حتى عديم الإنتاجية، يمسك بمفاصله الداخلية الفساد الكبير وتجار الحروب... هل هنالك ما هو شرٌّ من هذا؟؟

وإذاً، فإنّ المصلحة الوطنية السورية لا تقول فقط بعدم الرضوخ لشروطٍ سياسية (منافقة بطبيعة الحال) يفرضها الغرب، بل تقول بفضح وتعرية عملية سرقة واحتيال علنية يقوم بها الغرب، وفوق ذلك يريد أن (يحملنا منيتها)!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1131
آخر تعديل على الأربعاء, 19 تموز/يوليو 2023 20:23