الهجوم على 2254 بشارة خير!
سعد صائب سعد صائب

الهجوم على 2254 بشارة خير!

خلال الشهرين الأخيرين، بدأت ترتفع حدة الهجوم من المتشددين في الأطراف السورية على القرار 2254. وبدأ الهجوم، وكما أشارت افتتاحية قاسيون الأخيرة (العدد رقم 1129: «مرة أخرى حول 2254 وليست آخر مرة»)، بالانتقال من المستويات غير الرسمية إلى المستويات شبه الرسمية، وهو «الأمر الذي ينبئ بأنّ المتشددين يحاولون التحضير تدريجياً لمواقف أكثر صراحةً في العمل ضد الحل السياسي، وانطلاقاً بالدرجة الأولى من مصالحهم الضيقة، وكالعادة تحت ستار (العمل ضد العدوان الخارجي)».

عرض الذرائع التي يقدمها المهاجمون، والرد عليها، هو أمر مهم بلا شك، وهو ما فعلته وستفعله قاسيون بشكل مستمر، ولكن هنا لن نقف عند الهجوم والرد عليه، وإنما سنركز على المعنى السياسي لهذا الهجوم من حيث توقيته وغاياته، وما الذي يعبّر عنه في إطار تطور أوضاع الأزمة السورية وآفاقها...

أسلوب مكرر

الهجوم غير الرسمي وشبه الرسمي، لم يقتصر على 2254 خلال عمر الأزمة، بل شمل عدداً من القضايا والاتجاهات خلال عدة مراحل سابقة؛ فقد شمل أيضاً الهجوم على بيان جنيف، وعلى مبادرة الجامعة العربية في حينه، وعلى مسار أستانا، وعلى فكرة اللجنة الدستورية، وعلى فكرة الحل السياسي، وبطبيعة الحال على فكرة التسوية السورية التركية.

فلنتذكر، أنّ الهجوم على أي خطوة يمكن أن تدفع باتجاه الحل السياسي، كان يجري دائماً بشكل استباقي، بهدف التعطيل والعرقلة والتأجيل والإفشال إنْ أمكن، ولكن بعد أن يجري تثبيت الخطوة يختفي الهجوم عليها تدريجياً ليبدأ الهجوم على الخطوة التالية لها.

ولنتذكر أيضاً، أنّ موضوع الهجوم الأساسي إلى ما قبل شهرين، وبالذات بين الشهر الأخير من 2022 وحتى الشهر الخامس من هذا العام، كان على التسوية السورية التركية. الآن، يمكن أن نلحظ أنّ حدة هذا الهجوم قد انخفضت بشكل كبير. هذا لا يعني أنّ الهجوم انتهى، ولا يعني طبعاً أنّه لن تكون هنالك موجات جديدة من الهجوم عليه، على الأقل هنالك هكذا احتمال، ولكن من حيث المبدأ يبدو أنّ مسألة التسوية السورية التركية قد وضعت على السكة، ولم يعد من المجدي بأي شكل من الأشكال نسف تلك السكة... ربما من الممكن محاولة تأخير السير عليها، لكن الكل بات مقتنعاً بأنّ الأمور سائرة إلى نهاياتها بما يخص هذه التسوية.

فلنتذكر أيضاً مثال تشكيل اللجنة الدستورية. في هذا المثال، تكرر السلوك نفسه؛ فرغم الموافقة المتبادلة على البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي، جرت بداية محاولة إصدار وترويج نسخة موازية من البيان مختلفة عن النسخة الأصلية، ومن ثمّ جرى الهجوم بشكل مكثف على فكرة اللجنة الدستورية انطلاقاً من التخوين المطلق لـ«الطرف الآخر»، وهذا الأخير جرى على جانبي المتراس، بل حتى أنّ مستوى خطاب 2012 قد عاد لاحتلال المشهد فترة من الزمن امتدت على كامل عام 2018 وجزء من 2019 بما يخص اللجنة الدستورية؛ أي القول بشعارات «لا حوار» و«الحسم» و«الإسقاط» وإلخ.

الطريف في المسألة، أنّ بين أولئك الذين هاجموا بشراسة شديدة فكرة اللجنة الدستورية من أساسها، وحين بات تشكيلها أمراً لا مفر منه، سارعوا إلى البحث عن مقاعد لهم ضمنها، وحصلوا فعلاً عليها، وهذا يشمل أعضاء من الأثلاث الثلاثة المشكلة للجنة...

النتيجة؟

يعلّمنا هذان المثالان، وهما بالمناسبة ليسا المثالين الوحيدين، أنّ ارتفاع حدة الهجوم على جانبٍ ما من الجوانب التي تخص حلّ الأزمة السورية، يعني بالضبط أنّ ذلك الجانب بات موضوعاً على رأس جدول الأعمال، وأنّ احتمال تنفيذه بات أكثر جدية... وكلما كان الهجوم أكثر حدةً وشراسةً وهستيرية وانتظاماً، كلما عبّر ذلك عن أنّ تنفيذ ما يتم الهجوم عليه بات أقرب وأقرب. ولذا يمكن القول: إنّ هذا الهجوم المتصاعد هو بشارة خير بالنسبة لعامة السوريين الذين يعلمون جيداً أنّ لا مخرج دون حل سياسي شامل، جوهره هو تمكين الشعب السوري من تقرير مصيره بنفسه عبر القرار 2254، ابتداءً بالتفاوض المباشر وعبر التوافق السوري-السوري على جسم الحكم الانتقالي (تعريفه ومهامه وصلاحياته)، ومروراً بقوانين جديدة للإعلام والأحزاب والانتخابات، وبالدستور ووصولاً إلى الانتخابات، وبالتوازي مع ذلك كلّه العمل على قضايا اللاجئين والمعتقلين وإعادة الإعمار.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1130
آخر تعديل على الأربعاء, 19 تموز/يوليو 2023 20:39