افتتاحية قاسيون 1126: فرصة الحل ومسؤولية الأطراف السورية

افتتاحية قاسيون 1126: فرصة الحل ومسؤولية الأطراف السورية

أهدر المتشددون من الأطراف السورية، وعبر أكثر من 12 عاماً، العديد من الفرص لحل الأزمة السورية ولتوفير العذابات والدماء والدمار على السوريين. وكنا قد قلنا منذ أيلول 2011: «إن الذهاب اليوم إلى الحوار سيكون بحصيلة قد تصل إلى خمسة آلاف شهيد، والذهاب بعد سنة سيكون بعشرات وربما بمئات آلاف الشهداء»، وللأسف كان ما قلناه، وباتت سورية اليوم مستنزفة بمئات آلاف الشهداء وبملايين اللاجئين، وبدمارٍ هائل بكل مناحي الحياة يحتاج سنوات وسنوات لترميمه، ومعه الفقر العام المدقع والبطالة والمرض والجوع وغياب الكهرباء وشلل الاقتصاد، وفوق هذا وذاك المخدرات والاقتصاد الأسود وغيرهما من المصائب.

واليوم، نقول: إنّ عدم الذهاب إلى الحوار والحل السياسي الآن، وبالاستفادة من الظروف الدولية والإقليمية المستجدة، لن يعني مزيداً من الخراب والخسائر فحسب، بل وسيعني تهديداً وجودياً شاملاً لبقاء الدولة السورية والشعب السوري.

ورغم القتامة الكالحة للمشهد الداخلي السوري بجوانبه المختلفة، والتي تزيد من حلكتها مواقف الأطراف المتشددة، التي تتخايل بما تظنه انتصارات لها، منفصلة بذلك انفصالاً كاملاً عن الواقع وعن آلام الناس وعذاباتها... رغم ذلك كلّه، فإنّ سورية والشعب السوري أمام فرصة حقيقية للحل، هي بالتأكيد الفرصة الأكثر أهمية منذ بدء الأزمة.

لمزيد من الوضوح، فإنّ ما عمّق الأزمة وأطالها ليس محصوراً بالمصالح الضيقة للمتشددين من الطرفين، بل ربما أهم من ذلك هو انخراط المتشددين من كل الأطراف، وبغض النظر عما يعلنونه من شعارات، ضمن المخطط الغربي لتدمير سورية، بأشكال مباشرة، أو غير مباشرة، وقدرة ذلك المخطط على السير خطوات كبرى بحكم توازن القوى الدولي خلال السنوات الماضية، والذي كان الغرب فيه ما يزال قادراً على التخريب، وبطاقة واضحة وملموسة.

 

اليوم، يتشكل ظرف جديد، دولياً وإقليمياً، وحتى محلياً، وأولئك الذين يتجاهلونه من الأطراف السورية، هم أحد أمرين: إما جهلة عاجزون عن رؤية الواقع وفهمه كما هو، أو مكابرون يتمسكون بالواقع القديم لتيئيس الناس وفتّ عزائمهم، لعل وعسى يغلق باب الحل وباب التغيير ويحتفظون بـ«مكتسباتهم» القديمة والمستجدة.

الواقع الجديد يقول: إنّ الغرب مستمر في التراجع، والقوى الصاعدة دولياً قد وصلت إلى ترجمة وزنها الجديد على المستويات الإقليمية، ولن يتأخر الأمر حتى تترجمه على المستويات المحلية؛ التسوية السعودية الإيرانية برعاية صينية، والعلاقات المتطورة باضطراد بين السعودية وروسيا، والتقارب بين السعودية ومصر من جهة وبين تركيا من جهة ثانية، كلها أمثلة على هذه الحقيقة نفسها.

وفي الإطار السوري، فإنّ تقدم مسار أستانا الثلاثي نحو التسوية السورية التركية، رغم كل محاولات الإعاقة والتعطيل الواضحة والمكشوفة، وكذا تمرد دول عربية أساسية على الأمريكي عبر المسار العربي المستجد اتجاه سورية ذي المحصلة الإيجابية، رغم بعض محاولات «الأبواب الخلفية» للتخريب، وفوق هذا وذاك، ارتفاع مؤشرات التنسيق بين أستانا من جهة، وبين الدول العربية الأساسية من جهة أخرى... هذا كله يعني أن قدرة الغرب على التخريب باتت أضعف، وأننا بالتالي أمام فرصة حقيقية للحل عبر 2254، ولكنّ الفرصة لن تتحول إلى واقع دون أن يتلقفها الوطنيون السوريون.

ولأننا أمام فرصة حقيقية، فإنّ مسؤولية الأطراف السورية المختلفة هي مسؤولية مضاعفة. كلمة السر في التصدي لهذه المسؤولية هي «التوافق»؛ الطريق نحو التفاهم والمصالحة الوطنية والحل هو طريق التوافق الصعب وغير المطروق سابقاً، لا ذهنياً ولا معرفياً، والذي لا مفر من تعلمه والسير عليه.

التوافق، يعني «لا غالب ولا مغلوب»، ويعني أنّ الآراء المتناقضة التي سيتم وضعها على طاولة الحوار-التفاوض، لن يسود أيٌ منها كما هو إلا في حالة اقتنع الجميع به، وإلا فإنه ينبغي صياغة رأي ثالث من الرأيين المتناقضين، رأي أكثر نضجاً وعمقاً، وقادرٌ على تحقيق الإجماع حوله عبر تقديم التنازلات من جميع الأطراف السياسية، ليس لبعضها البعض، بل لمصلحة الشعب السوري ولإنهاء كارثته...

كل فرصة لها إطارها الزمني الذي تفنى بعده، والخطير هذه المرة كما أسلفنا، أنّ ما يهدد سورية والسوريين ليس مزيداً من الخراب فحسب، بل وبقاء بلدهم نفسه مهدداً في حال لم يتم استثمار هذه الفرصة، وضمن الإطار الزمني الواقعي لها... ولذا فإنّ على الوطنيين السوريين من كل الأطراف أن يضغطوا إلى الأمام نحو الحل السياسي، وصولاً للتغيير الجذري الشامل، وإعادة سورية إلى الحياة، وابتداءً بالتطبيق الكامل للقرار 2254.

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1126
آخر تعديل على الأحد, 11 حزيران/يونيو 2023 21:30