عن «الضوء الأخضر الأمريكي»!
عماد طحان عماد طحان

عن «الضوء الأخضر الأمريكي»!

أكثر الآراء طرافة بما يتعلق بالتحركات العربية اتجاه سورية مؤخراً، وخاصة التحركات السعودية، هو ذاك القائل بأنّها لم تكن لتحدث لولا وجود «ضوء أخضر أمريكي»!

أصحاب هذا النوع من الآراء يبدون وكأنهم في سبات أهل الكهف منذ عام 1991، ومن حينه وحتى اللحظة وهم مغيبون ذاهلون عمّا يجري، لا يستوعبونه ولا يفهمونه ولا يصدقونه. يمكن ضمن المنطق نفسه أن نعتبر أنّ اتفاقات أوبك+ قد جرت هي الأخرى بضوء أخضر أمريكي، وكذلك اتفاقات السعودية مع كل من الصين وروسيا، اقتصادياً وعسكرياً، بل وأيضاً توريد أس 400 إلى تركيا، وصفقات السلاح بين مصر وروسيا والاتفاق السعودي الإيراني، صحيح أنه اتفاق بوساطة صينية وروسية، ولكنه أيضاً بضوء أخضر أمريكي؛ فالرب الأمريكي لا يتم شيء بغير علمه وبغير إرادته.!
الأدهى، بما يخص سورية، هو أنّ أصحاب هذا الرأي يشفعونه بالقول: إنه لا يمكن إعادة إعمار سورية دون الغرب، دون «مؤسساته» و«صناعاته» (طبعاً بين أصحاب هذه الآراء شغيلة عند هذه المؤسسات لا يرون لأنفسهم دوراً ومستقبلاً إلّا عبرها، وهذا يفسر منطقهم).. والحق، أنّه لا يوجد مثال واحد ناجح على إعادة إعمار قام بها أو ساعد بها الغرب في بلدان العالم الثالث. كل عمليات إعادة الإعمار التي تولت إدارتها والإشراف عليها «المؤسسات الدولية» (خاصة صندوق النقد والبنك الدوليين) خلال خمسين عاماً مضت، كانت نتيجتها اقتصاداً هزيلاً منخفض الإنتاجية وفساداً واسعاً وتثبيتاً لأمراء الحروب، وإفقاراً لعموم الشعب، ومزيداً من النهب باتجاه الغرب... المثال اللبناني يكفي ويزيد (مع ذلك يمكن العودة إلى دراسة تجارب إعادة الإعمار التي قامت بها قاسيون لكل من العراق، لبنان، أفغانستان، كوسوفو، الكونغو).
مع ذلك، ينبغي الانتباه إلى أنّ تعلّق البعض بأذيال «الضوء الأخضر» ليس بلا أساس واقعي؛ فالتحركات العربية اتجاه سورية تحمل في داخلها نقيضين متصارعين؛ الأول: تقوده الإمارات ومن خلفها الأردن. والثاني: تقوده السعودية. أما الأول: فيحاول لعب دور وكيلٍ للصهيوني، والخطة هي العمل ضد أستانا، وعبر ما يسمى «خطوة مقابل خطوة» بالتعاون مع الغرب وتحت إشرافه، ووصولاً إلى «تغيير سلوك النظام»، أي إلى تمديد الأزمة وتعميقها، بالتوازي مع إزاحة سورية نهائياً خارج موقعها ودورها الوظيفي، ووصولاً إلى تكليل سورية بعار التطبيع مع الصهيوني كما باتوا يقولون علناً، وإنْ بشكل غير مباشر عبر شغيلتهم (من طراز الملياردير المتصهين الذي تناولته قاسيون في عددها الماضي)... وهذا كله يمر طبعاً عبر نسف فكرة الحل السياسي من أساسها، ونسف القرار 2254 على وجه الخصوص، كما كان شأن الغرب مع اتفاقات مينسك.
الاتجاه الثاني: والذي تقوده السعودية لديه رأي آخر في المسألة، فهو قد حدد إلى حدٍ بعيدٍ تموضعه ضمن الصراع الدولي والإقليمي عبر جملة تفاهمات مع تركيا، ومع دول عربية أساسية كمصر والجزائر، وربما الأهم، عبر تفاهم مع إيران يقطع الطريق على الابتزاز والاستثمار الصهيوني الأمريكي. أضف إلى ذلك، العلاقات الواسعة مع كل من الصين وروسيا وبكل المجالات. أي أنّ الاتجاه الذي تسير به السعودية مؤخراً، يتناغم مع العمل على ولادة عالم جديد قائم على التبادل المتكافئ، وخارج عن البلطجة والهيمنة الأمريكية.
هذا الاتجاه مصلحته هي الوصول إلى استقرار حقيقي في المنطقة، وفي سورية خصوصاً؛ ولا يمكن تحقيق ذلك دون حلٍ سياسي حقيقي، بغض النظر عن إرادة الغرب، وفي الحقيقة ضد تلك الإرادة، ما يجعل من الوصول إلى تكامل وتعاون بين السعودية بشكل خاص كممثل للعرب وبين أستانا أمراً في منتهى الأهمية.
وإذاً، فإنّ المتعلقين بأذيال «الضوء الأخضر الأمريكي»، لا يزالون يأملون بأنّ اللعب التآمري عبر الإمارات والأردن يمكن أن يصل إلى حيث يأملون. والحقيقة، أنّ الوزن الحقيقي لكل من الإمارات والأردن هو وزن هامشيٍ مقارنة بالأوزان التركية والإيرانية والروسية والسعودية بما يتعلق بسورية. أكثر من ذلك، فإنّ هذا النوع من القوى من فئة الوزن الخفيف، يمكنها أن تتحول ببساطة مع اتجاه الرياح، وهي تعطي من الآن إشارات أنها مستعدة لتغيير اتجاه الدفة إنْ تغيرت الرياح بقوة كافية...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1118