افتتاحية قاسيون 1093: نزع فتيل أي انفجار محتمل!

افتتاحية قاسيون 1093: نزع فتيل أي انفجار محتمل!

يعيش الشمال الغربي السوري حالة اضطرابٍ أمني وعسكري عالية المستوى منذ بضعة أسابيع، خاصةً مع الاجتياحات التي نفذها تنظيم النصرة الإرهابي مؤخراً. وهذا لا يعني أنّ الأوضاع كانت مستقرة قبل ذلك، بل هي دائماً متوترة، وإنْ اختلفت حدة ذلك التوتر من وقت لآخر.

بالتوازي، فإنّ الجنوب السوري يعيش هو الآخر حالة اضطراب أمني مستمرة منذ سنوات. ورغم أنّ التوتر ليس واسع النطاق، وليس على الصفحات الأولى، إلا أنه مستمرٌ دون توقف.
كذلك الأمر مع الشمال الشرقي، الذي وإنْ تراجعت إلى حد بعيد احتمالات اجتياحات تركية جديدة فيه، إلا أنّ الضربات والاضطراب الأمني الداخلي لم يتوقفا.
وفي بقية مناطق سورية، يسود استقرار شديد الهشاشة، تملأ فراغاته أعمال تجار الحروب وتجاراتهم السوداء متنوعة الأشكال والأصناف.

وفي سورية كلها، وبالتوازي مع الأوضاع المضطربة أمنياً على العموم، وإنْ بتفاوتٍ بين مناطقها، فإنّ الكل يشترك في التردي والانحدار المتسارع للأوضاع المعيشية، وفي استمرار الاستنزاف، وعمليات تجريف السوريين من بلادهم بتأثير هذه العوامل مجتمعة.

يمكن القول: إنّ العمليات العسكرية بشكلها الواسع، وارتباطاً بجهود مسار أستانا، قد انتهت منذ عام 2019 تقريباً، أي قبل حوالي ثلاث سنوات، ومنذ ذلك الحين انتقل مركز ثقل استنزاف سورية وتدميرها إلى الجانب الاقتصادي، الذي شهد خلال هذه السنوات الثلاث أسوأ وأسرع تدهور طوال عمر الأزمة، بفعل العقوبات والحصار الغربي من جهة، وبفعل تضافر العقوبات مع السياسات الليبرالية المتوحشة، ومع مصالح تجار الحروب في مختلف المناطق السورية. وهذا يعني وضوحاً، أن مختلف الجهود والإنجازات التي قادتها أستانا، ستكون في مهب الريح، إذا لم تُستكمل بالبدء بالحل السياسي فوراً.

رغم صحة التقييم العام بما يخص انتقال مركز ثقل الاستنزاف من العسكري/ الأمني إلى الاقتصادي، إلا أنّه لا يعني بحالٍ من الأحوال أنّ الاستنزاف بأشكاله العسكرية الأمنية قد توقف نهائياً، أو أنه لم يعد مدرجاً على جدول أعمال القوى والجهات المستفيدة من خراب البلاد.

أكثر من ذلك، فإنّ مرور هذه السنوات الثلاث بعد إنهاء الأعمال العسكرية والأمنية الواسعة، ودون الانخراط الفعلي بالحل السياسي، قد أثبت أنّ كل يوم تأخير إضافي يعني ارتفاع احتمالات العودة نحو اضطرابات أمنية وعسكرية كبرى، خاصةً وأنّ عملية إنهاء الإرهاب في سورية لم تنته بعد. وبات إنهاؤها واستئصال الإرهاب بشكل جذريٍ وكامل، مرتبطاً ارتباطاً عضوياً بالحل السياسي وفقاً للقرار 2254، والذي يمثل الطريق الوحيد لإعادة توحيد الشعب السوري، وإعادة توحيد الجغرافيا السورية، وكذلك إخراج القوات الأجنبية منها.
إنّ مؤشرات التوتر المتصاعد المتنقلة في عموم الساحة السورية، هي مؤشرات خطيرة لا ينبغي التهاون معها، أو إهمالها، أو التقليل من حجمها بأي حالٍ من الأحوال؛ فهذه المؤشرات بتضافرها مع استمرار النزيف البشري والاقتصادي في سورية ككل، لن تبقى عند حدود التوتر المحدود إنْ استمرت الأوضاع على ما هي عليه، وستهدد تالياً بنسف كل ما تمّ إنجازه حتى الآن سواء من وقفٍ لإطلاق النار، أو من تقدم في إنهاء داعش وأشباهها.

الذهاب باتجاه الحل السياسي الشامل على أساس التنفيذ الكامل للقرار 2254، لم يكن ترفاً في أي يومٍ من الأيام، وهو ليس ترفاً اليوم، بل هو الترياق الوحيد والطريق الوحيد لنزع فتيل الاحتمالات شديدة الخطورة، والتي بينها تجدد انفجار الأوضاع على امتداد الخارطة السورية؛ والانفجار في ظروفٍ كالتي تعيشها سورية اليوم، وخاصة بجانبها الاقتصادي- الاجتماعي، سيكون أشد خطراً بما لا يقاس مما كان عليه الأمر قبل عشر سنوات أو نحوها.

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1093
آخر تعديل على الأحد, 23 تشرين1/أكتوير 2022 21:41