افتتاحية قاسيون 1080: قمتا طهران وجدة وولادة عالم جديد!

افتتاحية قاسيون 1080: قمتا طهران وجدة وولادة عالم جديد!

ما هو أهم من سرد تفاصيل فشل الأهداف الأمريكية من قمة جدة- والتي تعج بها وسائل الإعلام المختلفة بما فيها الأمريكية- هو تفسير معاني وأبعاد ذلك الفشل:

أولاً: انتهت حقبة الهيمنة الأمريكية/ الغربية المطلقة على عدد كبير من بلدان المنطقة، وباتت خيارات تلك الدول أرحب وأكثر مرونة، وباتت الإمكانيات أكبر ليس باتجاه الحياد فحسب، بل وباتجاه الانخراط الفعلي في التموضع الإيجابي ضمن العالم الجديد قيد البناء.

ثانياً: لم يعد لدى الأمريكان ومنذ عقودٍ طويلة ما يقدمونه لأتباعهم، سوى التهديد والوعيد والإضرار بالمصالح الوطنية على مختلف المستويات؛ وإنْ كان الأمر كذلك لعقودٍ مضت، فإنّ الجديد هو أنّ كسر شوكة الأمريكي والغربي انطلاقاً من أوكرانيا، قد فتح الباب واسعاً أمام عمليات العصيان والتمرد الجماعي، والتي ما تزال حتى اللحظة في أطوارها الأولى.

ثالثاً: بالتوازي، فإنّ قوى العالم الجديد، تنتهج نهجاً ثابتاً يقوم على علاقات التبادل المتكافئ على النقيض من النهب الاستعماري الغربي عبر التبادل اللامتكافئ، ويقوم أيضاً على تعزيز التنمية وفتح مجالات التطور التكنولوجي والصناعي، مع عدم التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدول... كل ذلك يسرّع ويعزز عمليات العصيان الجماعي.

رابعاً: أكبر المتضررين من نتائج قمة جدة، ومن نتائج قمة طهران، ليس الأمريكي والبريطاني فقط، بل و«قلعتهما» الأساسية في المنطقة، أي «إسرائيل» الصهيونية، والتي كلما زاد التقارب والتفاهم بين دول المنطقة، كلما تضاءلت مساحة عملها، بل ومساحة وجودها.

بالنسبة لقمة طهران، وعدا عما أنتجته من تعزيز وتقوية للتفاهمات بين أطراف ثلاثي مسار أستانا، ناهيك عن علاقاتهم الثنائية والاتفاقيات العديدة التي جرى توقيعها في مختلف المجالات، فإن بين نتائجها ما يلي:

أولاً: تأريض احتمال عدوان تركي جديد على الشمال السوري، وإرجاؤه إلى أجل غير مسمى، وربما إرجاؤه نهائياً. وهو العدوان الذي كان الأمريكي والصهيوني يعوّل على حدوثه لخلط أوراق الثلاثي والإضرار بتفاهماته، وربما أهم من ذلك، فإنّ الأمريكي يعول عليه لإبطاء عملية تطويق وجوده العسكري في الشمال الشرقي السوري، وهو الأمر الجاري على قدم وساق وباتجاه طرده نهائياً في وقت غير بعيد.

ثانياً: كان لافتاً بشكل خاص، البيان الذي أصدره الكرملين قبل القمة مباشرة، والذي تكرر مضمونه في كلمة بوتين الافتتاحية ضمن القمة، والذي جاء فيه: «من المقرر خلال القمة الحالية تحديد الخطوات المشتركة باتجاه تحقيق أهداف الوصول إلى تسوية نهائية ودائمة في سورية... على أساس القرار 2254.» القول بـ«تسوية نهائية ودائمة» ضمن قمة طهران الخاصة بمسار أستانا، يشير على الأقل، إلى عملٍ روسي لضبطٍ مشترك للساعات باتجاه الوصول لهذا الهدف. ويعني أيضاً: أنّ الوظيفة السابقة لمسار أستانا التي تمحورت حول إيقاف وإنهاء الصراع العسكري، قد بات من الضروري أن تنتقل إلى مستوىً أعلى، هو مستوى الفعل السياسي اتجاه الحل. وكانت قاسيون قد قالت مراراً، ومنذ ثلاثة أعوام تقريباً، بأنّ الغرب قد أوضح أنه لا يريد الحل، وأنّ الحل لكي يتم، فينبغي أن يتم بغض النظر عن مشاركة الغرب فيه أم عدم مشاركته.

بالمجمل، وكما قالت فورين بوليسي اليوم، فإنّ زيارتي بايدن وبوتين، قد أظهرتا أنّ دول المنطقة «تدعم مشروع موسكو لإنشاء عالمٍ متعدد الأقطاب» إحدى المفردات الأساسية لهذا العالم، هي إنهاء الأزمة السورية، وإنهاء عمليات التفتيت والتخريب الغربي في العالم ككل، وفي منطقتنا بشكل خاص، وضمناً إنهاء أدوات ذلك التخريب أياً يكن تموضعها الشكلي الراهن...

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1080
آخر تعديل على الإثنين, 25 تموز/يوليو 2022 00:42