افتتاحية قاسيون 1047: المواجهة أقل كلفةً من الاستسلام!

افتتاحية قاسيون 1047: المواجهة أقل كلفةً من الاستسلام!

يمكن القول بشيء من التقريب: إنّ المشروع الصهيوني قد مرّ ابتداءً من العام 1948 وحتى الآن، بثلاث مراحل أساسية:

المرحلة العسكرية: 1948-1974، وكان الغالب على الصراع، الشكل العسكري. وهذا لا ينفي وجود الشكل السياسي، ومن تحت الطاولة خاصة، ولكن الأولوية كانت للجانب العسكري.

المرحلة السياسية- العسكرية: 1974-2019، لم ينته الصراع بشكله العسكري، ولكنه بدأ بالتراجع، وبات محصوراً أكثر بالصراع بشكل منفرد، خلافاً للصراعات خلال حرب تشرين وما قبلها. وبدأ بالبروز والتصاعد ثم الهيمنة، الجانبُ السياسي العلني مع اتفاقية كامب ديفيد، ثم أوسلو ووداي عربة، ثم عمليات التمهيد نحو موجة اتفاقات «التطبيع» المستجدة.

المرحلة الاقتصادية: 2019-...، مع إطلاق الأجزاء الأولى من «صفقة القرن»، أواسط العام 2019، دخل المشروع الصهيوني مرحلته الثالثة؛ حيث بات ما يسمى «التطبيع» مدخلاً لعمليات الهيمنة الاقتصادية على كامل المنطقة. وهذا الاتجاه هو الترجمة الحرفية لمخططات شمعون بيريز التي وضحها في كتابه «الشرق الأوسط الجديد» المنشور عام 1993، والذي تحدث فيه عمّا أسماه أربعة أحزمة ينبغي العمل عليها لشدّ المنطقة والهمينة عليها: (نزع السلاح، المياه، النقل والمواصلات والطاقة، السياحة). أكثر من ذلك، فإنّ بيريز يتحدث وضوحاً عن عدة مراحل لتكوين الحزام، ذروتها هي الوصول إلى ما أسماه إدارة مركزية إقليمية لهذه الشؤون جميعها؛ وبشكل أوضح: إدارة مركزية لنظامٍ إقليميٍ تهيمن عليه «إسرائيل» بأدوات الاقتصاد، وتحركه بأيّ اتجاهٍ تريد.

إذا ألقينا نظرةً على ما حققته الوعود الاقتصادية والسياسية للدول المطبّعة حتى الآن، فإنّ اللوحة ستبين شديدة الوضوح: من المغرب التي كانت موعودة بجائزة الاعتراف الأمريكي بسيادتها على الصحراء الغربية، فإذا بهذه الجائزة تأتي مفخخة؛ فلم تكتمل، بل وتحولت إلى أساسٍ لتصعيد التوتر مع الجزائر وبدعمٍ «إسرائيلي» علني. إلى السودان التي تراكِمُ أزمات فوق أزمات وبكل الاتجاهات، وعلى رأسها الاقتصادي. ومروراً بمصر التي تستعرض تاريخها الفرعوني بينما تخفي تحته كوارث اقتصادية تفضحها الأرقام والإحصاءات، وتهددها بأزمات من كل حدب وصوب، داخلياً وخارجياً. إلى المحمية الأردنية التي مضت أشواطاً إضافية في العمل كوكيلٍ وكممر عبور للكهرباء والغاز والسياسات «الإسرائيلية»، وكل ذلك يدفع ثمنه الشعب الأردني ارتفاعاً مضطرداً في أسعار كل المواد الأساسية، ومزيداً من الخصخصة وتغوّل رؤوس الأموال الأجنبية والمحلية، ووصولاً إلى محميات الخليج التي افتتحت مسار «التطبيع» المستجد، وبدأت تدفع أثمانه سريعاً عبر صفقات سلاح ضخمة، وعبر تعميق التوتر الإقليمي ضمن اصطفاف تقف فيه إلى جانب الصهاينة في مواجهة «الخطر الإيراني!».

 

إنّ أهم ما يحلم الكيان بالقفز فوقه عبر الأدوات الاقتصادية هما أمران أساسيان: موضوع الجولان المحتل، وموضوع الدولة الفلسطينية، مرةً وإلى الأبد. وإنهاء هذا وذاك يتطلب تمديد «التطبيع» ليشمل الجميع، ودون أي استثناء.

السعي الصهيوني المحموم نحو استكمال المرحلة الثالثة بأسرع وقتٍ ممكن، مدفوعٌ بحقيقة أنّ التوازنات الدولية قد تغيّرت بشكل كبير، وأنّ مرحلة استقرار العالم على الموازين والحقائق الجديدة لم تعد بعيدة؛ وهي موازين لا تصب نهائياً في المصلحة الغربية عموماً و«الإسرائيلية»- الصهيونية ضمناً.

من جانب آخر، فإنّ استكمال المرحلة الثالثة سيتعطل إذا بقيت دولة واحدة خارج المشروع، ولذا نرى اللعب الجاري والمكثف الخاص بسورية، وكذلك الجزائر، وحتى لبنان والعراق...

المشروع يجب ألّا يمر، ولنْ يمر، ولكنّ ذلك يتطلب مقاومته مقاومةً فعالة، والانتقال من المقاومة إلى المواجهة، لأنّ تكلفة المواجهة أقل بكثيرٍ من تكلفة الاستسلام.

ومواجهة فعالّة بمعايير اليوم، تبدأ من إنهاء الأزمة على وجه السرعة، ومن تطبيق الحل السياسي الشامل على أساس القرار 2254 بما يسمح بإخراج القوات الأجنبية وباستعادة وحدة سورية وسيادة السوريين على بلادهم وعلى قرارهم...

 

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1047
آخر تعديل على الإثنين, 06 كانون1/ديسمبر 2021 08:16