حول «التناقض» الصيني الروسي في سورية!
سلمى عبدالله سلمى عبدالله

حول «التناقض» الصيني الروسي في سورية!

ابتداءً من زيارة وزير الخارجية الصيني إلى سورية يوم 17 من الجاري وحتى اللحظة، لم يتوقف سيل «التحليلات السياسية» الغرائبية، والتي تخللها الكثير من الغمز واللمز والتلميحات المتذاكية التي تصب بمعظمها في مجموعة مقولات أساسية، يمكن اختصارها بالتالي:

أولاً: الادعاء الكاذب أنّ المقترح الصيني ذا الأربع نقاط يسقط القرار 2254 من جدول العمل، وهو ما فندته قاسيون ضمن هذا العدد نفسه بالاستناد إلى تصريحات وزير الخارجية الصيني يوم 17 ويوم 22 من الجاري.
ثانياً: انتزاع الكلام الصيني عن «التخلي عن وهم تغيير النظام» من سياقه الذي يشير بوضوح إلى أنّ المقصود هو وهم تغيير النظام من الخارج... حيث إن الترجمة الحرفية لما قاله الوزير الصيني ضمن البند الأول من مقترحه هي التالية: «احترام خيار الشعب السوري والتخلي عن وهم تغيير النظام، وترك الشعب السوري يحدد مستقبل ومصير بلاده بشكل مستقل».
ثالثاً: البناء على الكذبة والاجتزاءين السابقين للقول إنّ هنالك تناقضاً وتنافساً بين الصين وروسيا حول الوضع السوري، بل إنّ بعض الحالمين قد وصل به الهذيان حدّ الحديث عن مساحات جديدة للمناورة يخلقها التناقض المفترض بين الصين وروسيا.

«موازنة الدور الروسي»!

بين عشرات المقالات والتقارير الصحفية والإعلامية التي نسجت على هذا المنوال، يمكننا الوقوف على أمثلة عديدة بينها تقرير مطول نشرته قناة الحرة الأمريكية يوم 20 من الجاري بعنوان: «الدور الصيني في سورية... «رسائل» لأمريكا ودعم للأسد مقابل الاستحواذ».
في التقرير المشار إليه، وإضافة إلى تكرار الأكاذيب التي أشرنا إليها آنفاً، فإنه يستعين بتصريحات خاصة بموقع الحرة أدلى بها نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق لشؤون آسيا والمحيط الهادي، بيتر بروكس.
ومن التقرير السابق، وتحت عنوان فرعي «موازنة الدور الروسي» نقتبس ما يلي:
«ويعتقد بروكس أن سورية التي «لا تمتلك الكثير من الأصدقاء» تهتم جداً بالحصول على حليف قوي اقتصادياً وعسكرياً إلى جانب روسيا، «لموازنة الدور الروسي» في البلاد، كما أنها تبحث عن مساعدات اقتصادية وعن العون فيما يتعلق بمواجهة فيروس كورونا، وعن المساعدة في ملف إعادة الإعمار.
مع هذا «لم تفعل الصين الكثير حتى الآن»، كما يقول بروكس، مضيفاً إن «روسيا ستكون مهتمة بمراقبة العلاقة الناشئة مع الصين» في سورية للمراحل المقبلة».
يمكن القول إنّ كلام بروكس السابق هو المحور الذي يدور حوله التقرير بأكمله. وليس صعباً الاستنتاج بأنّ متشددين من كل الأطراف يطربون لأوهام من طراز «تناقض صيني روسي» في سورية؛ فهؤلاء الذين حاولوا اللعب خلال أعوام طويلة على التناقضات الإقليمية والدولية، وأمام احتمالات التوافق الروسي الأمريكي، باتوا بحاجة ملحة إلى هوامش مناورة جديدة يحلمون بأن يخلقها تناقض مفترض بين الصين وروسيا...

الحزام والطريق و«خط الغاز القطري»؟

تبني التقارير المختلفة هذه الأيام على الحزام والطريق وعلاقة سورية به، وهذا بحد ذاته أمر جيد لأنّ جوهر المسألة المتعلقة بموقع سورية وأهمية ذلك الموقع بدأت تأخذ سياقها الطبيعي والموضوعي، وإنْ كان ضمن محاولات تزوير كالتي مررنا عليها سابقاً... وعبر اصطناع تناقض بين مشروعين متكاملين بشكل عضوي هما الحزام والطريق من جهة والمشروع الأوراسي من جهة ثانية... وهما مشروعا الصين وروسيا الإستراتيجيان.
ورغم أنّ السياق لا يتسع لنقاش مستفيض لأكذوبة خط الغاز القطري الذي تحول بقدرة قادر إلى السبب وراء كل ما جرى في سورية، لكن ربما من المفيد تقديم إشارة أولية حول الموضوع هنا...
ربما لا يعرف الكثيرون أنّ قطر لم تتمكن من مد خط غاز بينها وبين الكويت بسبب معارضة السعودية لمرور ذلك الخط بمسافة لا تزيد عن 80 كم في مياهها الإقليمية، ورغم هذه الحقيقة الواضحة إلا أنّ هنالك من افترض أن مشروعاً لمد خط الغاز القطري آلاف الكيلومترات وصولاً عبر سورية إلى المتوسط هو مشروع قابل للتحقيق، أو هو مشروع جدي!
المسألة فيما نعتقد، هي بالجوهر تغطية على مركزية مشروع الحزام والطريق وأهميته فيما جرى في سورية خلال السنوات الماضية... بالتأكيد ليس هذا السبب الوحيد، لكنه من وجهة نظر المشاريع الإستراتيجية الدولية الكبرى سبب أساسي... وليس خط غاز مزعوم لا أمل ولا أساس له من الوجود...

(النسخة الإنكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1028
آخر تعديل على الخميس, 29 تموز/يوليو 2021 20:21