افتتاحية قاسيون: سياسات «وهن عزيمة الأمة»

افتتاحية قاسيون: سياسات «وهن عزيمة الأمة»

ارتفع سعر صرف الدولار في السوق «السوداء»، أي في السوق، من حوالي 3700 ليرة نهاية الشهر الماضي، إلى حوالي 4700 ليرة يوم 17 من الجاري، وعاد لينخفض إلى حدود 3700 مرة أخرى، والتغيّر مستمر...

الجديد في هذا الاضطراب العاصف أمران واضحان: أولاً: الرقم القياسي الجديد الذي وصل إليه سعر الصرف، والذي كاد يلامس حدود 5000 ليرة سورية للدولار الواحد، ما يعني- وفقاً للتجربة المرّة- أنّ حاجز الـ 5000 لم يعد بعيداً أو «خيالياً» كما كان سابقاً.
الأمر الثاني: هو السرعات الجديدة: سرعة الارتفاع على حدة، وهي غير مسبوقة، وكذا سرعة الهبوط، وأيضاً سرعتهما معاً، أي تتابعهما المباشر دون أية فترة استقرار مؤقتة بينهما.


إحدى النتائج المباشرة لذلك، وعدا عن شلل ما تبقى من الحركة الاقتصادية خلال هذه الفترة، هي تلك التي لمسها السوريون مباشرة، والمتمثلة في أنّ الأسعار ارتفعت مع الارتفاع العاصف، وبقيت حيث هي مع الهبوط، خاصة أنّ قرار رفع أسعار البنزين والغاز المنزلي جاء في خضم موجة الصعود، وساهم في تثبيت ارتفاع الأسعار، إضافة إلى رفع سعر صرف حوالات المنظمات الدولية إلى 2500 ل. س.
بكلام آخر، فإنّ الأسعار الآن باتت مشتقة بشكل أو بآخر من سعر 4700 ليرة سورية للدولار الواحد، في حين أنّ قيمة تصريف الدولار لمن هم مضطرون لتصريفه بشكل شهري وبأرقام هزيلة، (بشكل خاص العائلات السورية التي تعيش على حوالات الأقارب التي تتراوح بين 50 و200 دولار في الشهر)، هي الآن عند حدود 3700 ليرة سورية... أي إنّ عملية سرقة كبرى إضافية قد تمت بحق عامة السوريين المنهوبين أصلاً، والواقفين أصلاً على حد الجوع، فوقه قليلاً أو تحته!
المقلق حقاً، هو أن تكون فئة الحرامية الكبار، الذين أثبتت سياسات الدولة مراراً وتكراراً أنها خادمة لهم، قد اعتمدت هذا الشكل المستجد من «النصب» وأن تقوم بتكراره مرة بعد أخرى.
المقلق أكثر، والذي يجب أن يتم تركيز الانتباه عليه، هو أنّ مسألة الربح والنهب، ورغم أنها أساسية بالنسبة للحرامية الكبار، إلا أنّها ضمن الوضع الراهن للبلاد، بإحداثياته المختلفة، تفتح الباب للتفكير بأنّ المقصود أبعد بكثير من النهب؛ المقصود هو بالضبط استخدام متطور لـ«وهن عزيمة الأمة»؛ فهذا المصطلح الذي هو كناية عن عمليات قمع أي رأي مخالف، يبدو أنه بات يعني الآن شيئاً إضافياً، إذ تجري عملية ممنهجة لإيهان عزيمة السوريين، وإيصالهم إلى أقصى درجات الإنهاك والإعياء، (ويجري ذلك على يد الحرامية الكبار يداً بيد مع العقوبات الغربية والحصار)... والهدف من ذلك هو تجهيز السوريين للقبول بأي نوعٍ من «الحلول» التي تناسب أمراء الحرب، والذين لا يملكون في جعبتهم من مشاريع سوى إعادة تقاسم النهب فيما بينهم، وإبقاء المنهوبين منهوبين، حتى لو أودى ذلك بوحدة البلاد.
الخطير أيضاً أن سيناريوهات أمراء الحروب، باتت تتقاطع جميعها في حاجتهم إلى بيئة محددة بالمعنى الإقليمي والدولي، تقبل بالقفز فوق القرار 2254، وتفتح الباب على نسف الوظيفة الإقليمية التاريخية لسورية، إن لم يكن نسفها من الأساس...
وهو ما لا ينبغي السماح به بأية حال من الأحوال؛ الأمر الذي يتطلب الدفع بأقصى سرعة ممكنة نحو التكاتف بين الوطنيين السوريين من كل الأطراف، للدفع نحو تطبيق 2254 كاملاً، وبالاستفادة من التوازن الدولي الذي يسير خلافاً لمصلحة الغرب وأتباعه...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1011
آخر تعديل على الأحد, 28 آذار/مارس 2021 20:53