د. جميل للميادين: يجب نقل الدستورية إلى دمشق... ما يهمنا هو أضواء الشعب السوري

د. جميل للميادين: يجب نقل الدستورية إلى دمشق... ما يهمنا هو أضواء الشعب السوري

استضاف الإعلامي الأستاذ كمال خلف في برنامجه «لعبة الأمم» على قناة الميادين يوم الأربعاء الماضي 23/9/2020، أمين حزب الإرادة الشعبية ورئيس منصة موسكو د. قدري جميل في حوارٍ حول آخر مستجدات العملية السياسية والوضع الداخلي في سورية، وكذلك مذكرة التفاهم الموقعة مع مسد وآفاقها.

فيما يلي تنشر قاسيون مقتطفات من هذا الحوار، على أنّ النسخة الكاملة له ستنشر على الموقع الإلكتروني.

(الأمريكي متراجع وسينسحب)

  • في المقدمة التي قرأتها منذ قليل، وردت كلمة غموض مرتين، عندما تحدثنا عن منطقة شرق الفرات وعن إدلب شمال سورية. هل تشاركنا هذه الرؤية أم أن الصورة أوضح لديك فيما يخصّ تلك المناطق؟

الذي يعرف الواقع الملموس عالمياً وإقليمياً ومحلياً، يعرف أنه لا يوجد غموض، كل شيء واضح، ولكن هناك من يريد أن يعكّر المياه كي يصبح هناك غموض. نحن بالنسبة لنا الأمور واضحة تماماً، وواضح اتجاه السير، غير الواضح هو سرعة السير في هذا الاتجاه لأن هذا يتعلق بعوامل عديدة. نحن بالنسبة لنا في منصة موسكو - التي أنا العضو الوحيد منها الموجود في موسكو، كل منصتنا موجودة في كل مناطق سورية – واضح لنا السير باتجاه تنفيذ القرار 2254 الذي يعني أولاً الحفاظ على وحدة سورية، ثانياً إعطاء الشعب السوري حقه في تقرير مصيره بخصوص مستقبله السياسي. هذه أمور واضحة.

الأمريكان يلعبون poker، وأنت تعرف أن لعيبة البوكر يغشّون عادةً، واللعيب الذي تكون أوراقه سيئة يعطي إشارات توحي بأن كل شيء جيد، رغم أنّ لا شيء جيد بالنسبة له، لذلك أرجو ألا نؤخذ بالتصريحات الإعلامية الغربية والأمريكية. واقع الأمر، إذا نظرت للخط البياني للوجود العسكري الأمريكي في المنطقة وليس فقط في سورية، هو خط بياني هابط. لذلك ستصل الأمور لنهايتها المنطقية.

التراجع الأمريكي ليس مسألة حسن أخلاق، هنالك وهن وأزمة عميقة تتطلب التراجع، ويمكن لمس ورؤية ملامح الصراع ضمن الإدارة الأمريكية بين اتجاهين؛ الأول هو ما نسميه "العولمي" والذي يسعى للتوسع، والذي يمثل رأس المال المالي الأمريكي المرتبط بالعالمي والصهيوني بالدرجة الأولى، والاتجاه الثاني هو "الانكفائي". وإذا درسنا التاريخ الأمريكي خلال مئتي سنةٍ مضت نجد أن الميل نحو التوسع والانكفاء كانا يتتابعان الواحد بعد الآخر بفترة زمنية بين 50 لـ 70 سنة، اليوم آتى أوان الانكفاء.

 

آخر الأنباء تتحدث عن زيارة سيئ السمعة والصيت "جيمس جيفري" إلى مناطق شرق الفرات، التقارير تقول أن الرجل يرتب لحكم ذاتي هناك، وأنه بحث فكرة تدريب قوات شرطة بمساعدة الفرنسيين، ألا يضرب هذا الكلام بالصميم ما توصلتم إليه مع الإدارة الذاتية هناك؟

عندما نتحدث عن الانكفاء، فهذا الانكفاء تمليه ظروف موضوعية، لا حسن أخلاق ولا قيم. يوجد ظرف اضطراري والميل يسير بالاتجاه الانكفائي وهذا ما نرى آثاره في كل مكان. هذا لا يعني تغير طبيعة الإمبريالية الأمريكية بل يعني تغيير التكتيك بما سيسمح بوجود هوامش للشعوب المناضلة من أجل تحقيق طموحاتها في الحرية والعدالة.

أنت تبشّر إذاً بقرب انسحاب الأمريكي من الملف السوري؟

هل تذكر فيتنام، أفغانستان، العراق؟ كم كان حجم القوات الأمريكية؟ عندما كان الاتجاه التوسعي هو المهيمن... أليس مئات الآلاف؟ فهو مئات أضعاف التواجد العسكري في سورية.

اليوم بضعة مئات في العراق وسورية. ألا يستحق هذا التفكير؟ هل أصبحوا زاهدين في نشر قواتهم العسكرية؟ أم أن هنالك ظروفاً موضوعية تضطرهم لذلك؟ أعتقد أن هذا هو السبب.

بخصوص جيمس جيفري فإن ملخص ما قاله في الاجتماع وفق معلوماتي هو التالي:

1- لن نسمح للأتراك بإعادة ما حدث في رأس العين وتل أبيض، أو الاستحواذ على أرضٍ جديدة، تحت طائلة العقوبات.

2- التعجيل بالاتفاق الكردي الكردي، لأننا ذاهبون إلى معارضة جديدة وقوية خارج إطار الائتلاف.

3- لا نعمل على إعطاء حكم للكرد، ونحن مع وحدة سورية مع الحفاظ على حقوق الكرد.

4- فك الارتباط مع حزب العمال الكردستاني.

5- البنود أعلاه استراتيجية أمريكية لا علاقة لها بقدوم أو ذهاب رئيس أمريكي.

وهذه المعلومات تتطابق بالمعنى الاستراتيجي مع التحليل الاستراتيجي الذي سقته قبل قليل، لذلك فلنتذكر كلام جيمس جيفري - الذي "ينطوط" كثيراً في الإعلام – حول مهمته إغراق الروس في المستنقع السوري، وقال أيضاً أن لا حاجة لقوات كبيرة لتنفيذ هذا الهدف، بل نحتاج لقوات تدخل بمعادلة حسابية بسيطة. يعني 400/500 شخص يكفون من أجل النط بين الحبال وخلق أجواء الفوضى التي يريدونها خلّاقة ولكنها هدامة كما أثبتت التجارب في العراق وسورية.

 

ذكرتم نقطة فيما قاله جيفري وهي: سنواجه معارضة من خارج الائتلاف، من يقصد جيفري؟

والله لا أدري اسأله هو، أنا مستغرب مثلك. لكن هذا سيتضّح خلال الأيام القادمة، ودَعْ جيفري ينفي هذا الحديث رسمياً أمام الإعلام "الحق الكذاب لورا الباب"

(جيفري يحاول... لكن هيهات)

هل ضرب جيمس جيفري هذه الوثيقة أم لا؟

لا شك أنه يحاول إجهاض هذه الوثيقة، ولكن هيهات؛ لأنها تعكس ضرورة موضوعية. لم تكن صياغتها بالأمر السهل، ولكنها برهنت أن السوريين عندما يقررون الاتفاق فإنهم قادرون على ذلك. قليل من التنازل دون تخلي كل طرف عن وجهه المستقل، تدوير الزوايا للوصول إلى توافقات. المشكلة أننا في سورية لم نعرف فن التوافق، فقد اعتدنا على عقلية الحزب الواحد، وفيروس الحزب الواحد والهيمنة... هذا موجود أيضاً عند المعارضة، الائتلاف يحاول فرض نفسه على الجميع. جيفري قام بضجة إعلامية للتأثير على التطور اللاحق للوثيقة، ولكن لا أعتقد أنه سيستطيع. كل ما طرحه جيفري هو مجرد نوايا، لا يوجد شيء حقيقي عملي. فهو يجري وساطات بين أطراف كردية مختلفة، ولم أر تقدماً ملموساً بهذا المجال حتى الآن، مع أننا نتمنى التوصل لتفاهمات بين أي طرفين سوريين، ولكن الاتفاق الذي يرعاه جيفري إلى الآن لم يحقق تقدماً ملموساً، وأنا أشك أن نواياه جدية في تحقيق أي تقدم، ما يفعله هو محاولة تعقيد الأمور أكثر.

ما العلاقة بين توقيع المذكرة والحوار مع الحكومة؟

شباب مسد أثبتوا أنهم متفهمون وغير مغامرين ويمكن الحديث معهم. على الحكومة في دمشق أن تلتقط هذه اللحظة وتبدأ بحديث جدّي معهم لحلحة الأمور. مع أنه وبرأيي الشخصي فالأمور المعلقة بين قسد/مسد والحكومة السورية يجب أن تُحل على طاولة نقاش كل السوريين، وأنا أشك أنهم يستطيعون الوصول إلى اتفاق دون مشاركة الأقسام الأساسية من المجتمع السوري والقوى السياسية السورية بهذه العملية. من هنا أهمية البدء بالحوار السوري الشامل لتنفيذ القرار 2254 والذي تعد اللجنة الدستورية أحد جوانبه.

(حول النفط)

هل قدموا لك تبريراً خلال المباحثات لتوقيعهم لاتفاقيتهم النفطية مع شركة النفط الأمريكية بشكل منفرد دون العودة إلى أي جهة ثانية لا حكومة سورية ولا غيرها؟

لم أعذب نفسي وأسألهم حول الموضوع لأنني أعرف الحقيقة. والحقيقة تقول بأن هذا النفط يجري تقاسمه بين الأمريكان والأتراك والسوريين وقسد. الأمريكان يأخذون 30%، دمشق 30%، الأتراك 20%، قسد 20%، الوحيدون الذين نعرف أين يصرفون عوائد النفط هم مسد/قسد، فهم يصرفونها على متطلبات المنطقة التي يسيطرون عليها والتي تحوي ضعف عدد سكانها الاعتياديين. بينما الباقي يذهب كله لتركيا والأمريكان والمافيا السورية. وهذا "مال داشر بيعلّم عالحرام". لذلك المشكلة ليست بأنهم وقعوا أو لم يوقعوا. المشكلة أن هذا النفط في ظل الأزمة حالياً والتقطع بين أوصال سورية يذهب هباءً منثوراً. وليس لصالح السوريين الذين يحتاجون اليوم إلى لقمة خبز، وقنينة المازوت... هذا النفط ينهب، لذلك أقول أن لا حل سوى الحل السياسي لإعادة الروابط بين مختلف المناطق السورية حتى يعود خير البلاد لأهلها.

 

متى ستعود إلى دمشق؟

مع الحل السياسي، وهو قد اقترب كثيراً لأن الظروف الموضوعية له قد نضجت، نضجت أكثر من اللازم. لا أرى الحل السياسي تقاسماً وإعادة تقاسم للسلطة والنفوذ، هو ليس كذلك. الحل السياسي يعني رفع العقوبات، إلغاء الحصار، إعادة ربط مناطق سورية مع بعضها البعض، بدء عملية إعادة الإنتاج الشامل ضمن فضاء اقتصادي واحد، أنا أفهم أن الحل السياسي يعني توافق السوريين على تصور مشترك لمستقبلهم ضمن حدود دنيا على الأقل. هذا يعطي ضمانات لكل السوريين الموجودين في الخارج أن يعودوا للبلد سواء كانوا من الأهالي الذين يعانون الجوع والبرد في المخيمات، أم كانوا سياسيين تهمّهم العودة للبلد. ستكون البلد آنذاك مفتوحة ومستعدة لاحتضان الجميع دون شروط مسبقة، وقادرة على تأمين شروط العمل السياسي والتطور الطبيعي للجميع. أنا الوحيد من منصة موسكو الموجود في الخارج، خلافاً للمعارضات الأخرى التي تتواجد كلها بالخارج وليس لديها أحد بالداخل. تمت تكلفتي من قبل رفاقنا بالبقاء خارجاً لأن مركز ثقل العملية السياسية انتقل إلى خارج سورية بسبب تدويل الأزمة، ودوري هنا هو متابعة هذا الموضوع. نقوم ببذل جهودنا بهذا الاتجاه وترون أنتم نتائج هذه العملية.

(الدستورية... إلى دمشق)

كنت أول من طالب بنقل أعمال اللجنة الدستورية إلى دمشق، أما زلت تطالب بهذا الأمر؟

رفيقنا مهند دليقان أُسقطت عضويته من هيئة التفاوض وجُمدت عضويته في اللجنة الدستورية لأنه نطق كفراً في اجتماع اللجنة الدستورية وقال «يجب نقل اللجنة إلى دمشق». نحن الآن موجودون اسمياً في اللجنة ولكننا مجمّدين. اختلفنا مع هيئة التفاوض حول هذا الموضوع، عاقبونا لأننا طالبنا بالذهاب إلى دمشق! ولكن ليس هذا جوهر الموضوع، أنا أعتقد أن الموقف السلبي الذي اتخذه الائتلاف وقسم من المعارضة السورية منا هو موقف سطحي وساذج ومبتذل كوننا طالبنا بالعودة إلى دمشق. لماذا طالبنا بالعودة إلى دمشق؟

أقول لك بصراحة؛ المطالبة بالعودة لدمشق كانت بمثابة بالون اختبار للنظام، إذا كان فعلاً يريد لجنة دستورية وأتى أحد أطراف المعارضة وقال له بأننا نريد نقل الاجتماعات إلى دمشق، المفروض بالنظام تلقّف الفكرة والعمل على تطبيقها. ولكن المفاجأة الكبرى لنا كانت أن النظام تجاهل الاقتراح وكان رد فعله بارداً جداً. والآن أقول لك اللجنة الدستورية تدور في مكانها بحلقة مفرغة، والمؤشرات التي لدي اليوم والبارحة حول الجولة القادمة لا تبشر بخير. وأنا أقول إذا أردنا وأردتم أن تفعل اللجنة الدستورية وتتقدم إلى الأمام يجب أن تعمل في دمشق، بحضن الشعب السوري تحت أنظار الكاميرات وشاشات التلفاز، دع الشعب يتعرف على كل جهة وما تقوله. هذا هو الحل الوحيد. الأمم المتحدة صرفت ملايين الدولارات على اللجنة الدستورية بلا طائل، كان من الأفضل لو تم صرف هذا المبلغ على أكل وشرب ولباس الشعب السوري. أعتقد نقل اللجنة إلى دمشق هو فعل سياسي كبير ويمكن للأمم المتحدة إعطاء الضمانات السياسية والأمنية الكافية، والصحية الآن في ظل كورونا، وهذا سيسّرع عمل اللجنة ويجعلها تصل للنتائج المتوقعة بأقرب وقت ممكن، مما سيهيئ الأرضية المناسبة لسير الحل السياسي نحو الأمام.

 

قلت بأن اللجنة الدستورية تدور في حلقة مفرغة ولا نتائج حتى الآن، وقبل قليل قلت إن الحل السياسي اقترب كثيراً. فإذا كانت اللجنة التي تشكل أرضية الحل السياسي تدور في حلقة مفرغة، فعلى أي أساس لديك مؤشرات بأن الحل السياسي قد اقترب؟

ليست لدي معلومات. لدي حدس، يوجد بصر ويوجد بصيرة. التناقضات والمشاكل في سورية وصلت حدها الأقصى، ومن دون حل سياسي لا يمكن حل أي مشكلة. اللجنة الدستورية يجب أن تسير باعتبارها مفتاح الحل السياسي، والترياق لسير اللجنة هو نقل أعمالها إلى دمشق. وأنا أقول لك أنه من المعيب أن يكتب الدستور السوري في جنيف. هل يعقل أن سورية التي كان دستورها هو أول دستور عربي، والتي شاركت في كتابة دساتير لدول عربية أخرى، أن يكتب دستورها في جنيف؟ أريد أن أسأل أولئك الذين سيكتبون الدستور السوري كيف سينظرون بأعين أولادهم وأحفادهم ويخبروهم بأنهم كتبوا الدستور السوري في جنيف! الدستور السوري يجب أن يكتب في سورية، الموضوع موضوع كرامة وطنية وسيادة وأخلاق. لذلك أنا اليوم أرفع صوتي عالياً مطالباً بنقل أعمال اللجنة إلى دمشق، لأنه في دمشق لن يستطيع أحد الهروب من هذا الاستحقاق من هذا الطرف أو ذاك. الحلقة المفرغة التي تدور بها اللجنة الدستورية ستنكسر بالنهاية، ويجب كسرها.

(أضواء الشعب السوري)

ما هو الدور الذي ستلعبه مستقبلاً؟ الأضواء المسلطة عليك اليوم تقول بأن هنالك دور معروض عليك، هل يوجد شيء من هذا القبيل؟

لا أرى أضواءً مسلطة علي سوى أضواء الاستيديو الذي أجلس فيه الآن، وهي أضواء ترفع درجة الحرارة... الأضواء التي تهمني هي أضواء الشعب السوري، يهمّني أن يلتفت الشعب السوري إلى ما نقوله وأن يصدّق ما نقوله، وأن نسير معاً إلى الأمام لنحلّ الأزمة. أنا من الأساس ضد شخصنة أي مشكلة وأي قضية. وأنا لا أدري ماذا سيكون دوري مستقبلاً. أنا عضو حزب، وعضو جبهة، لا أعمل من رأسي بل ألتزم ضمن انضباط معين، لذلك ما سيقرره الحزب والجبهة سألتزم به، وهذا يعتمد على الظروف وتناسبات القوى والتطور اللاحق...

معلومات إضافية

العدد رقم:
985
آخر تعديل على الإثنين, 28 أيلول/سبتمبر 2020 13:59