د. جميل: المذكرة تعني أنّ بدء الحل قد اقترب جداً

د. جميل: المذكرة تعني أنّ بدء الحل قد اقترب جداً

أجرت العديد من القنوات الفضائية والصحف والمواقع الإلكترونية لقاءات مع رفاق قياديين في حزب الإرادة الشعبية، للتعليق على مذكرة التفاهم الموقعة بين الحزب وبين مجلس سورية الديمقراطية يوم 31 من الشهر الماضي في موسكو. من بين هذه الوسائل الإعلامية: (روسيا اليوم، روناهي، تلفزيون سورية، صحيفة الشرق الأوسط، باسنيوز، موقع حزب الاتحاد الديمقراطي، وكالة هاوار، الحل نت، وغيرها).
وفيما يلي، وتجنباً للتكرار، نورد الأفكار الأساسية التي عبّر عنها د. قدري جميل، أمين حزب الإرادة الشعبية، ورئيس منصة موسكو للمعارضة السورية، في لقاءاته المختلفة...

حول أهمية المذكرة وأهمية توقيتها

تأتي أهمية هذه المذكرة، أولاً: من أن الظروف الموضوعية قد نضجت أكثر من اللازم للبدء بحل الأزمة السورية. هناك استعصاء واضح في مسار جنيف وهدفنا هو تطبيق 2254، أي أننا نريد إحياء مسار جنيف وإزاله كل العراقيل التي تقف في وجهه، لذلك التزمنا في الفقرة الختامية من النص المشترك للمذكرة بإدخال مسد إلى العملية السياسية، عبر مسار جنيف واللجنة الدستورية، وتعهدنا أن نبذل جهوداً في هذا الاتجاه. لذلك فما نقوله هو أنّ الظروف قد نضجت من ناحية موضوعية، ولكن هناك استعصاء من ناحية ذاتية، والكل يبحث عن مخارج. من يريدون التعطيل يبحثون عن طرق للتحايل وزيادة الالتفاف والتعقيد والتعطيل، والبعض المخلص الشريف الوطني يبحث عن مخارج عبر الانفتاح على أوسع طيف ممكن من القوى التي أزيحت عن العملية بشكل غير عادل، محاولاً إدخالها إلى هذه العملية كي تتنشط وتستعيد حيويتها. بذلك يمكن إخراج العملية السياسية من غرفة الإنعاش. لذلك أهمية هذه المذكرة كبيرة جداً، وأستطيع أن أقول إنها مثال جديد ضمن الأزمة السورية للتعامل بين قوى مختلفة، وهي يمكن أن توازي القول إن عملية بدء الحل السياسي قد اقتربت جداً.
بالنسبة لمكان التوقيع، فإنه كان ضرورة موضوعية لأننا لم نجد مكاناً آخر للاجتماع في عصر الكورونا. هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإنّ موسكو ملتزمة بالحل السياسي، وسهّلت عقد اللقاءات بيننا، ولم تتدخل لا من قريب ولا من بعيد، لا بأولها ولا بآخرها في صياغة مذكرة التفاهم.

التأثير المتوقع للمذكرة على اجتماعات جنيف؟

نتمنى أن تؤثر إيجاباً؛ هذا ما نطمح إليه، ولكن إلى الآن فإنّ معظم القوى المشاركة في جنيف متثاقلة بحركتها، وليست مستعجلة، لكن الشعب السوري مستعجل، لأن الشعب السوري تعب. بالعودة للمذكرة، لا أريد المبالغة والقول: إننا توصلنا لها بسهولة؛ بل كان هنالك جهد غير قليل للوصول إليها. وهذا أمر طبيعي؛ نحن قوى مختلفة، والشطارة هي كيف تستطيع القوى المختلفة صياغة التفاهمات عبر تدوير الزوايا الحادة دون أن تتخلى عن مواقفها المبدئية الأولى، لا أحد تخلى عن هويته، ولكن عبر الحوار استطعنا أن نصل إلى قاسم مشترك أدنى بيننا في قضايا رئيسة، وللحقيقة، لم يكن هذا القاسم متدنياً في كثير من الأحيان، بل كان أحياناً عالياً وعالياً جداً. لذلك أعتقد بأن هذه الوثيقة تصلح كنموذج للتفاهم بين القوى المعارضة السورية التي تكفر وتخون إلى الآن بعضها البعض، وتصلح أيضاً كنموذج للتعامل بين النظام والمعارضة. ماذا يعني اتفاق؟ ماذا يعني توافق؟ ماذا يعني مذكرة تفاهم؟ أي أنّ كل طرف يدخل برؤيته وبرنامجه ويخرجون جميعاً بشيء ثالث يختلف عن الأول والثاني، يختلف عن طريقة الدخول، لأنه عبر النقاش نصيغ مواقف مشتركة، وإلا سنكون بخانة المنطق الأحادي الذي يرفض الآخر: «إما أن توافق على ما أريد أو أنني لن أوافق على شيء». هذا ليس عمل، هذه المشكلة، هذه العقلية، العقلية الأحادية- عقلية الحزب الواحد، هي عقلية قوية في بلادنا نتيجة ضعف ثقافة الحوار، نتيجة الانخفاض المريع في مستوى الحريات السياسية تاريخياً، ثقافة الحوار وفن التوافق الذي قلت إنه ضعيف ما يزال كذلك. ولكن نحن استطعنا مع مجلس سورية الديمقراطية وممثليه الأكارم في لجنة الصياغة- في اللجان التي شاركت في النقاش استطعنا- أن نصنع نموذجاً جديداً، هذا النموذج الجديد مطلوب أن يُحتذى وأن يُؤخذ به، أن يجري تعميق دراسته للتعامل لاحقاً بين الجميع على هذا الأساس.

إشراك المبعدين... الجرأة السياسية

كلامنا عن إشراك المبعدين عن العملية السياسية ليس جديداً، منذ أول لحظة في جنيف طالبنا بإشراك من تم إبعادهم... ولكن أين الجديد؟

 

982-26

 

«الفيدرالية/ اللامركزية»... تشويه مقصود

تعرضت المذكرة لحملة تشويه عبر القول: إنها تدعم الفيدرالية واللامركزية وتهدد وحدة سورية، وهو كلام عار عن الصحة؛ الاتفاق طالب بمعادلة متوازنة لدولة مركزية فيها مساحة واسعة للامركزية لكل المناطق البعيدة عن المركز، من حوران إلى الحسكة.
وظيفة هذا التشويه هي إثارة صراع عبثي وفتنة بين القوى السورية، فيما بينها لتأخير الحل. والحريصون على الحل وعلى خروج سورية من كارثتها لا ينبغي أن يعتبروا المذكرة موجهة ضدهم، بل عليهم أن يعتبروها خطوة إضافية تصب في إطار العمل الوطني للخروج من الأزمة.
موقفنا من المركزية واللامركزية ليس وليد اليوم؛ نحن من الأساس نقول إنّ سورية تحتاج إلى لا مركزية واسعة، ولكن أيضاً إلى مركزية قوية. السؤال هو كيف نصل إلى الخلطة السحرية التي نريدها بين المركزية واللامركزية؟ وضعنا العمود الفقري لذلك في مذكرة التفاهم.

الجديد هو طريقة التعامل مع المسألة، والتي سماها الأستاذ رياض درار الجرأة، أي الوصول إلى توافقات ليس عبر الإصرار على المواقف السابقة بل عبر تقديم تنازلات متبادلة لكي نصل إلى بعضنا البعض، وهو ما جرى. وبالحديث عن الجرأة التي قصدها الأستاذ رياض، أعتقد أيضاً أنها تكمن في جانب آخر: منذ بدأت تظهر ملامح الاتفاق بالنقاش، قلت لهم: والله إذا توصلنا إلى اتفاق واتضح أنه سيتم التوقيع عليه، سأقترح توقيعه فيزيائياً في موسكو، وسأعمل على أن تستقبل الخارجية الوفدين بزيارة مشتركة، وكانت الوثيقة لم تنتهِ بعد. هنا الجرأة، اقترحنا شيئاً لم يكن قائماً، ولكن قدرنا أنه من الممكن أن يكون، والذي حصل فعلاً سأخبركم الآن- ولا أفشي سراً- أن الوزير لافروف أعجب بالوثيقة وتعهد بدعمها وتعهد بدعم الحوار بين كل السوريين، وتعهد بالعمل لإقفال ملف المتغيبين عن العملية السياسية.

دور موسكو في تقريب وجهات النظر؟

لم تلعب موسكو أي دور في تقرير تقريب وجهات النظر، نحن لعبنا دوراً في تقريب وجهات النظر بين بعضنا البعض. موسكو لم يكن لديها علم بالحوار، أعلمت بنتائجه هي أولاً. ولكن موسكو مشكورة وفرت لنا مساحة من أجل الإعلان عن المذكرة. نحن أردنا أن تتوفر للمذكرة الظروف المناسبة لكي تخرج بأحسن حلة وبأحسن شكل، وهذا الذي جرى.
موضوعياً فعلاً، لا يوجد مكان للاجتماع إلّا موسكو، الدنيا مغلقة والوصول لموسكو لم يكن سهلاً، حتى وفدنا الذي اجتمع مع لافروف، وفد جبهة التغيير والتحرير والإرادة الشعبية، جزء منه لم يستطيع الوصول إلى موسكو لأنهم أوقفوا في مطار بيروت بحجج ما أنزل الله بها من سلطان، كورونا وغير كورونا. لعب الروس دوراً كبيراً في توفير الساحة، الروس الآن يلعبون دوراً كبيراً في رعاية واحتضان هذا التفاهم.

الموقف التركي

جرى إخبارنا البارحة عبر الإعلام، وحتى قبل صدور المذكرة، باحتجاج الخارجية التركية العلني. كنت أتمنى في حال كانت الخارجية التركية حساسة جداً اتجاه مجلس سورية الديمقراطي، أن تظهر حساسيتها هذه ليس فقط لدى لقاء مسد مع لافروف ومع الخارجية الروسية، ولكن أيضاً خلال اللقاءات العديدة التي أجراها مسد مع الأمريكان، في حينها أين كان الأتراك؟ لماذا كانوا نائمين؟ لماذا لم يعبروا عن استيائهم؟ حتى أن جاويش أوغلو بلغ به الأمر أنه طلب إلغاء اللقاء، الروس «أخدوها بطولة بال». وأعتقد أنّ هذا الأمر لمصلحة كل شعوب المنطقة، أن تتم تهدئة الأمور.
بكل الأحوال يبدو الموقف الرسمي التركي حتى الآن متشنجاً من الاتفاق، على الرغم من أنّ هذا الاتفاق يمثل خطوة مهمة في ضمان وحدة سورية التي ينادون بها ضمن أستانا. لذلك نرى أن موقفهم غريب وغير مفهوم حتى من وجهة نظر متطلبات أمنهم القومي. ولكن بكل الأحوال، لا يمكن لتركيا، ولا يحق لها، أن تمنع اشتراك طرف سوري في العملية السياسية السورية.

 

معادلة ذهبية بين المركزية واللامركزية

مركزية ولا مركزية

نحن طرحنا رأينا بالفعل في هذا الموضوع ضمن اللجنة الدستورية بجولتها الأولى، وهذا الموقف ليس جديداً من جهتنا، وهو باختصار: مركزية مطلقة كما كان عليه الأمر في سورية تعني دولة بلا شعب، دولة بشعب لا حقوق له، إذا كانت نسبة المركزية ستبقى كما كانت علية قبل الأحداث. نسبة المركزية هذه هي أحد أسباب الأحداث والتعقيدات التي جرت في البلاد. من جهة أخرى، إذا كانت المركزية المطلقة مشكلة وأدت إلى كارثة، فأيضاً اللامركزية المطلقة مشكلة من نوع ثانٍ، اللامركزية المطلقة تعني شعب بلا دولة، لذلك نحن بحثنا عن نقطة التوازن بين المركزية واللامركزية، وكما رأيتم بالوثيقة أن الأمر هو مركزية دولة ديمقراطية، ماذا يعني؟ يعني المركز منتخب ديمقراطياً، هذا المركز صلاحياته في مجال السياسة الخارجية والدفاع والاقتصاد متفق عليها، ولكن لا يجوز أن تبقى الصلاحيات في المناطق كما كانت سابقاً، يتدخل المركز في كل التفاصيل في الدرباسية وفي عامودا وفي القامشلي وفي حوران، في كل الأمور التي تجري في كل حارة وكل مخفر. يجب إعطاء السلطة للشعب بكل معنى الكلمة، من هنا فإنّ لتجربة الإدارة الذاتية في الجزيرة لها إيجابياتها ولها سلبياتها، يجب الاستفادة منها، وهي يمكن أن تكون نموذجاً، وأنا لا أتكلم عن الإدارة عندما أتكلم عن الإدارة الذاتية. اللامركزية التي نتحدث عنها ليس المقصود بها شمال شرق سورية، بل نقصد كل سورية، هذه التجربة يجب أن تُعمم. بمعنى آخر، الدستور القادم يجب أن يجد نقطة التعادل، نقطة التوازن الذهبية بين المركزية واللامركزية. مركزية مطلقة مشكلة ولامركزية مطلقة مشكلتان. لذلك موقفنا هو الذهاب نحو النقاش بهذه القضية والاتفاق بيننا على كل التفاصيل التي يمكن أن تغنى بالنقاش بين كل السوريين، لأن موضوع اللامركزية والصلاحيات التي يجب أن تمنح للمناطق فيه آلاف التفاصيل من كل الجوانب، هذه تفاصيل لا يمكن أن يحلها إلا السوريين... لا الروس ولا الأمريكان ولا الأتراك ولا الإيرانيون ولا المصريون قادرون؛ فقط السوريون عندما يجلسون على طاولة واحدة ويتكلمون حول هذا الموضوع، عندها سيجدون ما هي الحلول، وما هي الصلاحيات التي يجب أن تنقل من المركز إلى الأطراف، وهذه القضية ليست كلمة وتقال، هي قضية معقدة كثيراً تحتاج مشاركة واسعة من قبل المجتمع السوري، ومن قبل كل الاختصاصين للوصول إلى حل مقبول يسمح لسورية بالتطور القادم اللاحق.
جهاز الدولة يهمه جداً امتصاص واقتلاع الموارد والتحكم المطلق بإعادة توزيعها، لأن هذه طريقة جيدة جداً في الحصول على فارق قيمة مضافة للنهب والفساد. وهذا يجب الانتهاء منه، والفساد لا يمكن محاربته إلّا بمشاركة كل الناس. ومشاركة كل الناس تتطلب إعطاء صلاحيات للمناطق.
لذلك كنا نبحث عن التوازن الذهبي بين المركزية واللامركزية، هذا النقاش أخذ وقتاً لأنه عندما تتكلم بالمركزية فوراً يظهر خوف عند المتلقي الذي يعيش في المناطق البعيدة عن المركز، أن المركز سيأتي مرة ثانية ليبلعنا سيأتي مرة ثانية لينهبنا، بينما نحن نتحدث بالمعنى السوري الوطني العام نحن بحاجة لمركز كي تبقى هناك دولة، وبدون دولة بعد حالة الخراب التي تعم سورية لا يمكن التفكير بشيء من إعادة إعمار، إلى إعادة ترميم بنية المجتمع إلخ.. الدولة المركزية ضرورية، اتفقنا أنه الخارجية- الدفاع- الاقتصاد قضايا هي من صلاحيات الدولة المركزية، بينما المناطق يجب أن تفوض بصلاحيات واسعة فيما يخص إدارة أمورها في التنمية وتوزيع الموارد العادلة الصحة- التعليم إلخ، ولكن هذه القضية لا يحلها طرفان مهما كانا مهمين، مثل مسد والإرادة الشعبية.
هذه القضية هي برسم كل الشعب السوري عبر طاولة المفاوضات، لأن رسم خريطة اللامركزية فيه آلاف الخطوط، أنا لا أبالغ حين أذكر رقم آلاف وهذا قلته عدة مرات: لا يمكن أن يحل هذه المسألة غير السوريين أنفسهم المطلعين على الوضع بمناطقهم، واختصاصيون جيدون كي نستطيع أن نحلها.
هذه وجهة نظر عبرنا عنها، ولا أخفي عليكم سرّاً: أن هذه إحدى النقاط التي أخذت وقتاً طويلاً بالنقاش بيننا وبين مجلس سورية الديمقراطية حين التحضير لهذه الوثيقة، أخذت وقتاً وتستحق أن تأخذ كل هذا الوقت، وأنا مسرور جداً لأن الوقت لم يضع عبثاً، لأننا وصلنا إلى صيغة أولية صحيحة، وضعنا فيها المعادلة بين موضوع المركزية واللامركزية في مستقبل سورية. وأعتقد أن هذا الموضوع بهذا الشكل سيحصل على رضا الكثير من السوريين والتفافهم حوله.

قوات سورية الديمقراطية؟

بما يخص قوات سورية الديمقراطية، تكلمنا عن مبدأ واضح في المادة الأخيرة من المذكرة؛ هذا المبدأ هو أنّ الجيش هو الحامل الشرعي الوحيد للسلاح، وقوات سورية الديمقراطية يجب أن تكون جزءاً منه، وأن الآليات لتنفيذ هذه المهمة تبحث لاحقاً، وعندما تنضج الظروف لبحثها أي عند النقاش الجدي للحل السياسي. الآن لا يمكننا أن نبحث الآليات، وأنا ضد أن تترك قضية من هذا النوع لطرفين هما النظام وقسد، فهذه قضية سورية جامعة. طبعاً سيكون لقسد والنظام وزن كبير في تحديد مسار حل هذه المسألة، ولكن هذه القضية يشارك في حلها جميع السوريين عبر عملية المفاوضات الجارية.

 

982-29

 

 

الأمريكي يلعب على حبال عديدة ويمكن أن يقع ويكسر رقبته

هواجس ومخاوف من الإدارة الذاتية

الهواجس هي هواجس، يعني شكوك، والشك لا يقطعه إلا اليقين، واليقين لا يأتي إلا بالتجربة. يجب أن نخوض التجربة كي نتأكد من الهواجس؛ إما أن نلفظها وإما أن نؤكدها. أول ثلاث كلمات من مذكرة التفاهم بالفقرة الأولى تؤكد على وحدة سورية وسيادتها، والرفاق في مجلس سورية الديمقراطية ملتزمون بذلك. الهواجس الموجودة عند الآخرين يجب تبديدها، ولن يبددها إلا السلوك العملي للجميع اتجاه الجميع، هذا من جهة. ومن جهة أخرى الإدارة الذاتية هي بكلام آخر، إذا كنت جريئاً بالطرح، هي الإدارة المحلية المطورة، لأنه لدينا قانون إدارة محلية، وهو قانون لم يجر تفعيله لأن المركز وهيمنته على الإدارات المحلية منعها من أخذ صلاحيات فعلية؛ الصلاحيات كانت ممركزة بيد الأجهزة، وخاصة الأمنية، التي كانت تملي على الإدارات المحلية كثيراً من الأمور، والأهم من ذلك، طريقة انتخاب الإدارات المحلية التي جعلتها غير قادرة وعاجزة عن ممارسة مهماتها، الانتخابات لم تكن ديمقراطية كثيراً، إذا أردت أن أكون دبلوماسياً في القول.
في تجربة الإدارة الذاتية الحالية أعتقد أن المشاركة الشعبية هي فعلاً أوسع مقارنة مع الماضي. هي ليست مكتملة- وليست مثالية، ويمكن أن تكون هناك ملاحظات كثيرة عليها، ويمكن أن تكون قد ظهرت نزعات الهيمنة عند هذا الطرف أو ذاك، وهي مرض مستشر في سورية، ولكن التجربة كتجربة في إدارة التنمية وإدارة المناطق وصلاحيات الأهالي والهيئات المنتخبة اتجاه الجهات التنفيذية الموجودة في مناطقها، هي تجربة مهمة يجب تعميمها- يجب دراستها اختزالها وتعميمها.
إلى جانب ذلك أريد أن أقول لك شيئاً لا يتكلم عنه أحد كثيراً: في الإدارة الذاتية، صاغوا قوانين مدنية جديدة متقدمة جداً على مجموع القوانين السورية، وخاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة، وهذا الأمر عملياً استطاعوا حله، وقاموا بخطوة كبيرة أعتقد بالذات هذه النقطة يجب أخذها بعين الاعتبار والاستفادة منها؛ دراسة كيفية الاستفادة منها على المستوى السوري، أي عندما تستطيع تطبيق القوانين المدنية المتعلقة بالعائلة والأسرة والزواج والمرأة وإلخ.. هذه قضايا مهمة جداً. نحن هنا محنطون منذ ما بعد الاستقلال، توقف التطور في هذا المجال قانونياً- تشريعياً.

الإدارة الذاتية؟

ماذا تعني الإدارة الذاتية؟ في إحدى المحاضرات في القامشلي في المركز الثقافي، قبل الأزمة، قلت لهم: إن الجزيرة تنتج أكثر من نصف ثروة سورية من المحاصيل الاستراتيجية، أقصد «قطن وقمح»، وتنتج كمية كبيرة نسبة عالية ليست أقل من نصف النفط السوري، وفيها 15% من سكان سورية، ما هي حصتها من الموازنة الاستثمارية تاريخياً؟ 2-3% لكن ليست هي فقط! كل المحافظات المبعدة عن المحور الاستراتيجي حلب- دمشق أيضاً وضعها هكذا. أي أنه في المناطق التي كانت تسمى نائية ثم نامية، هنالك إهمال تاريخي، لماذا هي مهملة؟ لأن المركز الذي عاث فيه الفساد كان يريد أكبر قدر ممكن من الموارد. لا يترك شيئاً للأطراف للمناطق، لأنه عندما يأتي أكبر قدر ممكن من الموارد فإنّ عملية الفساد والنهب تصبح أحسن بالنسبة له وأسهل. أذكر أنه عندما بدأت الأزمة وتوقفت المطاحن، 60% من مطاحن سورية كانت متركزة في ريف حلب الغربي وتوقفت. الجزيرة تنتج أكثر من نصف قمح سورية، ولا يمكنها أن تنتج طحيناً يكفي سكانها لأكل الخبز، تخيلوا الاختلالات التي كانت موجودة تاريخياً، لذلك نريد تنمية عادلة، نريد توزيع الموارد بين المركز والمناطق توزيعاً عادلاً.
أقصد أن أقول: توجد أسباب كثيرة للإدارة الذاتية التي تعني أن الشعب يأخذ قراره بيده في مناطقه في القضايا التي تخصه مباشرة، كي لا ندع المركز يأخذ راحته ويعود كما كان يتصرف في الثروة العامة للبلاد.

 

982-28

فيتو أمريكي/ تركي؟

مسد معترف بها دبلوماسياً بشكل واسع جداً، أكثر منا في منصة موسكو؛ معترف بها أوروبياً ومعترف بها أمريكياً أيضاً، ولكن مع ذلك لم تمثل في هيئة التفاوض، ولم تمثل في اللجنة الدستورية، وهذا ظلم كبير، نحن وقفنا ضده وصرحنا ضده، وطالبنا بأن ينتهي منذ اللحظة الأولى، موقفنا ليس جديداً. الرفيق سيهانوك قال: فيتو تركي، نعم، ولكن الأتراك لا يقررون لوحدهم مصير وتنفيذ القرارات الدولية.
الأمريكان «مرنون» مع الأتراك لدرجة تجلب الشك، وأنا أعتقد أنهم استخدموا الفيتو التركي لإبعاد المناطق الشمالية الشرقية عن هيئة التفاوض وعن المفاوضات لغاية في نفس يعقوب، مثل الغاية التي يستخدمها الأتراك اليوم، وهذه الغاية هي إبعادهم على أمل صياغة الدستور دونهم لإعطاء حجة للمتطرفين هنا وهناك كي يفسحوا مجالاً لخلق الظروف المواتية للتقسيم. نحن فهمنا لعبة الأمريكان من الأساس، وأنهم يناورون بين الجميع، ولكن الذي يلعب على حبلين تكون آخرته وخيمة، فكيف إذا كان سيلعب على عدة حبال بآن الواحد؟ يجب أن يكون أكروبات ماهر جداً، وحتى الأكروبات يمكن أن يقع وتنكسر رقبته.
الأمريكان يلعبون على عدة حبال، وأعلم أنه منذ اتفاقنا مع الرفاق بمسد في لوزان حول اللجنة الدستورية والدستور لم يكن الأمريكان متحمسين لتمثيلهم في مفاوضات جنيف.

الموقف الأمريكي من المذكرة؟

لم نسمع حتى الآن أي موقف منهم، ولكن قناعتنا العميقة أنهم غير سعيدين إطلاقاً بهذه المذكرة، لأنّ مجمل سياساتهم يصب في محاولة عزل الشمال الشرقي عن سورية، وخاصة عزل الكورد وإضعافهم، وذلك لخدمة هدفهم الذي أعلنه مبعوثهم إلى سورية جيمس جيفري: (تحويل سورية إلى مستنقع).

 

982-30

طريق مسد إلى جنيف؟

لدى مسد عدة خيارات كي يدخلوا إلى العملية السياسية، هم جزء من منصة القاهرة، وشاركوا باجتماعاتها، وشاركوا أيضاً بموسكو 1 وموسكو 2. عبر أي من هذين الجسرين يمكنهم المشاركة، وهم الذين سيختارون أين يمكن أن يجدوا طريقهم إلى هيئة التفاوض، وإلى اللجنة الدستورية.

 

 

 

 

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
982
آخر تعديل على الإثنين, 07 أيلول/سبتمبر 2020 13:22