علينا أن نصدق شينكر، لكن علينا أن نصدق جيفري أيضاً!
سعد صائب سعد صائب

علينا أن نصدق شينكر، لكن علينا أن نصدق جيفري أيضاً!

«رحبت إدارة أوباما بالتدخل الروسي في سورية مفترضة أنها سوف تكون مستنقعاً... وكان هذا بصراحة خطأ فادحاً»

الكلام السابق هو لديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، والذي شغل مناصب عديدة ضمن إدارات أمريكية متعاقبة كان بينها العمل ضمن وزارة الدفاع الأمريكية خلال حقبة احتلال بوش الابن للعراق وتدميره وتقتيل أبنائه.

مستنقع

أطلق شينكر كلامه السابق في الرابع من الجاري خلال ندوة نظمها (Middle East Institute- معهد الشرق الأوسط) بعنوان:«Shifting Dynamics and US Priorities in the Middle East – تحوّل الديناميات وأولويات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط».

ليس جديداً القول إنّ السمة الأساسية لتصريحات المسؤولين الأمريكيين خلال السنوات الماضية، هي تناقضها مع بعضها البعض. ليس فقط تناقض تصريحات مسؤول ما مع مسؤول آخر، بل وفي كثير من الأحيان تناقض تصريحات المسؤول نفسه مع بعضها البعض.

يتناقض تصريح شينكر السابق، شكلياً على الأقل، مع تصريح جيفري يوم 12 من الشهر الماضي خلال اشتراكه في ندوة نظمها معهد هدسون. «إنّ تواجدنا العسكري (في سورية)، رغم صغره، مهم لهذه العملية الحسابية الكلية. لذا نحث الكونغرس والشعب الأمريكي والرئيس على إبقاء هذه القوات قائمة. ولكن مرة أخرى، هذه ليست أفغانستان. هذه ليست فيتنام. هذه ليست مستنقعاً. وظيفتي هي جعلها مستنقعاً للروس».

يرى شينكر أن إدارة أوباما أخطأت إذ «رحبت» بالدخول الروسي إلى سورية، «مفترضة» أن سورية ستتحول بذلك إلى مستنقع للروس. ما حدث بالمقابل، ووفقاً لكلمات شينكر، هو أنّ «روسيا غيّرت مسار الحرب باستخدام 46 طائرة

بقاء الروس أم رحيلهم؟

الاستفاضة في قراءة تصريحات المسؤولَين، ستسمح لنا بتوضيح «التناقض» بين ما يقولانه بشكل أكبر. في ندوة الشرق الأوسط نفسها، يقول شينكر: «لخمسة وأربعين عاماً، كان حجر الأساس في السياسة الأمريكية هو إبقاء روسيا خارج الشرق الأوسط. والآن والحال هي أنهم موجودون هناك، ويلعبون دوراً هدّاماً، نعتقد صراحة بأنه ينبغي عليهم الخروج».

بالمقابل، فإنّ جيفري في لقاء لصحيفة الشرق الأوسط معه نُشر مطلع الشهر الماضي، يقول: «تتمحور سياستنا حول ضرورة مغادرة القوات الإيرانية للأراضي السورية كافة، جنباً إلى جنب مع كل القوات العسكرية الأجنبية الأخرى التي دخلت البلاد في أعقاب عام 2011، وهذا يشمل الولايات المتحدة. أيضاً (إسرائيل)، كما قد تتضمن القوات التركية كذلك (..) القوات الروسية دخلت الأراضي السورية قبل عام 2011، وبالتالي، فإنهم مستثنون من ذلك».

قبل أن نكمل المقارنة، نتوقف عند طرافة تعبيرات المسؤولين الأمريكيين الذين «يرحبون» بدخول الروس، ومن ثم «يستثنونهم» من أوامر الخروج من سورية... تعبيرات من هذا النوع، والتي نرى صداها لدى بعض الحثالة من «المفكرين الاستراتيجيين» بين ظهراني «المعارضين» و«المؤيدين»، تعكس حجم الصلف والوهم؛ حيث أمريكا هي «الرب الأعلى» الذي يسمح ويمنع ويسيّر كل شيء بإرادته...

والمعنى؟

المعنى الذي يمكن استنتاجه من تركيب التصريحين هو التالي: الهدف النهائي هو إخراج الروس من الشرق الأوسط، الأداة هي بقاؤهم المؤقت في سورية شرط تحويلها إلى مستنقع لهم.

هندسة المستنقع

وكي يتمكن الأمريكان من تحويل سورية إلى مستنقع، فإن ذلك يتطلب العمل على عدة ملفات بشكل متوازٍ:

  • ينبغي الإصرار على منع تنفيذ سوتشي بحيث تبقى إدلب «قلعة للمعارضة»، كما جاء في مقابلة لجيفري مع الشرق الأوسط نشرت يوم الثاني من الشهر الماضي. وأما من هي هذه المعارضة، فذلك واضح من تصريحات أخرى لجيفري نفسه ومن دراسات عديدة لمراكز الأبحاث الأمريكية الأساسية بما فيها معهد واشنطن، وهي أمور استفاضت قاسيون في تبيانها في عدة مقالات ندرج بينها كروابط الكترونية المواد التالية المزودة ضمنياً بما يكفي من المراجع لمن يتوخى قراءة حصيفة للموقف الأمريكي: (المسرحية الكوميدية الكاملة للثلاثي: جيفري، مالي، جولاني!، أمريكا «ذات القلب الرحيم»، القائد أبو الفتح الفرغلي... و«المصادفات» التي بالجملة!).
  • الدفع نحو عزلة إضافية للشمال الشرقي السوري، وذلك باستخدام عدد من الأدوات بينها حوار كردي-كردي تسعى الولايات المتحدة لتوظيفه في الوصول إلى موقف كردي معزول عن بقية السوريين، وكذا ما يجري بخصوص قيصر والحديث عن استثناء تلك المنطقة منه، وغيرها العديد من الإجراءات التي وضحت قاسيون اتجاهاتها العامة في مادة عن «قيصر» و«راند» والشمال الشرقي والحوار الكردي-الكردي.
  • ينبغي إفقار السوريين وتجويعهم بالتعاون المباشر أو غير المباشر مع الفاسدين والمتسلطين الكبار داخل النظام، وصولاً إلى تفجير كافة المناطق في سورية، بل وسعياً إلى إشعال المواجهات المسلحة من جديد إن استطاعوا ذلك.
  • كل هذه الإجراءات لا يمكنها أن تصمد وتصل إلى بناء المستنقع بالشكل المطلوب إلا ضمن شرط أساسي واحد: منع تطبيق 2254، أي منع التغيير الجذري الشامل لبنية النظام التي لم تعد عاجزة عن حل أي مشكلة فحسب، بل وباتت وظيفتها هي خلق المزيد والمزيد من الكوارث والمصائب للشعب السوري. هذا بدوره يتطلب إجراءات معينة ضمن الكيانات المعارضة بحيث يجري تقديم ودعم أولئك الذين يصفقون لقيصر ويضربون عيناً عمياء عن مآسي السوريين وآلامهم، ويساعدون النظام في تعطيل عملية التغيير، كما ساعدوه طوال السنوات الماضية، عبر انبطاحهم الكامل أمام الرؤية الغربية وعبر عدائهم لمسار أستانا، وتماهيهم مع مخططات المجموعة الغربية المصغرة التقسيمية والتخريبية.

ولكن...

لأنّ كل شيء في هذه الحياة له جوانب عدة، بينها بالتأكيد جانب تقدمي، فكل ما تسعى له الولايات المتحدة وخصيانها في المعارضة والنظام، سينقلب في آجال قريبة ضدها وضدهم، ومؤشرات ذلك باتت ملموسة لمن لم يفقد بعد قدرته على استشعار نبض الناس.

التغيير الجذري الشامل قادم رغماً عن أنوفهم، وعبر التطبيق الكامل للقرار 2254.

معلومات إضافية

العدد رقم:
969
آخر تعديل على الأربعاء, 24 حزيران/يونيو 2020 15:08