المنطقة الآمنة.. لا أمان مع واشنطن

المنطقة الآمنة.. لا أمان مع واشنطن

يطرح الوضع في الشمال السوري ومواقف القوى المختلفة وبإلحاح على بساط البحث جملة أسئلة، من قبيل: إلى أين ستؤول الأوضاع في هذه المنطقة من البلاد؟ وما هو مستقبل الوجود الأجنبي؟ ومواقف القوى الإقليمية والدولية؟ وما مصير المسألة الكردية في سورية؟ وما المطلوب من القوى الوطنية السورية؟

لا يمكن قراءة السلوك الأمريكي في مناطق الشمال الشرقي، خارج إطار سلوك واشنطن في عموم الأزمة السورية على مدى ثماني سنوات من عمر هذه الأزمة، حيث عملت واشنطن على استدراج كل الأطراف إلى ملعب العنف واستنزاف الكل، وابتزاز الجميع ضمن إستراتيجية ضرب الكل بالكل واستدامة الاشتباك البيني في سورية، لتتسنى لها إمكانية التحكم بخيوط اللعبة كاملة.
وإذا كانت إستراتيجية واشنطن وحلفها قد تلقت ضربات قاصمة على إثر تراجع وزن العمل المسلح في مناطق واسعة من البلاد، فإنها تحاول الإبقاء على لعبة «اللاحل» في شمال البلاد، آخر أهم التصريحات الرسمية الأمريكية حول الوضع في هذه المنطقة، هي: مطالعة جيمس جيفري أمام مجلس النواب، حيث حاول المبعوث الأمريكي مسك العصا من الوسط ضمن حالة التجاذب القائمة بين قوات سورية الديمقراطية، وتركيا، وتحدث عن «منطقة آمنة» حاول إرسال إشارات «تطمين» للطرفين جوهرها الفعلي: الإبقاء على الوضع الحالي، من خلال احتواء الطرفين، أي الوضع الذي يفتح الباب على احتمالات شتى، تبدأ من محاولات فرض الأمر الواقع، والإبقاء على ما هو قائم، الذي يعني في نهاية المطاف عملياً تقسيم سورية، أو السعي إلى زرع فتيل صراع قومي من خلال تحريك الحساسيات القومية في الرقة ودير الزور وريف حلب، أو من خلال الخدمات التي تقدمها تركيا جراء سلوكها الاستعماري في عفرين، ومحاولات التغيير الديمغرافي، حيث يشكل السلوك التركي فرصة ذهبية لواشنطن للعبث بالوضع هناك.
إن ما تقوم به تركيا في عفرين في منع المواطنين من العودة إلى قراهم وبلداتهم، إلى فرض المناهج والرموز الرسمية التركية، والممانعة في تمثيل قوات سورية الديمقراطية في هياكل الحل السياسي(اجتماعات جنيف– اللجنة الدستورية) أعطت نموذجاً سيئاً بالنسبة لدورها في اتفاقات أستانا، وخلقت وتخلق الكثير من التشكيك والتشويش على دور أستانا في الأزمة السورية. دون إغفال أن المحرض المتسبب لهذا السلوك هو العدو الأمريكي في المنطقة الشمالية.
قوات سورية الديمقراطية التي تتعاطى مع الموقف على أساس رد الفعل تجاه السلوك التركي، في عفرين والشمال السوري عموماُ، هي الأخرى تدور في الحلقة المفرغة ذاتها، (مدفوعة من الولايات المتحدة لإدامة الاشتباك في المنطقة) وتحاول الإبقاء على سياسة (الاستفادة من الكل) في وقت تذهب فيه الأمور باتجاه نقطة الصفر وحسم الخيارات، مما يعني إما الاصطفاف مع محور الحل السياسي، أو مآزق جديدة تكرر مأساة عفرين، وتعقد المشهد أكثر مما هو معقد أصلاً.
لقد كشفت سنوات الأزمة السورية عن حقائق كثيرة، منها: عقم خيارات التمييز القومي وإنكار الوجود التي سادت خلال عقود، وراكمت حالات احتقان مزمنة، مما وضع على جدول أعمال القوى الوطنية الجادة في سورية، ضرورة بحث المسألة الكردية في سورية، ووضع مقاربات عملية لها، وفي هذا السياق، فإن الخلاف أو الاتفاق مع القوى القومية الكردية لا يلغي حقيقة وجود مسألة كردية بحاجة إلى حل وطني ديمقراطي في إطار عملية التغيير الوطني الديمقراطي المنشودة، ومن الخطأ التذرع بموقف هذه الجهة الكردية أو تلك للعودة إلى ما قبل 2011، فيما يخص المسألة الكردية.
الأصل في حل الأزمة السورية بشكل جاد ومسؤول، ومنها الوضع في الشمال السوري، هو «إسكات السلاح والذهاب الى الحل السياسي»، على أساس القرار 2254، والافلات من الضغوطات الأمريكية التي لا تروم سوى إدامة الاشتباك، ومن هنا فإن معيار أي موقف اليوم من المسألة الوطنية السورية، بأبعادها المختلفة، هو الموقف من هذه المسألة سواء كان من طرف النظام، أو قوات سورية الديمقراطية، أو أية قوة إقليمية أو دولية، ومن واجب جميع الوطنيين السوريين البحث عن حلول خارج معادلة السلاح، بما يؤمن الحفاظ على وحدة واستقلال البلاد، وسيادة الشعب السوري على قراره بعيداً عن جميع أشكال التدخل الأجنبي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
916
آخر تعديل على الإثنين, 03 حزيران/يونيو 2019 14:11