مقارعو الحياة والمنتصرون لها وبها
مالك الأحمد مالك الأحمد

مقارعو الحياة والمنتصرون لها وبها

عام مضى بآلامه وأوجاعه وأحلامه الموءودة، بسبب جملة السياسات المُفقِرة والمُهمِّشة، وعلى أيدي من لا يرحم من التجار والفاسدين وسماسرة الحرب والأزمة، وعام أتى نسعى لتحميله آمالنا المنشودة، وطموحاتنا المشروعة، وحقوقنا المستلبة قيد الاستعادة.

 

لقد استقبلنا عامنا الجديد، كما غيره من الأعوام السابقة، على قارعة الأزمات المتلاحقة، التحفنا البرد، واستضأنا بالشموع، وتبادلنا التهاني والتبريكات، متمنين سنة قادمة أفضل من سابقاتها..
هكذا اعتدنا أن نُبقي على تفاؤلنا المقاوم للنكسات والأزمات، والمواجه للنكبات المحيقة بنا من كل حدب وصوب..
وكأن جو من المكابرة والتحدي طغى على عموم فقراء الحال ومحدودي الدخل من السوريين ليلة رأس السنة، صغارهم وكبارهم، نسائهم ورجالهم، المكابرة على الهموم المحمولة على كاهلهم، والتحدي لواقع الإفقار والتهميش المفروض عليهم، فبرغم كل الصعوبات المعيشية والأزمات الحياتية المفتعلة، أفسحوا المجال لبث جرعة من التفاؤل بالعام الجديد، ليثبتوا من جديد أنهم محبون للحياة إذا ما استطاعوا إليها سبيلاً.
لقد غزت الأفراح الافتراضية مواقع التواصل الاجتماعي في ليلة رأس السنة، حيث أُرسلت بطاقات التهنئة بالعام الجديد وتم تبادلها مع قوائم الأصدقاء في مواقع «فيسبوك- واتساب- ماسنجر- وغيرها»، كتعويضٍ عما نفتقده من فرح حقيقي في حياتنا الواقعية، والأهم صعوبة اللقاء بمن نحب من الأهل والأصدقاء بهذه المناسبة أو سواها، حيث تفرقت الأسر، وتشتت الأصدقاء، في أصقاع الأرض، ولم يعد التواصل ممكناً إلا عبر هذه الوسائل التقنية الحديثة، التي تتزايد أهميتها وضرورتها يوماً بعد آخر لسد الفجوات الاجتماعية التي فُرضت على السوريين، بحكم ظروف الحرب والأزمة، أو بحكم الواقع الاقتصادي المعاشي الذي يزداد تدهوراً.
ففقراء الحال لا تسعفهم إمكاناتهم لإقامة الحفلات والسهرات العرمرمية، فهذه حكر على شريحة المنعمين والمترفين الذين اكتظت بهم المطاعم والملاهي والنوادي ومراتع السهر، مسرفين مبذرين كعادتهم، أما الغالبية من المسحوقين فقد أمضوا ليلة رأس السنة كما غيرها من الليالي دون أي تغيير يذكر، والبعض منهم اجتمع كأسرة أو مع الأصدقاء مستجمعين إمكاناتهم لقضاء سهرتهم سوياً، والقلة من عمر الصبا والشباب داروا في شوارع الحارات والأحياء، شللاً ومجموعات صغيرة، على أقدامهم ملتحفين السماء، التي أضيئت ليلتها بأنواع الأعيرة النارية المختلفة لدرجة الرعب، والخوف على الحياة التي لم يعيشوها بعد، وكأن التحالف ضد الفرح والتفاؤل، كان مقرراً أن يستكمل أركانه على أيدي العابثين من حملة السلاح، والمفترض بأنهم مؤتمنون على الحياة!.
فإلى كل المسحوقين، ولكل محبي الحياة ومقارعيها، كل عام وأنتم المنتصرون لها وبها، لأن حقكم بالأفضل خلالها مشروع أن تنتزعوه.