المناورة التركية.. لغم الانسحاب الأمريكي فهل ينجح؟
ليلى نصر ليلى نصر

المناورة التركية.. لغم الانسحاب الأمريكي فهل ينجح؟

ما تزال آثار إعلان الانسحاب الأمريكي من سورية، قيد التفاعل... وما سيترتب عليه من آثار على مسار حل الأزمة السورية، بل على مسار العلاقات الإقليمية والدولية المتشكلة على أساسها، لا تزال غير واضحة. والمفصل الأساس، هو: تعزيز أستانا والعلاقة الروسية- التركية تحديداً، أم خلق صدع بها؟
أعقب الإعلان الأمريكي تصريحات دبلوماسية روسية رفيعة، تشكك في مصداقية الانسحاب الأمريكي. وعماد هذا التقدير، هو النتائج الإيجابية التي قد تترتب عن انسحاب فعلي أمريكي وسريع... تلك النتائج التي لا تريدها الولايات المتحدة بطبيعة الحال.

الأمريكيون يعلمون جيداً بأن خروجهم من سورية، هو فرط للعقدة الأساسية في الأزمة السورية، وهو يسرّع الوصول إلى تسوية، ويسرّع استعادة وحدة البلاد بشكل كامل، وينهي مشروع الفوضى، الذي يحاول الأمريكيون إحياءه وإنعاشه بالأداة الأخيرة المتبقية لديهم، وهي التأثير السياسي لبقاء 2000 جندي في سورية. كما يعلم الأمريكيون بأن خروجهم وحل الأزمة السورية، يعني تشكيل النموذج الرافع لأزمات المنطقة الأكثر توتراً في العالم، ويمتد ليؤثر إيجابياً على الوضع العراقي، وعلى التوتر الإقليمي في الخليج، وعلى تركيا، وصولاً إلى اليمن ومصر، ومروراً طبعاً بالقضية الفلسطينية. لذلك فإن الخروج الأمريكي وحل الأزمة السورية، هو مفصلٌ دولي هام، يُعلن هزيمة مشروع الفوضى والتوتر الأمريكي في المنطقة، ويفتح أفق علاقات دولية جديدة عبر التسويات.
لذلك فإن الأطراف الدولية كلها، وتحديداً الروسية، تعلم أن الأمريكيين مضطرون إلى الخروج، تحت ظل ضغط انقسام الحكم الأمريكي العميق، وأزمته، وتحت خطر التهديد العسكري المحتمل لهذه القوات العسكرية الهشّة سياسياً، والتي أي خطر عليها يعني خسارة سياسية أمريكية كبرى وتصدعات في الداخل الأمريكي بين الأقطاب الحاكمة. ولكنهم يعلمون أيضاً أن الأمريكيين لن يجعلوا هذا الخروج سهلاً بل ملغوماً.
اللّغم الأساس الذي يهدف الأمريكيون إلى تفجيره مع إعلان خروجهم، هو شق صفوف العلاقة الروسية- التركية. فيحاولون استمالة الأتراك للدخول في معركة في شرق الفرات، وإلى تثبيت قوى موالية لهم في مناطق جغرافية أوسع ضمن سورية، الأمر الذي يتناقض مع رؤية الأطراف الأخرى في ثلاثي أستانا روسيا وإيران، التي ترى أن الحل المنطقي هو دخول الجيش السوري واستلامه للحدود السورية كافة.
تناور تركيا بين محاور القوة الدولية الأساسية، وتحديداً روسيا وأمريكا... وتستخدم ذريعة القوى المسلحة الكردية، التي تصنفها إرهاباً وتعتبرها تهديداً لأمنها القومي، لتزيد من وزنها السياسي في حل الأزمة السورية. ولكن هذه المناورة والمحاولة التركية، محدودة الأفق إستراتيجياً. فالدخول التركي إلى شرق الفرات، هو معركة في بيئة سورية معادية لهم، وهو أيضاً خلاف سياسي مع أطراف أستانا الأخرى، وتحديداً مع الروس.
فالخروج الأمريكي، يجب أن يعقبه، بل ويدفعه الدخول السوري إلى مناطق شرق الفرات، وإلى منبج، ويجب أن ينتج عنه حكماً إنهاء بقايا داعش في شرق الفرات، وإنهاء المظاهر المسلحة، وانخراط القوى السياسية الكردية السورية في عملية التسوية السياسية السورية.
وهذه الجوانب يعيق تحقيقها، أن تبدي تركيا ممانعة، ورغبة في الدخول العسكري إلى المناطق السورية... الأمر الذي ينبغي أن تحتويه الأطراف الأخرى في أستانا لتجعل من الخروج الأمريكي فعّالاً سياسياً، وتمنع انفجار الألغام. واحتواؤه يعتمد بالدرجة الأولى على التنسيق وتمتين العلاقة، الأمر الذي يظهر في لقاء روحاني أردوغان بعد الإعلان الأمريكي مباشرة، تلاه وفد عسكري تركي إلى روسيا، ثم وفد سياسي ولقاء وزيري الخارجية الروسي والتركي، أخيراً الحديث عن لقاء أستانا جديد.
قد تبدي تركيا رغبة بالمناورة، وتحقيق مكاسب سياسية من الفراغ الذي يغري الأمريكيون الأتراك به، ولكن ثمن هذه المناورة، هو خسارة ضمن الإطار الأكثر فعالية للأتراك ذاتهم، أي: أستانا، وبالدرجة الأولى العلاقة الإستراتيجية مع روسيا، في مجال الطاقة، والدفاع، وأبعد من هذا في الأفق المفتوح لتركيا في الشرق، مقابل الأفق المغلق غرباً.
اللّغم الأمريكي معتمد على المناورة التركية، والمناورة التركية محصورة، بتمتين العلاقات في إطار أستانا وفي الاحتواء التدريجي لتركيا ضمن أفق العالم الجديد، وجرها بعيداً عن الغرب. والأمريكيون سيضطرون مع انخفاض احتمالات تحويل انسحابهم إلى لغم متفجر، إلى تحويله لانسحاب فعلي، لأن التوافق الإقليمي يزيد احتمالات الخطر على الوجود الأمريكي في سورية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
891
آخر تعديل على السبت, 10 شباط/فبراير 2024 11:55