(القضاء على النصرة) هدف سياسي

(القضاء على النصرة) هدف سياسي

(القضاء على النصرة) هو واحد من العناوين التي وضعتها الأطراف الجدية في محاربة الإرهاب والوصول إلى حل في سورية، وجاء هذا مطلع العام الحالي، على لسان وزير الخارجية الروسي لافروف... وكان على الأمريكيين أن يختاروا مع إعلان هذه المعركة: إما تفكيك النصرة سياسياً وإنهاءها، أو إحراقها وإدامة الاشتباك...

 

حاول مسار الأستانة الذي كان عنواناً أساسياً في عام 2017، أن يضعف مواقع النصرة، عبر جذبه لأطراف من المعارضة المسلحة السورية، وتركيزه في بنود اتفاقيات خفض التصعيد على ضرورة انفصال المسلحين عن النصرة، وإلا صنفوا إلى جانبها... ولكن هذه المحاولات لم تنجح في الوصول إلى تفكيك النصرة سياسياً، لأن هذا يتعلق، بوصول الأمريكيين إلى قناعة براغماتية بضرورة الانعطاف إلى مسار الحلول السياسية في سورية.
إلا أن الأمريكيين ليسوا جاهزين بعد لهذه الانعطافة، بل وبشكل أدق، يتبنون خيار إدامة الاشتباك، لأنه الوحيد الذي يبقي احتمالات التقسيم والفوضى قائمة، حيث أن الجلوس الأمريكي حالياً إلى طاولة التفاوض سيبين هشاشة مواقعهم السياسية... لذلك فإن الولايات المتحدة تعلم أن مصير النصرة سيكون كمصير داعش، ولكنها لا تجد نفعاً من دفعها للاستسلام سياسياً، بل يأمل الأمريكيون أن يكون الوقت الضائع في القضاء على النصرة قابلاً للاستثمار في تغيير معطيات ما...
لذلك فإن العام الحالي سيشهد غالباً معارك إنهاء وجود النصرة عسكرياً، أو إيصالها عبر الضغط العسكري، إلى عتبة التفكيك السياسي. وما يعقّد المشهد أن النصرة متوزعة في أغلب مناطق المعارك السورية، وأنها مندمجة ومتداخلة مع فصائل المعارضة المسلحة.
فكما حصل في الغوطة، فإن عدم قدرة الفصائل على التخلي الجدي عن النصرة، وتمنّعها عن الدخول في مفاوضات منذ اللحظة الأولى، دفع أغلبها للوصول إلى تفاوض استسلامي، وأنهى تقريباً دورها السياسي وأخرج قواتها وقوات النصرة من الغوطة. وكذلك الأمر فإنه من المرجح أن هدف القضاء على النصرة سيفتح أبواب معركة في الجنوب، حيث النصرة، وحيث التواجد الأمريكي في التنف، وكذلك الأمر في إدلب، حيث المركز الأساسي لهيمنة الفصيل الإرهابي.
وكلتا المنطقتين منطقتان حدوديتان، ومعاركهما بالتالي سياسية دولية إلى حد بعيد. ولكنها محكومة بموازين القوى الدولية، حيث يتوضح بأن أحداً من أصحاب مشروع الفوضى لا يعقد العزم على ضخ المزيد من التمويل، أو الانخراط بالمستوى الذي قد يجعل المعارك متوازنة القوى مع الطرف الآخر، الذي يضع إمكانات هامة في معارك محاربة الإرهاب في سورية... ما يعني أن اتجاه المعارك محسوم، ولكن آجالها تبقى متحركة، وفق تجاوب الفصائل المسلحة، مع مسألة مهاجمة النصرة والتخلي عنها، واللجوء مبكراً إلى التفاوض.
ليست جبهة النصرة ورقة الأمريكان الوحيدة، بل هناك أيضاً التواجد الأمريكي في المناطق الشمالية الشرقية في سورية، ومحاولتهم اللعب على الورقة الكردية... ولكن النصرة هي الطرف الأخير غير القابل للتفاوض، والذي لا يمكن أن يزاح إلا بمعارك عسكرية، وإن كان بمستويات تختلف بين منطقة وأخرى. الأهم: أن القضاء على النصرة، يعني عملياً القضاء على التشدد، ليس فقط لدى أطراف المعارضة المسلحة، بل أيضاً لدى كل الأطراف السياسية السورية التي تلاقي (جهود النصرة) بالتشدد والتمنع عن الانخراط الجدي في التفاوض، والوصول إلى الحلول السياسية الجامعة.

آخر تعديل على الثلاثاء, 27 آذار/مارس 2018 18:54