نجاح جولة جنيف

نجاح جولة جنيف

تتعدد القراءات والمقاربات المتعلقة بتقييم الجولة الرابعة من جنيف3، وما أنجزته، على طريق الحل السياسي، وفي هذا الإطار يمكن القول:  بلا شك، كان بالإمكان الوصول إلى نتائج أفضل مما تحقق، ولكن، ما تحقق لم يكن قليلاً أيضاً، رغم الاستعراض الإعلامي الذي حاول أن يغطي على تراجع العديد من القوى عن مواقفها السابقة، وبإجراء جرد أولي لنتائج هذه الجولة من جنيف، يمكن تثبيت عدة حقائق:

 

 

أولاً: أكدت الجلسة الافتتاحية بالملموس، إمكانية جلوس الطرفين وجهاً لوجه، الأمر الذي يعني تجاوز إحدى المحظورات التي كان يصر عليها كلا الطرفين في الجولات السابقة، والسير خطوة أخرى نحو إمكانية التفاوض المباشر.

ثانياً: كانت هذه الجولة، جولة السقوط المدوي لمحاولات احتكار تمثيل المعارضة، حيث تم الاعتراف بشكل ملموس بالمنصات كلها، التي تضمنها القرار 2254، دون إقصاء أو هيمنة، وهو ما يعتبر أمراً في غاية الأهمية، ليس من جانب إعادة الحق إلى أهله فقط،  بل أيضاً لجهة إلغاء تأثير التجاذب  بين وفد النظام، ووفد الرياض الذي هيمن على الجولات السابقة، والذي أدى إلى المراوحة في المكان، ومنع  الخوض في الجانب الإجرائي، و عرقل التقدم على طريق العملية السياسية، ومن الجدير بالذكر هنا، إن كسر احتكار وفد الرياض للمعارضة، يفتح الطريق على حضور ما تبقى من القوى المغيبة بناءً على «فيتوات» إقليمية معلنة، أو دولية مستترة،  في الجولات المقبلة، كالتمثيل الكردي، مثلاً.  

ثالثاً:  تم تأريض محاولات وضع تعارض بين السلّات، التي جرت في الجولات الماضية كأداة لإفراغ جنيف من محتواه، إن موافقة كل الأطراف على بحث السلّات بالتوازي يعتبر اختراقاً جدياً، وتوافقاً في الشكل والمضمون مع القرار2254، وإقراراً بأنه خارطة طريق حل الأزمة، وتجاوزاً للمنطق الانتقائي  في التعاطي مع القرار، وحسماً للسجال الملتبس حول الأولويات ومؤشر على نجاح هذه الجولة.

رابعاً: إحدى ميزات هذه الجولة، هي إبراز النموذج الجديد للرعاية الدولية في تسوية الأزمات، حيث احترام القانون الدولي، والتمسك بروح القرارات الدولية، والتأكيد على أن القرارات تُتّخَذ لتُنَفّذ، لا لتصبح أدوات ضغط بيد الدول الكبرى لتمرير مشاريعها، كما درجت العادة في ظل الهيمنة الأمريكية على القرار الدولي، وجاء إصرار الطرف الروسي على ضرورة التزام كل الأطراف بالقرار 2254 كأساس للتفاوض، دليلاً جديداً على جديته ونزاهته، وكانت دبلوماسية «التدخل السريع» خلال أيام الجولة، وقدرتها على تدوير الزوايا، تعبيراً عن الحكمة الروسية، وشعوراً بالمسؤولية تجاه شعوب العالم، وانعكاساً للواقع الدولي الجديد. 

خامساً: بالإجمال، يمكن اعتبار مجريات هذه الجولة كلها، بدءاً من التحضير لها، ومروراً بالجلسة الافتتاحية، والمواقف التي تخللتها، واللقاءات التي عقدت بين المنصات، وبين ممثلي المنصات والمبعوث الدولي، والتفاصيل الأخرى الكثيرة، وحتى الأداء الإعلامي، اختباراً لأهلية كل القوى دون استثناء، فيما يتعلق بالاستعداد والقدرة على تمثل روح القرار 2254، والالتزام العملي به، أي الانسجام مع موجبات التوازن الدولي الجديد من عدمه، وبالتالي تحديد موقع كل جهة ودورها، ووزنها في الجولة القريبة القادمة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
800