الافتتاحية... التغيير على الطريقة الأمريكية

وإذا كانت هي اليوم في وضع لاتُحسد عليه في العراق، بسبب تصاعد المقاومة الشعبية التي تحاول تشويه سمعتها بالعمليات المشبوهة التي تديرها من الخلف، إلاّ أنها حتماً لاتنوي الانكفاء، بل بالعكس، فهي تريد إشعال المنطقة بكاملها كجزء من مخططها الاستراتيجي العام للسيطرة على العالم وإخضاعه وشل منافسيها الكبار المحتملين، مما سيسمح لها بالحفاظ على وضعها المهيمن عسكرياً وسياسياً في ظل تراجع وزنها الاقتصادي عالمياً والذي هو انعكاس لأزمتها المستعصية.

في ظل هذا الوضع، ولعدم وضوح الأفق عند بعض القوى السياسية، التي لاترى في المقاومة الشاملة السلاح الوحيد للمواجهة، بسبب ضعف في بناها أو خلل في رؤيتها البعيدة عن التحليل العلمي ـ الاجتماعي لظاهرة الامبريالية، يبرز موقفان يعملان على التكيف مع الغزوة الحالية للامبريالية الأمريكية:

أولهما: ـ يرى أن الأنظمة الحالية التي كانت سبباً فيما وصل إليه الوضع من عجز وتردٍ يجب أن تزول، ولا بأس إذا كان الأمر سيجري على أيديِ قوى خارجية، مادام ليس في اليد حيلة، لأنها ترى في نفسها ضمناً البديل الوحيد، وبالتالي ستصبح المستفيد الأساسي من هذا التغيير.

ويسود هذا الموقف لدى بعض القوى التي تعارض أنظمتها أكثر مما تعادي الامبريالية الأمريكية.

ثانيهما: ـ هو موقف يسود عند الأنظمة بالدرجة الأولى، التي قياساً على نموذج القذافي المستخدم من قبل الامبريالية كدليل على فوائد الركوع، تسعى لإرضاء الامبريالية وتنفيذ مطالبها المختلفة التي لا حدود لها، للحفاظ على مايمكن الحفاظ عليه، بانتظار أيام أفضل، أملاً في الحفاظ على أنظمتها المتكيفة مع الوقائع الجديدة.

ولكن المشكلة أن الأهداف الحقيقية والبعيدة المدى للامبريالية الأمريكية لن تنسجم مع هذه الرؤى المحدودة الأفق بأي حال من الأحوال.

إذ إنها تسعى من خلال مخططها الاستراتيجي، ليس إلى تغيير في بُنى أنظمة أو إحلال نظام مكان نظام، بل إن أهدافها أبعد من ذلك بكثير، فهي ستطال ليس بُنى أنظمة سياسية فقط، بل بُنى مجتمعات ودول، إضافة إلى محاولة تغيير التقاليد والمفاهيم والذهنية التي تؤسس لمقاومة الظلم والاستغلال والاستعمار، والتي أصبحت تعتبر عند بعضهم مفاهيم بالية يجب تجاوزها.

ـ من هنا، وحتى لايتوهم أحد بامكانية جني مكاسب من خلال محاولات التكيف، يمكن التأكيد بأن تغيير الأنظمة هو الشرط الضروري عند الامبريالية الأمريكية للسير في مخططها اللاحق الذي لاتستطيع التراجع عنه، وهي إن كانت تُجبر الأنظمة الآن على تقديم تنازلات، وتعدها بالسلامة إن فعلت، فهي تريد بذلك التقدم إلى الأمام بأقل الخسائر وبأسرع وقت نحو هدفها اللاحق القاضي بإحداث تغيرات بنيوية عميقة.

ـ وليكن واضحاً للبعض الذين يريدون الاستفادة من اللحظة لجني مكاسب ضيقة، أن الامبريالية الأمريكية لن ترضى إلاّ بالخدم والعملاء المباشرين الذين سيأتون، إن أتوا، ليس لتطبيق ديمقراطيتها، بل لتطبيق أشد أشكال الرجعية والقمع والاضطهاد والتفتيت، ولنا في مثال العراق خير دليل على ذلك.

لذلك فلنبحث عن أفضل السبل لتوطيد الوحدة الوطنية، لتأمين أفضل أجواء للمواجهة الكبرى القادمة، هذه المواجهة التي ستنبت منها تلك القوى القادرة على إنزال الهزيمة التاريخية بالعدو التاريخي من إمبريالية أمريكية وإسرائيل صهيونية.

 

وليس سراً أن أفضل هذه السبل لتأمين كرامة الوطن والمواطن هو تلبية الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية الحقيقية للمجتمع بأكثريته الساحقة من عمال وكادحين بسواعدهم وأدمغتهم، والذين هم قادرون على تحقيقها إذا ماتوفرت أوسع أجواء للحريات السياسية تؤمن ذلك المستوى الضروري من الديمقراطية لصد الهجمة الحالية من أجل ضمان الحياة الكريمة لوطننا وشعبنا.

معلومات إضافية

العدد رقم:
230