محمد الجندي محمد الجندي

أهم الأدبيات السياسية للشيوعيين

ربما أهم الأدبيات السياسية للشيوعيين يجب أن تتمحور:
أولا: حول وحدة الشيوعيين. فهذا التمزق عل الصعيدين الوطني والعالمي يؤلف مأساة للشيوعيين أنفسهم، مهما كانت الأسباب والمبررات، وللطبقة العاملة، التي من المفروض أن يقودها الشيوعيون في نضالها، ولبلدانهم، حيث أن للشيوعيين دورا ًوطنياً واجتماعياً هو مبرر وجودهم، وللمرحلة التاريخية، التي تعاني فراغاً كبيراً في غيابهم الكبير عن الساحات النضالية.

كيف يعالج الشيوعيون ذلك؟، فإنه أمر تابع لهم، ولا تستطيع أي جهة أن تنوب عنهم فيه. ولكن ربما يمكن أن يلتقوا، متجاوزين الخلافات الكبيرة أو الصغيرة، حول، مثلاً:
ـ الوقوف في وجه الهيمنة العالمية للرأسمالية الدولية.
ـ الوقوف ضد وصفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الاقتصادية ـ السياسية.
ـ العمل من أجل الديمقراطية في الحزب وفي المجتمع.

ثانياً: حول الماركسية ـ اللينينية، التي أصبحت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، وكأنها متقادمة.
مع الأسف انتقلت تنظيمات شيوعية عديدة، لسبب أو لآخر، من الماركسية ـ اللينينية إلى الليبرالية، أي انقلبت 180 درجة. فالليبرالية تعني الانتقال بشكل مقصود أو غير مقصود إلى الخندق الرأسمالي، وتعني في إطار البنى القبلية والطائفية لمجتمعات العالم الثالث الانتقال إلى الخندق الرجعي الطائفي، الأمر الذي يؤلف نكسة كبيرة ومأساوية.
الماركسية ـ اللينينية لم تر فيها التنظيمات المتلبررة سوى احتكار السلطة في ظروف دولية وداخلية صعبة من قبل الحزب الشيوعي السوفييتي، ولذا انقلبت عنها إلى الديمقراطية البرجوازية، التي هي بدورها احتكار للسلطة من قبل الرأسماليين. لم تر فيها التنظيمات المذكورة البناء السوفييتي الشامخ، الذي حقق التطور الكبير الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ونقل روسيا القيصرية والجمهوريات السوفييتية السابقة إلى مرتبة الدولة العظمى الأولى في العالم. لم تر فيها الانتصار في الحرب العالمية الثانية، والفعل الدولي الكبير، الذي ساعد في تحرر المستعمرات السابقة (دول العالم الثالث)، ووقف في وجه المد الرأسمالي الدولي.

الماركسية ـ اللينينة كانت الأساس النظري لبناء المجتمعات في بلدان الاشتراكية العلمية السابقة، وللنضال التقدمي في جميع القارات.
ولأن ذلك الأساس النظري تجسد في أوضاع وأحداث شديدة التنوع ومتغايرة في الزمان والمكان، فقد دخلت إليه تشوهات عديدة، زادت منها الحرب الدعائية الرأسمالية، الأمر الذي يضع المرء في أحد موقفين، الأول: هو نوع من الأصولية، ويتمثل في محاولة العودة إلى «الأصول» الصافية، إلى مأثورات آباء الماركسية ـ اللينينية، والثاني: هو الانطلاق من الماركسية ـ اللينينية كأداة تحليل، وأداة نضال.
إن الماركسية ـ اللينينية تتألف من ثلاث أقانيم، اثنين منها يتمثلان في مأثور لينين: «الشيوعية هي: كهربة عموم روسيا وإقامة دولة العمال والفلاحين» أي يتمثلان في تطوير الإنتاج والاقتصاد، وترمز له «كهربة عموم روسيا»، وإقامة دولة لا تمثل الرأسمالية، وإنما تمثل العمال والفلاحين، أما الأقنوم الثالث، فهو تحويل وسائل الإنتاج الكبير الخدمي والصناعي إلى ملكية اجتماعية.
من دون تطوير الإنتاج لا معنى لأي كلام في الاشتراكية، وكانت المهمة الأولى لستالين هي تحقيق الثورة الصناعية، وكذلك يجب أن تكون المهمة الأولى لأي نظام تقدمي، وخصوصاً في العالم الثالث، إذا كان يهدف لبناء الاشتراكية العلمية في المجتمع.
أيضاً من دون دولة تمثل العمال والفلاحين لا معنى لأي كلام عن التقدم، فتمثيل العمال والفالحين هو شرط ضروري، ولكنه غير كاف ويستكمل فقط في السير في تطوير الإنتاج من جهة، والملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج، من جهة أخرى.

وعدم الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج تعني الملكية الرأسمالية لها، أي الملكية الاستغلالية الوطنية والدولية.
من هنا نقاط الضعف في الدول «الاشتراكية» الضعيفة التطور، التي يتحول النظام فيها إلى نوع من الفاشية المتخلفة، أي الرأسمالية المتخلفة التي ترزح تحت نظام دكتاتوري.
ومن هنا أيضاً نقاط الضعف في «ثورات» الفقراء، التي توظف بشكل، أو بآخر، لمصلحة الرأسمالية الدولية في نهاية المطاف، ونقاط الضعف في التحالفات، التي يمكن وصفها بالراكدة، أي التي يجمد فيها تحرك الحزب الشيوعي ويضعف لحساب القوى الأخرى الرجعية، أو الرأسمالية مثل: (تحالف الحزب الشيوعي الفرنسي مع الحزب الاشتراكي).
الأدبيات السياسية للشيوعيين يمكن أن تتمحور حول وحدة الشيوعيين أولاً، وحول الماركسية ـ اللينينية كمنطلق تحليلي ونضالي، ثانياً، ثم أخيراً حول النضال الذي يوحد الجميع، والذي من دونه لا معنى أصلاً للتنظيم السياسي، النضال النقابي بمختلف مستوياته، والنضال الاجتماعي والسياسي بمختلف تجلياته.
يتمنى المرء أن تؤلف ذكرى ثورة أكتوبر القادمة في 7 تشرين الثاني 2001 دافعاً نحو وحدة الشيوعيين.