المواطنون والقمع المزدوج..!؟

من المفهوم أن نجد أن قوى الفساد في النظام تقوم بالقمع متعدد الأشكال من قتل  واعتقال عشوائي وخطفٍ وتعذيب تُهين الكرامات وتستبيحها وتلقي شتى الاتهامات على المواطنين، لكن أن يمارس الممارسات ذاتها من يريد الحرية والديمقراطية، أو من يدعي أنه معارضة وأنه يريدها، فهذا إمّا جاهلٌ والجهل لا يعفي.. وإمّا متعمدٌ وبالتالي هو ينطلق من آراء ومعتقدات ضيقة وضدّ مصلحة الشعب والوطن أو له ارتباطات معادية وينفذ أجندات خارجية.. وأيضاً يعمل على استمرار القمع والعنف.. ولا يبرر ذلك بأنّ قوى القمع والفساد هي البادئة و«البادىء أظلم».. لأن القمع والعنف متضادان ظاهراً.. لكن الطرفين يلتقيان في هدفٍ واحدٍ ويصلان إلى النتيجة نفسها.. وربما معلمهما واحد في أغلب الأحيان..!

وممارسات قوى القمع والفساد ليست جديدة وباتت معروفة ويعيشها المواطنون منذ عقود، وإن كانت قد استفحلت واشتدت قسوتها مع بدء الحراك   الشعبي.. أمّا ممارسات بعض مدعي الحرية ومدعي المعارضة في بعض المحافظات رغم محاولات التبرير ب «الدفاع عن النفس» فهي لا تقل خطورة عن قوى القمع والفساد في النظام.. إنّ أكثر الموالين تصفيقاً ونفاقاً إنقلبوا إلى معارضين متشددين، وإنّ أكثر الفاسدين انقلبوا أيضاً إلى معارضين متشددين وكلا الفريقين ليكفر عن سيئاته.. وليغطي على نهبه ويتهرب من محاسبة الشعب له في محاولةٍ للخداع..!
فهل إقامة الحواجز وقطع الطرقات وإجبار العسكريين على الانشقاق وترويع المواطنين وإعاقة وصولهم إلى أماكن عملهم وكسب رزقهم هي ممارسة ديمقراطية..؟
وهل مهاجمة الأملاك العامة ونهبها وتخريبها وهي ملك الشعب وليست ملك السلطة أو النظام أمر جائز، ناهيك عن الخاصة..؟ هل خطف معلمين ومدرسين وقتلهم أنى كان انتماؤهم له علاقة بالنضال من أجل الحرية..؟ هل اغتيال بعض المواطنين تحت مسمى عواينية دون محاكمة ولو شكلية كما تفعل قوى القمع والفساد هو عمل يخدم النضال من أجل الحرية..؟
هل نشر أسماء بعض المواطنين على صفحات النت أو في ملصقاتٍ دون النظر لانعكاساتها الاجتماعية والأسرية والنفسية وتهديدهم وتهديد الآخرين بالقتل إذا لم يعلنوا توبتهم هل لذلك علاقة بالحرية..؟ هل منع المواطنين من ممارسة حقوقهم المشروعة في الدستور ومنها الترشيح والانتخاب لتكريس مبدأ التعددية في الممارسة الفعلية .. حرية وديمقراطية.. ولو أنها منقوصة ونريد زيادتها وتوسعتها وانتزاعها انتزاعاً، فهي لا تعطى منةً..وليس تعطيلها وإلغاؤها..!
هل رفض مبدأ الحوار والعمل بمبدأ من ليس معنا فهو ضدنا، واتهام القوى الوطنية الأخرى بالعمالة للنظام والتكفير ومصادرة آراء الآخرين بالقوة أو بفتاوى القوى الظلامية المرتبطة بالرجعية والامبريالية سلوك ديمقراطي.. بينما من يفعل ذلك يبيح لنفسه التعامل معها.. وهذا يتناقض حتى مع القرآن الكريم والآيات الدالة على ذلك كثيرة ومنها:
(ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا) الآية رقم 99 من سورة يونس، و( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين) الآية رقم 56  من سورة القصص و(لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) البقرة 356 .. ناهيك عن الأحاديث النبوية ومعاملة الرسول للآخرين.. والدين المعاملة..!
هل تخوين الجيش الوطني وتسميته جيش الاحتلال والدعوة لتمزيقه وهو الذي قدم آلاف الضحايا والشهداء منذ ميسلون إلى الآن أليسوا من أبناء الشعب السوري.. هل ذلك لمصلحة الشعب والوطن، أم لمصلحة العدو الامبريالي الصهيوني ومن يفعل ذلك يجب محاسبته لخيانته..؟
هل تريد دول الخليج التي تقدم المال والسلاح الحرية والديمقراطية للشعب السوري بينما هي تبعد عنّا آلاف السنوات من الحرية والتطور وتمارس ما تمارسه بحق شعوبها في ظل ما تسميه هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وكما يقول المثل فاقد الشيء لا يعطيه..!
لا شكّ أن هناك من سلك طريقاً خاطئاً تحت ضغط المعاناة من ممارسات قوى القمع والفساد أو استشهد له أخٌ أو ابن.. والأهم أنه لم يحاسب أحدٌ على ذلك إلى الآن .. من هنا يجب اعتبار كل من سقط بأيديهم شهيداً للوطن والشعب.. ومحاسبة كلّ من تلوثت يداه بالدم السوري الطاهر.. لتخفيف الاحتقان والمعاناة..
إنّ من يريد الحرية والديمقراطية يجب أن يتمثلها ويجسدها في الفكر والممارسة.. وإلاّ يا أبا زيد كأنك ما غزيت.. أو نكون خرجنا من تحت الدلف إلى تحت المزراب.. ورغم كلّ ذلك نحن المواطنين سنبقى نطالب بالتغيير والتحرير، وننادي رغم التهديد ودون خوفٍ أو وجلٍ:
حرية.. سلمية .. سورية..