بقلم هيئة تحرير «قاسيون» بقلم هيئة تحرير «قاسيون»

الليبرالية الاقتصادية لن تجلب الديمقراطية

يشتد هجوم قوى السوق التي تمثل مصالح البرجوازية الطفيلية، والتي هي ليست إلا امتداداً لقوى العولمة المتوحشة التي تسير في مقدمتها الإمبريالية الأمريكية، ويحقق هذا الهجوم، مستفيدة من الأوضاع المستجدة إقليمياً بعد الحرب الأمريكية على العراق، تقدماً ملموساً وتحاول إنهاء هجومها بتحقيق انتصار سياسي، ويتحقق التقدم الملموس في مجال البرنامج الاقتصادي خطوة بعد أخرى.

ومن الواضح أن هذا البرنامج، في حال استكماله، يشكل الوجه الآخر للهجوم الأمريكي المتوحش، أي الشكل غير العسكري والمؤسِس للعسكري إذا لزم الأمر.

ومن المعروف أن هذا البرنامج يستند في هجومه  على السلبيات والثغرات والنواقص التي تميز بها الأداء الاقتصادي خلال العقود الماضية، والتي يشكل النهب والفساد سمة مميزة له قد أتى على كل ما تحقق سابقاً في مجال تطور القوى المنتجة وأوصل البلاد إلى أزمة اقتصادية جدية تضرر منها الكادحون فقط. إن هذا البرنامج يريد قول كلمة حق يراد بها باطل، إذ أنه في حال تحقيقه كاملاً سيؤدي إلى تدهور حاد في مستوى معيشة الجماهير الشعبية ولن يؤدي إلا إلى قوننة النهب وإعادة تشكيله ضمن الظروف الجديدة.

ومن المؤسف أن بعض القوى السياسية في البلاد تعّول، من أجل نشر الديمقراطية، على انتصار البرنامج الليبرالي الجديد، وكلها ظن أن التجربة الغربية التي تحققت في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، والتي واءمت بين الديمقراطية السياسية وانتشار الرأسمالية بشكلها الليبرالي، هو أمر ممكن تكراره في أوائل القرن الواحد والعشرين في البلدان المتخلفة رأسمالياً، ناسخة من  ذاكرتها تجربة القرن العشرين التي برهنت على أن انتشار الرأسمالية في بلدان الجنوب قد ترافق بمزيد من تقييد الحريات السياسية، فكيف الأمر في عصر العولمة الأمريكية التي هي تعبير عن أزمة خانقة للرأسمال المالي العالمي الذي يبحث عن منفذ له للحركة والتنفس ولا يجده إلا في تحطيم السيادات الوطنية لتأمين مزيد من  استغلال شعوب الجنوب، مع مايرافقه من ازدياد لحدة التوتر الاجتماعي وازدياد حدة التناقضات الطبقية التي لن تفضي إلا إلى مزيد من صدامات أقسى ومواجهات أدمى مما سيتطلب المزيد ثم المزيد من تقييد الحريات السياسية.

 

إن الطريق إلى الديمقراطية، هذه المهمة الملحة والواجبة التنفيذ لا يمر عبر قوى السوق والسوء بل يمر عبر الحفاظ على السيادة الوطنية والمكتسبات الاقتصادية والاجتماعية بل وتعزيزها وتخليصها من كل  المعيقات والسلبيات التي أساءت لها وأهمها النهب والفساد، وفي ذلك كل الضمانة لتحقيق كرامة الوطن والمواطن.