إطلاق الحوارالعام من أجل وحدة الشيوعيين السوريين المرجعية الفكرية وأهميتها في نضال الشيوعين

هل انهيار التجربة الاشتراكية السوفيتية دليل على فشل الماركسية ونهايتها؟

كلا؛ على العكس، لقد أكد فشل هذه التجربة أن الانحراف عن قوانين ومفاهيم الماركسية ـ اللينينية في السياسة والاقتصاد كان أهم الأسباب الرئيسة لذاك الانهيار. 

صحيح أن الثورة العمالية عام 1917 قد تمكنت من انتزاع السلطة السياسية من يد البورجوازية إلا أنه عند هذه المرحلة وما تلاها أصبح مصير الثورة العمالية مرتبطاً ارتباطاً مباشراً بالتغيير الثوري للعلاقات الاقتصادية القائمة وبتطبيق البرنامج الاقتصادي الاشتراكي للطبقة العاملة، وفي هذا يكمن تخلف الثورة الروسية عن الاستمرار في تقدمها. فقد حلت سيطرة الدولة على الرأسمال وملكية وسائل الإنتاج محل قضية تشريك جميع وسائل الإنتاج وتحويلها إلى ملكية جماعية للمواطنين. وبقيت الأجور، العمل المأجور، النقد، القيمة التبادلية، انفصال الطبقة المنتجة عن وسائل الإنتاج، واستمرار فعل قانون فضل القيمة لصالح رأسمالية الدولة على حالها، ناهيك عن سيادة الأسلوب البيرقراطي في الإدارة قد حتمت السيطرة الاقتصادية للرأسمالية على الأوضاع وأصبحت البورجوازية البديل التاريخي الممكن للحفاظ على العلاقات الرأسمالية وهذا ما فرض بالضرورة، تراجعاً عن الانتصار السياسي للطبقة العاملة الروسية. وعليه، فإن الدرس الأساسي المستفاد هو أن الثورة العمالية، كما أكدتها الماركسية، محكوم عليها بالهزيمة إذا لم تنفذ برنامجها الاقتصادي بكل معنى الكلمة وليس بفرض إصلاحات اقتصادية على النظام القائم وهذا هو العمل الذي لم يتم تحقيقه في الاتحاد السوفيتي. فأين مبادئ ماركس في الاقتصاد وأين توصيات لينين بتلازم الاشتراكية والديمقراطية في الممارسة السياسية مما جرى؟

 ومن هنا يمكنني القول: إن الانحراف عن الماركسية ـ اللينينية، كان سبباً رئيساً إلى جانب أسباب أخرى في ذاك الانهيار. 

هل الماركسية اللينينية مازالت صالحة كمرجعية فكرية وسياسة؟

نعم بالتأكيد ، إن الماركسية كفِكر تحرري إنساني يهدف إلى انعتاق الإنسان من الاستغلال والاستعباد، ويوفر الأسس النظرية العلمية في مرحلة هيمنة النظام الرأسمالي على العالم للطموح التحرري الاجتماعي والإنساني الذي تعكسه الهوية العميقة لشعبنا في أبعادها المتنوعة. 

لِمَ لا ؟ وإن الماركسية المرتكزة إلى المادية التاريخية، تعتبر أن الصراع الطبقي الذي يتَّخذ في كثير من الأحيان غطاءات أيديولوجية متنوعة ومختلفة، بين الطبقات المستغلة والمستغلة هو محرك التاريخ. وأن تشخيصها بأن محوريْ التناقض الرئيس في الصراع العالمي مازالا ، بالرغم من محاولات تَدْيينهِ (إسلام ومسيحية- إيمان وكفر) أو شَخْصنتهِ (بوش وصدام) أو جَغْرفتِهِ (شمال وجنوب- شرق وغرب)، ما زالا بحق، يتمثلان في النظام الرأسمالي العالمي ورغبته بالهيمنة على مقدرات الشعوب لحلِّ أزماته الاقتصادية الخانقة هذا محور، وبين مصالح المنتجين المبدعين وشرائح اجتماعية واسعة من سكان الدول الرأسمالية والدول التابعة وهذا هو المحور الآخر. وكفى بمظاهرات الشعوب التي شهدناها ونشهدها في جميع أنحاء العالم ضد العولمة وطواغيت المال برهاناً ملموساً على ما نعتقد.

إن موجة الابتعاد عن الماركسية من قبل قادة بعض الأحزاب الشيوعية  قبل انهيار التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي بخاصة وبعدها، ما هو في الحقيقة سوى موقف يتعلق بالجانب السياسي وليس بالجانب النظري العلمي للماركسية، فالمسار كان مساراً سياسياً والخيارات سياسية وليست علمية، وأعتقد بأن أولئك اليساريين المثقفين، (الأنتلجنسيا) الذين كانوا يرطنون بشعارات طبقية متضخمة وبخاصة في المجالات شبه النظرية، بينما يسعون الآن، إلى تغطية تراجعهم السياسي على صعيد اجتماعي واسع بإعادة النظر في الماركسية!. وأعتقد أن التحولات العالمية الأخيرة أثبتت حقانية الرؤية الماركسية. وفي الحقيقة، إن الهجمة السياسية والأيديولوجية البورجوازية على الماركسية والاشتراكية بالاستناد إلى انهيار كتلة اشتراكية أمست زائفة قد أوجدت ضغطاً سياسياً وإعلامياً كبيراً على الشيوعيين واليساريين في العالم. والأمر يحتاج إلى وقت طويل للتمكن من إجهاض هذه الموجة من الهجوم ويحتاج إلى توجيه ضربات عمالية مهمة إلى البورجوازية كي يستعيد اليساريون ثقتهم بالماركسية ويستردون اعتبارهم الفكري والسياسي والاجتماعي. 

وفي الواقع، إن حركات التحرر لم تمت.. بل هي تشهد نُمواً وتنوعاً متصلين على مدى العقود الأخيرة، بدءاً من حركة تحرر المرأة، إلى حركة تحرير السود، إلى العودة إلى الطبيعة، بل والحركات الإسلامية المتنورة من حيث هي حركات احتجاج على نمط التنمية العالمي والمحلي ومعادية الإمبريالية والصهيونية.. وذلك كله فضلا عن الحركة العمالية، والتي لم تصب بهزائم ماحقه على الصعيد العالمى. هذا بالإضافة إلى انتعاش، النقد الثقافى للحضارة الرأسمالية المعاصرة. ذلك كله يشير إلى احتمالات مستقبل مختلف عن محاولة إقناعنا بالتحول عن الماركسية كمرجعية فكرية وباللحاق بالرأسمالية العالمية. 

وفي كل الأحوال، وإذا ما سلمنا جدلاً بـ (فشل) الماركسية، وما دام لابد من مرجعية فكرية لكل حركة سياسية فما هي المرجعية الفكرية البديلة للشيوعيين؟ هل يُكتفى بتلمس الواقع كالعميان؟ أم علينا الذهاب إلى (فوكوياما وهتنغتون) لننهل من أفكارهما (الحكمة) ونهنئهما بـ (توقف) حركة التاريخ البشري عند النظام الرأسمالي ومظالمه؟ 

بالحتم لا، وألف لا ! إن الماركسية اللينينية ستبقى هويتنا المُميزة ومصدر قوتنا واللازم أن نتحلى بأفكار ماركس النقدية ونعود لقراءة الماركسية - اللينينية بالاستناد إلى العلاقة الجدلية القائمة بين نصوصها  ومنهجها العلمي  وواقعنا الملموس.  

 

■ جير ود - محمود. م. سـمُّور