الافتتاحية زيادة الأجور حق وليست صدقة

ارتفعت الأسعار موجة إثر موجة، وغير معروف أين ستتوقف بظل السياسات الحكومية الانفتاحية على قوى السوق، فالموجة قبل الأخيرة إثر تذبذب سعر صرف الدولار أكلت 30% من القوة الشرائية لأصحاب الدخل المحدود ولأصحاب الدخول المنخفضة المتأتية عن العمل بشكل عام، وزاد الطين بلة زيادات الأسعار الحكومية الأخيرة على البنزين والأسمنت والتي سيتبعها حسب «الخطة»، زيادات أخرى، مما خفض القوة الشرائية للأجر بشكل عام إلى حوالي 50% مما كانت عليه قبل الزيادات الأولى على الأسعار.

أما بخصوص المسوغات التي تساق لتبرير الزيادات على الأسعار، فحدث ولاحرج، فهي على أقل تقدير مضحكة وغير جدية، فإن كانت زيادة الأسعار نتيجة للارتفاعات العالمية فلماذا ينسى أصحاب القرار الاقتصادي، أن أجورنا ليست عالمية، فإن كانوا يريدون جعل أسعارنا متناسبة مع دول الجوار، فليجعلوا الأجور أيضاً متناسبة مع مستوى الأجور لديها، فأي أجر يحسب على أساس مستوى الأسعار وليس بشكل مجرد.

وإن كانت زيادة الأسعار تهدف إلى منع التهريب، فما ذنب المواطن العادي صاحب الدخل المحدود، والدافع المثالي للضرائب، كي يدفع ثمن تقصير الأجهزة الحكومية في أدائها لواجباتها، هذه الأجهزة نفسها التي تُمول من عرقه وتعبه، هل المواطن الكادح ملزم بدفع الثمن مرتين أو أكثر، مرة كي تؤدي هذه الأجهزة واجباتها ومرة عندما لاتؤدي واجباتها، ومرة عندما تقصر في أدائها لواجباتها.

وإن كانت الزيادة كما يقول البعض لن تصيب بالضرر إلا متوسطي الحال والأغنياء، أكثر مستهلكي البنزين، فهذا الكلام مردود لأنه غير علمي، فإذا كانت هذه الزيادة تصيب هؤلاء فعلاً مباشرة، إلا أنها تصيب كل المجتمع بشكل غير مباشر من خلال الموجة الارتدادية لرفع سعر مادة إستراتيجية. أما كيف سوف تبرر زيادة سعر الأسمنت وغيره الذي خلف ويخلف سلسلة تفاعلات طويلة على كل الأسعار في السوق؟.. هذا ماسنتركه لجهابذة القرار الاقتصادي.!

كل هذا إذا بحثنا زيادة الأسعار من زاوية المنطق الاقتصادي البحت، أما إذا درست من الزاوية السياسية. فالسؤال المطروح هو هل هكذا يكافأ الشعب السوري على موقفه الوطني الصلب خلال الفترة الأخيرة؟ أم أن البعض يريد فعلاً معاقبته على هذا الموقف وخلق الأرضية لاستياء يُصطنع على أرضية توتير اقتصادي ومن ثم اجتماعي كي يجني البعض ثماره سياسياً لإضعاف الجبهة الداخلية وجعلها أقل صلابة أمام ضغوطات العدو الخارجي.

أم أن الحكومة لاتجرؤ على مد يدها لمحاسبة الفاسدين ناهبي قوت الشعب فترفع الأسعار، أي تمد يدها إلى جيب الشعب وتخفض القوة الشرائية لأجره ومن ثم تتظاهر برفع الأجور بنسبة لاتعوض 10% من ارتفاعات الأسعار السابقة.

إن ماخسره المواطن بعد زيادات الأجور والأسعار الأخيرة هو أكثر من 30% من دخله الفعلي قبل الموجة الأولى، وهو لايطلب صدقة، بل يطالب بحقه المشروع المبرر من كل الزوايا الوطنية والاجتماعية والسياسية.

لقد تعاملت الحكومة وفريقها الاقتصادي بروح غير مسؤولة مع الأوضاع المعاشية للجماهير الشعبية، وعلى هذا يجب أن تحاسب، وأن يعاد النظر بكل سياساتها، وخاصة الأجرية منها التي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار متطلبات المعركة الوطنية الحالية وظروف المواجهة القائمة.

لذلك يجب:

● إعادة النظر بالأجور بشكل عام، لكي تتناسب مع متطلبات المعيشة، وهذا يعني رفع الحد الأدنى الحالي للأجور على الأقل ثلاث مرات.

● ربط الأجور بالأسعار بشكل مستمر، و من المستغرب أنه ليس لدى الحكومة حتى الآن مؤشر حقيقي لقياس ارتفاعات الأسعار، ومن المفهوم أن غيابه يسمح لها بالتلاعب بمستوى الزيادات المطلوبة على الأجور.

● تأمين تمويل الزيادات على الأجور من مصادر حقيقية على حساب أموال النهب الكبير والفساد المستشري الأمر الذي إذا تم سيؤمن حتماً  تلك الموارد الضرورية لتحسين مستوى معيشة المواطن بشكل كريم ولائق.

 

إن السياسة الأجرية وطريقة التعامل معها هي جوهر السياسة الاقتصادية المطلوبة، وهذه بدورها ستحدد صلابة المجتمع في مواجهة التحديات الخارجية والداخلية المنتصبة أمامنا وفي ذلك ضمان لتحقيق كرامة الوطن والمواطن.