المسؤولية التاريخية.. والخيار الآمن الوحيد

تسعى قوى الإمبريالية الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل الصهيونية من خلال الرفع المستمر لمنسوب التدخل الخارجي، إلى إغلاق إمكانية المخرج الآمن من الأزمة الوطنية العميقة الشاملة التي تمر بها البلاد.

فالحل الصحيح للأزمة معروف، وهو الإصلاح الجذري الشامل، فسورية وطناً وشعباً مستهدفة من الأعداء قبل أن يستهدف النظام نفسه، وهم يستخدمون في هذا الاتجاه بشكل ناجح حتى الآن أخطاء النظام وتباطؤه في عملية الإصلاح المطلوبة ونقاط الضعف في المجتمع السوري، ويدفعون الأمور على هذه الأرضية باتجاه القلاقل الداخلية والفتنة الطائفية.. الأمر الذي يهدف إلى منع الإصلاح الحقيقي نهائياً واستدعاء التدخل الخارجي بحده الأقصى وصولاً إلى إلغاء دور سورية التاريخي الوطني حتى ولو تطلب الأمر تفتيتها..

فالمطلوب من الشحن الطائفي الذي تقوم به بعض القنوات الفضائية وبعض القوى السياسية المشبوهة، أن يتحول الصراع الجاري في البلاد حول الإصلاح ومآلاته إلى صدام طائفي تحركه قوى الفساد الكبير خارج جهاز الدولة وداخله، ما سيضع مصير سورية نفسها على طاولة البحث.. إن العنف الطائفي المسلح هو سلاح الإمبريالية الأمريكية وإسرائيل الصهيونية والرجعية العربية المتحالفة معهما.. وهو يهدف إلى إجهاض الحركة الشعبية في البلاد ومنعها من الوصول إلى أهدافها المحقة والمشروعة والتي يقف على رأسها تحرير الجولان والقضاء على الفساد، وإزالة التوزيع غير العادل للثروة والوصول إلى المستوى الضروري من الحريات السياسية في البلاد، بما يضمن تطورها اللاحق اقتصادياً- اجتماعياً، وصولاً إلى أعمق عدالة اجتماعية وأعلى نمو ممكن، وهي مهمات مطلوبة موضوعياً ووطنياً.

إن نجاح الإصلاح الجذري الشامل يعني تحويل سورية إلى نموذج يحتذى لكل شعوب المنطقة، وإحباط المخططات الأمريكية- الصهيونية بشكل حاسم، مع كل ما يمكن أن ينجم عن ذلك من تغيير حقيقي ونهائي لميزان القوى في منطقتنا لمصلحة الشعوب، الأمر الذي سيلعب دوره حتماً في التأثير على مجرى تطور العالم كله، في ظل الأزمة العميقة التي تعيشها الرأسمالية العالمية اليوم.

والمطلوب لكي لا ينجح الإصلاح المنشود، توجيه الصراع في المسارات الخطأ، وأهم أدوات ذلك هي الفتنة الطائفية.

ـ لا شك أن أخطاء النظام في العقد الماضي قد خلقت الأرضية لزيادة الثغرات التي ينفذ منها العدو اليوم.

ـ ولا شك أن انخفاض منسوب الحريات السياسية، وانسداد أقنية التعبير عن هموم ومشاكل الشعب قد خلق حالة احتقان نعيش نتائجها اليوم.

ـ ولا شك أن ارتفاع منسوب الفقر والبطالة قد خلق الأرضية الموضوعية للأشكال الاحتجاجية السلمية المختلفة.

ـ ولا شك أن المعالجات الأمنية الخاطئة والمبالغ بها قد خلقت الأرضية لردود الفعل ولظهور العقلية الثأرية.

وبالقدر نفسه، من المسؤولية التاريخية تجاه مصلحة الوطن والشعب، لم يعد هناك أي مبرر أمام الحركة الشعبية كي تغض النظر عن المسلحين الذين يدّعون القرابة معها، بل لم يعد هناك أي مبرر كي تتسامح معهم، فالمطلوب منها أن تقتلعهم وأن تقمعهم بأيديها حمايةً للوحدة الوطنية ووحدة البلاد، فهنالك اليوم مسؤولية جديدة تضاف لمسؤولياتها، وعلى حلها سيتوقف ليس فقط مصيرها، بل مصير الوطن.

ومن جهة أخرى، لابد من الإشارة إلى أن اقتلاع المسلحين الطائفيين من كل شاكلة ولون، بغض النظر عن الجهة المحسوبين عليها، هو عمل سياسي بالدرجة الأولى يستهدف البيئة التي يعملون بها باتجاه كسبها وإقناعها بخطرهم عليها وعلى الوطن.. وهذا الإقناع إن كان يتطلب قرارات جريئة وسريعة باتجاه الإصلاح الجذري الشامل، إلاّ أنه يتطلب حواراً وطنياً واسعاً صريحاً شفافاً يقال فيه ما يجب أن يقال، هذا الذي يقال في كل بيت وفي كل شارع وفي كل قرية وفي كل مدينة..

إن الفتح السريع لأبواب ونوافذ الحوار الصريح، الجريء، حول مشاكل البلاد التي تشغل بال الناس، من أكبرها إلى أصغرها، هو ضرورة لتخفيض حدة التوتر والشحن، وتفويت الفرصة على أعداء الخارج ومن يرتبط بهم في الداخل

آخر تعديل على الثلاثاء, 25 تشرين1/أكتوير 2016 11:39