جهاد أسعد محمد جهاد أسعد محمد

الحركة الشعبية.. والعقوبات الجماعية

لا تتوقف العقوبات التي تتعرض لها الحركة الاحتجاجية وبيئتها الحاضنة لها، على القمع والتنكيل والاعتقالات وإطلاق الرصاص الحي على المحتجين وغير المحتجين، وكذلك لا تتوقف على المحاولات المستمرة لحرفها عن مسارها من خلال التكالب الإعلامي عليها إما بادعاء الصداقة، أو بإجهار العداء، كما لا يقتصر الأمر على زرع الخارجين عن القانون في صفوفها أو ظهور المسلحين بين ظهرانيها في هذه المنطقة أو تلك، ولا بالتشبيح المنظم الذي تمارسه بعض قوى المعارضة وقوى الموالاة بالقدر ذاته تقريباً... 

بل تتعدى العقوبات كل ذلك لتصل إلى ما هو أبعد وأعمق وأكثر دفعاً لها للاستمرار في التصاعد، بل ولتأخذ أشكالاً قد لا تليق بها وبغاياتها وأهدافها النبيلة وبالبلاد وقيمها وثقافتها..

ولعل أبرز العقوبات الجماعية التي تتلقاها الحركة وحاضنيها، وتتعداها لتطال غير المنخرطين فيها، وربما غير المتحمسين لها، هي قطع وسائل العيش الأساسية عن المناطق الساخنة، التي أصبح التعامل معها يشبه لعبة القمار...

فتارة تقطع الكهرباء لساعات أو لأيام عن مناطق محددة، وتارة تقطع الاتصالات، الأرضية والفضائية، وتارة الطرقات عبر الحواجز المؤقتة أو الثابتة، وقد يصل الأمر لقطع المياه أو التفنن في تقطيرها!!.

اللافت في الأمر أن الكثير من المناطق التي تشملها العقوبات من هذا النوع، قد لا يشكل المحتجون فيها إلا نسبة بسيطة قد لا تتجاوز 5- 10 % من سكانها، وبالتالي فإن الجميع يعامل معاملة المذنب إذا قبلنا ما يدعيه البعض أن الاحتجاج ذنب لا يغتفر، والجميع يعامل معاملة المجرم إذا قبلنا فرضية البعض أن الاحتجاج جرم، والجميع يعامل معاملة الخائن إذا أخذنا برواية ومزاعم تلفزيون الدنيا!!.

أما إذا اعتبرنا أن الاحتجاج هو حق للمظلوم ليعبر عن استيائه من سلوك وأداء ونهب وتشبيح وغطرسة الظالم، فإن  أبسط ما يقال عن هذه العقوبات الجماعية هو أنها ذنب لا يُغتفر وجرم سيعاقب الشعب من قام بارتكابه، وربما هي خيانة لأبسط مفاهيم الانتماء الوطني والمواطنة والتحضر الإنساني..

ربما أصبح من الضروري أن يدرك من يتبع أسلوب العقاب الجماعي أن ما يقوم به لم يثمر حتى الآن، إلا مزيداً من الشحن والتوتير ودفع البلاد والحراك الشعبي إلى مآلات ومواقع قد تكون آثارها كارثية، والأكيد أن الاستمرار في هذا النهج سيفوّت على البلاد فرصاً كثيرة للخروج من المأزق الحاد الذي تمر به..

المطلوب اليوم أن يتوقف هذا الشكل من «إدارة الأزمة»، والمضي نحو الشكل الوحيد الذي قد تنجو فيه سورية وشعبها من الهاوية التي تتشكل يوماً إثر يوم، وهو الحوار الوطني الحقيقي، الجاد والندي، فهو المخرج الآمن، وسوى ذلك فإن كل ما تم بناؤه عبر عقود منذ الاستقلال الوطني وحتى يومنا هذا، سيكون عرضة للانهيار الكامل والشامل.. وحينها لن ينفع الندم..