أما من حلول سوى الخصخصة؟

 بعد تفاقم أزمة الكهرباء، تزايدت الأقاويل والأخبار حول ضرورة دخول استثمارات القطاع الخاص إلى شبكة البنية التحتية... وحتى هنالك من يضع آجالاً لهذه العملية في خريف هذا العام .. وكنا قد حذرنا في افتتاحية العدد الماضي أن هذه الأزمة الحالية في الكهرباء، بأسبابها الموضوعية والذاتية، الطبيعية والمفتعلة، ستفتح الباب لمحاولات كهذه، وطرحنا تساؤلاً مشروعاً حول استمرار عدم حل هذه الأزمة لسنوات مع أنها ممكنة الحل. هل يستهدف ذلك إيجاد المبرر والحجة لإدخال القطاع الخاص وخاصة غير السوري في مجال البنية التحتية؟ بحجة عدم قدرة الدولة على القيام بهذا العبء الذي تراكم خلال سنوات.

إن البنية التحتية من كهرباء وطرق ومطارات ومرافئ ومياه وصرف صحي، تعود ملكيتها عادة في أكثر دول العالم إلى الدولة.. وهذا الأمر طبيعي ومنطقي، لأن الأمر إذا كان غير ذلك، فسيؤدي في نهاية المطاف إلى تعقيدات كبيرة تنعكس على مجمل الاقتصاد الوطني والمجتمع، بسبب السعي المستمر للرأسمال الخاص للربح الأعلى بغض النظر عما يمكن أن يسببه ذلك من انعكاسات سلبية على مجمل الاقتصاد الوطني... ناهيك عن أن دخول، ومن ثم سيطرة القطاع الخاص على البنية التحتية من حيث طبيعة الملكية، يؤثر سلباً على تكوين السوق الوطنية الواحدة، وبالتالي على الاقتصاد الوطني...

وقد وقفت حتى بعض البلدان التي سارت شوطاً كبيراً في الخصخصة ضد إدخال القطاع الخاص إلى البنية التحتية، باعتبار أن هذا الموضوع سيتحول إلى عامل مفتت للوحدة الوطنية، ليس بالمعنى السياسي فقط، وإنما أيضا بالمعنى الجغرافي-السياسي.. فتصوروا لو تم خصخصة الكهرباء وشبكة الغاز وسكك الحديد في روسيا، وهو الأمر الذي طالب به البعض سابقاً ولم ينجحوا، نقول لو تم ذلك هل كان بالإمكان رؤية روسيا اليوم دولة واحدة موحدة بالمعنى الجغرافي_السياسي؟ لقد وقفت بعض فئات الرأسمالية (الروسية) الجديدة ضد خصخصة هذه القطاعات حرصاًً منها على وحدة بلادها التي تستثمر أموالها فيها بالطول وبالعرض...

وما يثير الريبة والحذر هو أن موضوع خصخصة الكهرباء مثلاً، طرح عندنا من زاوية خصخصة نقله وليس إنتاجه في بادئ الأمر منذ سنوات، والآن، ومع تفاقم العجز الكهربائي، أصبح الحديث عن دخول القطاع الخاص وحتى غير السوري إلى هذا القطاع أمراً مطروحاً ويجري نقاشه فنياً هنا أو هناك، وهنا لا بد أن نحيي موقف تلك الأوساط في الدولة التي ترفض هذا الأمر من زاوية حتمية ارتفاع أسعار الكهرباء المرتفعة أصلاً، والقضاء على نظام الشرائح نهائياً، الذي يجب أن يصبح خطاً أحمر لا يجوز لأحد تجاوزه، لأنه يمس الأمن الوطني في الصميم، ولأنه سيمس المواطن السوري في الصميم.

إن النتائج المتوقعة لدخول القطاع الخاص مجال البنية التحتية إن تم، ستكون كارثية بكل معنى الكلمة على المدى المتوسط لهذه العملية.

فهي:

1 - سترفع أسعار الكهرباء والمياه والنقل والخدمات المتعلقة بهم ارتفاعاً جنونياً.

2 - ليس هناك أية ضمانة أن مستوى الخدمات التي ستقدم ستكون مبررة من زاوية الأسعار التي ستفرض على الاقتصاد الوطني وعلى المواطن.

3 - سيتحول العمود الفقري لملكية القطاع العام ولو جزئياً إلى يد الرأسمال الخاص، وليس مستبعداً أن يكون جزء منه أجنبياً حتى لو كان عربي التسمية.

إلى ماذا سيفضي ذلك على المدى المتوسط؟

- ارتفاعات في الأسعار ترهق مستوى المعيشة لعامة الناس.

- انخفاض موارد الدولة التي تنخفض عاما بعد عام وتحولها إلى مكان آخر.

- تغيير طبيعة الملكية في البلاد، تغييراً جذرياً، وهو الأمر الأخطر على المستوى الاجتماعي والسياسي.

إن البنية التحتية تقرر من حيث المبدأ طبيعة المالك الحقيقي في البلاد، وبالتالي الحاكم الحقيقي، وإذا تذكرنا المعادلة البسيطة التي تقول إن من يملك يحكم، ومن لايملك لا يحكم، لأصبح واضحا أن انتقال البنية التحتية ولو جزئياً إلى القطاع الخاص، والأخطر في الأمر غير السوري، يعني انتقال مقاليد الحكم بالتدريج إلى قوى اجتماعية – سياسية أخرى مرتبطة بحبل السرة بالرأسمال الأجنبي، وبمشاريع الدول الكبرى التي لديها مخططاتها ومشاريعها التي تستهدف السيطرة على المنطقة بما فيها سورية، من أجل الوصول إلى أهدافها الاستراتيجية العالمية....

إن ملكية البنية التحتية للبلاد هي خط أحمر وعماد من أعمدة الأمن الوطني بالمعنى الواسع للكلمة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً... ولا يجوز مسها أو السماح لأحد للتلاعب بها، وفي ذلك ضمانة لكرامة الوطن والمواطن...