جميل: السوريون يكرهون العنف.. والظلم أيضاً..!

جميل: السوريون يكرهون العنف.. والظلم أيضاً..!

عقد د.قدري جميل، أمين حزب الإرادة الشعبية، رئيس منصة موسكو للمفاوضات السورية- السورية في جنيف مؤتمراً صحفياً في موسكو بدعوة من نادي الشرق التابع لوكالة روسيا سيغودينيا، يوم الثلاثاء 27 أيلول 2016، تناول  الأوضاع في سورية وآفاق استئناف العملية السياسية، وسط المخاوف التي يثيرها عدم الالتزام الأمريكي بالاتفاق الأخير مع موسكو بخصوص تهدئة الأوضاع في سورية، إلى جانب إعلان وفد الرياض مقاطعته لمسار جنيف التفاوضي.

«اشتدي أزمة تنفرجي..!»

في مستهل المؤتمر قال جميل: «السؤال الأساسي الذي يشغل بال الجميع في سورية، وللغرابة يشغل بال السياسيين قبل الناس العاديين مع أن العكس يجب أن يكون، هل هناك أمل؟ هل فقدنا الأمل؟ هل هناك إمكانية لاستعادة مسار جنيف؟ هل هناك إمكانية لإحياء الاتفاق الروسي الأمريكي وإنعاشه؟ هل هناك إمكانية للوصول إلى حل سياسي؟ هذه الأسئلة تعبير عن ضيق مساحة وهامش الأمل الذي كان أوسع عند السوريين، والسبب طبيعي، هو التعقيدات التي نشهدها الآن. هناك مثل شعبي في سورية يقول: (اشتدي أزمة تنفرجي). الأزمة تشتد بمظاهرها التي نراها ولكن يبقى الحل..! ففي نهاية المطاف يجب الوصول إلى حل والحل أعتقد أنه لم يتغير: محاربة الإرهاب واجتثاثه من جذوره، داعش والنصرة، وإيقاف الكارثة الإنسانية الجارية في البلاد- وهي مهمة ذات درجة عالية من الأهمية، 

وليس ثالثاً، وإنما بشكل متوازي، البدء بعملية التغيير الوطني الديمقراطي الجدي المطلوب. 

آثار عدم الحل

واضاف جميل: «تعالوا ننطلق من العكس. إذا لم تحل الأزمة السورية، ماذا يعني ذلك؟: انتشار الإرهاب، ممثلاً بداعش وجبهة النصرة خارج حدود سورية والعراق، وأين ستقف؟؟! استمرار اتساع الكارثة الإنسانية بالنسبة للشعب السوري وخطر انعكاساتها على المحيط الإقليمي كله، وننتقل عندها من الحديث عن التغيير الديمقراطي المطلوب ضمن وحدة وسيادة سورية إلى الحديث عن تقسيم سورية, يصبح هذا على جدول الأعمال، وهذا ما تريده بعض القوى. لذلك أعتقد أن الخيار الوحيد أمام الناس العاقلين هو استمرار العمل الجدي والنضال من أجل تحقيق الأهداف الكبرى التي كنا قد وضعناها كلنا (كل القوى الوطنية السورية معارضة وموالاة) أمامنا من أجل الخروج من هذه الأزمة».

بين حل وحل..!

وتساءل جميل: «ما هو الحل السياسي وما هو الحل العسكري؟ وما الفرق بينهما؟». وأجاب: «الحل السياسي هو الحل الاستراتيجي لمكافحة الإرهاب. هو حل على المدى البعيد وجذري. الحل العسكري هو حلول مؤقتة، آنية، جزئية لمكافحة الإرهاب. أي أن الحل العسكري لا يمكن أن يكون بديلاً عن الحل السياسي. المقصود من الحل السياسي في ظروفنا الملموسة توحيد السوريين وبنادقهم باتجاه التصويب على الإرهاب، وهذه قوة هامة، وهي بحاجة إلى قليل من الدعم الدولي كي تنجح في مهمتها، بينما إذا كان السوريون يوجهون النيران وبنادقهم على بعضهم البعض فهم بحاجة إلى دعم دولي كبير جداً كي يستطيعوا الوصول إلى الهدف. ومع الأسف الشديد بينت التجربة خلال السنوات الخمس الماضية أن تصويب السوريين على بعضهم البعض لم يصب أحد الطرفين، بل أصاب بالدرجة الأولى سورية. هذه هي المشكلة الكبرى اليوم التي يجب الانتهاء منها».

الحل السياسي والإرهاب

وأضاف: «العقدة في الحل السياسي أنه ثمة عدم وضوح في موضوع الإرهاب. لا نريد توسيع الدائرة، نريد أن نلتزم- مؤقتاً على الأقل- بالقرارات الدولية التي تقول أن داعش والنصرة منظمتان إرهابيتان. إذا كانت جبهة النصرة منظمة إرهابية، أليس مسموحاً العمل عسكرياً ضدها؟ بالتأكيد أنه مسموح.! في حال هناك أحد يتحالف مع جبهة النصرة عسكرياً، ما العمل؟ أولاً: نقول له أبتعد كي لا تصيبك شظايا مما يصيب جبهة النصرة. ولكن في حال لم يبتعد من المرة الأولى والمرة الثانية والمرة الثالثة، ما العمل؟ لأنه عملياً بعدم ابتعاده تحول إلى مصدر حماية لجبهة النصرة، وليس غريباً ضمن هذا المنطق أنه بعد إعلان الاتفاق الروسي الأمريكي، وإعلان الهدنة، أن عشرين فصيلاً مسلحاً أعلنوا عدم التزامهم، ليس بالاتفاق فقط وإنما بالهدنة التي هي بند رئيسي من بنود الاتفاق. ماذا يعني عدم الالتزام بالهدنة بالنسبة لهذه الفصائل العشرين؟ يعني أنهم أعلنوا عن تضامنهم مع جبهة النصرة، لأن جبهة النصرة ليست من الأهداف الممنوع قصفها. جبهة النصرة من الأهداف المسموح والملزم قصفها. عشرون فصيلاً يعلنوا عن عدم موافقتهم على الهدنة في الوقت الذي التزم بها الجيش السوري، رغم كل الملاحظات التي يمكن أن تساق. وهذا يعني الشيء الكثير. وهنا المستغرب، الموقف الغربي والأمريكي خاصةً في الدفاع عن هذه الفصائل لأنه عملياً في الدفاع عنها فإن الموقف الغربي يدافع عن الفصائل التي تريد حماية جبهة النصرة بجسدها، وهي قامت بذلك(..) الهدنة لها فترة زمنية محددة، وانتهت الهدنة ولم تمدد، واستمرت العمليات العسكرية. والمطلوب اليوم هو استعادة الهدنة، ولا يمكن أن يحدث دون عزل جبهة النصرة. لذلك الولايات المتحدة الأمريكية، الغرب، الدول الإقليمية، مطلوب منها جميعاً أن تبدي جديتها بهذا الموضوع. 

سؤال كبير.. وعراقيل!

وتساءل جميل مستطرداً: «السؤال الأكبر الذي يطرح نفسه على السوريين: في حال لم تلتزم هذه الأطراف كلها بعزل جبهة النصرة، ما العمل؟(..) أعتقد أنه في ظل الشلل المؤقت الدولي بحل الأزمة السورية المطلوب اليوم من السوريين الوطنيين الحقيقيين جميعهم، إن كانوا معارضةً أم موالاة، أن يجدوا من جديد بأنفسهم الشجاعة والإرادة والحكمة كي يستطيعوا استرداد المبادرة. استرداد المبادرة يعني الوصول إلى حلول مقبولة على أساس القرارات الدولية من جنيف1 إلى قرار مجلس الأمن الأخير 2254 إلى الاتفاق الروسي الأمريكي. هذه كلها وثائق وأرضية جيدة للوصول إلى اتفاقات بين السوريين».

كما تساءل جميل: «كيف تجري العرقلة؟» وأجاب: «عند بعض المعارضة هناك مشكلة مع الأسف الشديد وخاصةً مجموعة الرياض هي أنها تنزلق تدريجياً باتجاه التحول إلى الذراع السياسية لجبهة النصرة..! ويجب منع ذلك..! لأنه سيصبح من الصعب الحديث معهم على طاولة المفاوضات. فيجب أن يتبرؤوا من جبهة النصرة(..) ومن الجهة الثانية، النظام في سورية يجب أن يبدي نية جدية في إحداث تغييرات ليست شكلية. التغييرات الجدية المطلوبة في البنية السياسية عبر تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254، من الجسم الانتقالي إلى تغيير الدستور إلى الانتخابات. يجب أن يبدأ خطوات فعلية، أن يبدي الرغبة والنية والإرادة للبدء بخطوات فعلية بهذا الاتجاه.

المشكلة أن مستوى الثقة ضعيف بين الأطراف، لذلك على النظام أن يبذل جهوداً مضاعفة كي يجري بناء جسور الثقة من جديد، حتى نصدّقه جدياً أن لديه الرغبة بإحداث التغيير. ولا أحد يقول لي بأن الإرهاب والتغيير موضوعان متسلسلان: ننتهي من الإرهاب ونبدأ بالتغييرات السياسية..! لا، فالحل السياسي هو السلاح الاستراتيجي لاستئصال الإرهاب. ولذلك، أنا متأكد أن جزءاً هاماً من الموالاة يهمها مصير البلد ويهمها استخدام الأسلحة الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب واستئصاله. ولذلك يجب أن تشمر عن ساعديها وأن تجد بالأطراف الأخرى المحاورين الجديين الذين يستطيعون الوصول معهم إلى الحلول المطلوبة عبر تطبيق القرارات الدولية».

وفي تساؤله عن الحل، أكد جميل: «الحل بسيط: استعادة مسار جنيف، استعادة تطبيق الاتفاق الروسي الأمريكي، استعادة الهدنة، استعادة الخطوات الضرورية لحلحلة المشاكل الإنسانية، والبدء بتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 ببنوده كلها، من الألف إلى الياء. هذا هو الحل، ولا حل آخر، ولا أفق آخر». 

وفي عرضه للسلوك الغربي المتعنت خلال «المواجهات البؤرية» التي تجري في العالم أوضح جميل: «الغرب يصعّد لأنه يشعر بأنه يفقد دوره الذي كان يقوم به في الفترة السابقة، وهو يفقده بشكل مستمر، وسيفقده أكثر، لأن ميزان القوى العالمي، السياسي الاقتصادي والعسكري يتغير. هذه حقيقة موضوعية يجب أن يفهمها الجميع». 

سلوك الطرفين على الأرض

وبعد أن تلا مقاطع من بيان حزب الإرادة الشعبية الصادر في اليوم السابق حول التطورات الأخيرة، أجاب أمين الحزب عن أسئلة الصحفيين. 

وفي رده عن سؤال حول حقيقة أعداد البلدات التي تنضم للهدنة في سورية عبر قاعدة حميميم، قال جميل: «مناطق كثيرة في سورية لا تحب المسلحين، لأنها عانت منهم، ولكن لا ثقة لديها بالنظام وممثليه على الأرض. وهذه مشكلة حقيقية، لأن النظام عند النظر إليه من هنا، من موسكو، ومشاهدة رموزه على شاشات التلفزيون، هو على الأرض أفراد من نوع آخر، لهم علاقة في بعض الأحيان بالفساد، ولهم علاقة بالاستخدام المفرط للسلطة، مما يضر بالناس البسطاء الذين يعيشون في المناطق المختلفة. وهذا خلق مشاكل في الواقع، الناس العاديين لا يحبون المسلحين، بعد أن اختبروا سلوكهم وتجاوزاتهم، ولكن في الوقت نفسه لديهم رصيد للنظام من عدم الثقة بسبب سلوك النظام وأجهزته. وعندما يتدخل «مركز حميميم للمصالحة الوطنية» لاقتراح مصالحات هو ضمانتها، فإن الناس تذهب إليها، لذلك تتسع وستتسع أكثر هذه المصالحات من هذا النوع لأن الشعب السوري، السوريين العاديين بطبيعتهم، لا يحبون العنف، ولا يحبون الظلم أيضاً».

«تفصيل» رؤساء على مقاس السياسات 

وفي تعليقه عن سؤال يرتبط بانعكاس الانتخابات الأمريكية على الملفات المختلفة، قال جميل: «للحقيقة دائماً لا أرى علاقة خطية مباشرة بين الانتخابات، أي انتخابات، أمريكية، والسياسية الأمريكية، لأن المؤسسة الأمريكية الحاكمة تبقى كما هي رغم تغير الوجوه في الصف الأول. وبالتالي تغيير السياسيات أمر بعيد المنال حسب اعتقادي، السياسيات الأمريكية لا تتغير بين رئيس وآخر، ما يتغير هو تفاصيل في السياسة الأمريكية في حين يبقى الاتجاه العام ذاته. وبالمناسبة في الولايات المتحدة يجري تفصيل الرئيس على مقاس السياسات التي يجب تطبيقها لاحقاً، لتثبيت سياسات سابقة أو تعديل سياسات سابقة».