عن أي سلام يمكن أن يجري الحديث، وبأي اتجاه؟

«واشنطن تقبل وترحب بحضور اجتماع دول جوار العراق بمشاركة سورية وإيران..» هكذا، ودون الاستشهاد بأقوال مصادر أمريكية محددة بدقة بهذا الاتجاه، بالغت بعض المصادر الإعلامية السورية في تصديرها خبراً حول تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية أن واشنطن «ستحضر هذا الاجتماع المرتقب في حال تم توجيه الدعوة إليها» وما سبقها من تصريحات للبيت الأبيض من أن «رايس هي أفضل من يمثل واشنطن في الاجتماع» المفترض، وتوضيح لاحق من رايس ذاتها بأن «اللقاء محصور بمباحثات حول العراق فقط ولا يمثل مفاوضات» مع سورية وإيران.

رايس ذاتها هي من أصدرت «تعليمات مشددة» لتل أبيب بألا تحاول حتى «جس النبض مع سورية بخصوص نواياها السلمية» بمعنى  أن واشنطن لم تعد تمتلك وقتاً كثيراً سوى لإبقاء الضغوط على سورية من باب المضي في المشروع الأمريكي في المنطقة الذي تشكل سورية إحدى جبهاته الرئيسية.

وبالمثل لا يبدو هناك أي انفراج في الضغوط التصعيدية الأمريكية- الإسرائيلية ضد إيران بل هناك مضي في التهديدات والتعزيزات والتحركات العسكرية في العراق ومنطقة الخليج وحتى أوربا، بما في ذلك تأكيدات ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي من أن «خطر المواجهة العسكرية مع طهران هو أهون من تركها تحصل على السلاح النووي»،  وهو تهديد تلقفته، ولو بصيغة التخوف، وزارة الخارجية الروسية، بما يعني دخول التحضيرات التنفيذية للعدوان على إيران مرحلة نوعية جديدة تستدعي من موسكو التعليق عليها.

المحللون العسكريون الأمريكيون باتوا يقولون إن «أي ضربة لإيران قد لا تقضي على مشروعها النووي» وهو تصريح يطالب ضمناً بضربة من طراز محدد، ولتكن نووية إذاً! وهو ما يتوقع حدوثه دون موافقة روسيا وأوربا على الأرجح ولكن دون معارضة جدية منهما في الوقت نفسه.

وسط هذه الأجواء، بدأ الحديث عن انعقاد قمة عربية جديدة تبدو، حتى قبل انعقادها، منقسمة بوضوح بين محور «المعتدلين» ومحور «المتشددين» وحول جميع الملفات: فلسطين، لبنان، واستهداف إيران وسورية ناهيك عن السودان.

محور ما يسمى «المعتدلين» العرب (بشكل رئيسي مصر، السعودية، الأردن) بات متورطاً في المشروع الأمريكي الإسرائيلي حتى العظم ولاسيما باتجاه إجهاض أي حد من المقاومة العربية: مزيد من الضغوط على حماس لدرجة مطالبتها باسم «المجتمع الدولي» بالرضوخ للاتفاقات السابقة الموقعة مع «إسرائيل»، وليس مطالبة ذاك المجتمع بالضغط على الكيان الإسرائيلي للرضوخ لمطالب الشرعية الدولية إن لم نقل الحقوق الفلسطينية، إمداد عناصر بعض أحزاب حكومة السنيورة في لبنان بالعتاد والسلاح زرعاً للفتنة في لبنان ضمن محاولة النيل من المقاومة اللبنانية وحزب الله، التحالف حتى مع إسرائيل في الموافقة على العدوان على إيران وإضعاف سورية ناهيك عن التحالف الأساسي مع واشنطن في الاتجاه ذاته بما فيه زيادة التسلح الخليجي من أجل مواجهة وموازنة ما يسمى بالنفوذ والقوة العسكرية الإيرانية في المنطقة، ودائماً على أساس فرز تضليلي طائفي مذهبي ينحرف بالصراع في المنطقة عن جبهاته الأساسية مع واشنطن وتل أبيب.

وفي حال انعقادها، دون أن يسبقها العدوان على إيران أو سورية أو كليهما، واشتعال المنطقة برمتها بالنتيجة، من المتوقع أن تعلن القمة العربية شكلياً تمسكها بـ«غصن زيتون المبادرة العربية للسلام»، وبمطالبتها بحل سلمي للملف الإيراني، ومثله بخصوص الأزمة اللبنانية، علماً بأن المبادرة العربية معنية بحل الصراع العربي الصهيوني في حين أن المنطقة تشكل حاليا بؤرة رئيسية للعدوان الأمريكي على العالم كله رغم أن الحرب المرتقبة تبدو أمريكية-إيرانية!

ومرة أخرى تبرز المفارقة في أن المعتدلين هم أصحاب «مبادرة السلام العربية» وهم في الوقت ذاته أنصار المشروع الأمريكي مع كل أدواته بما فيها التحريض الطائفي التفتيتي.

من هنا، وإذا كانت واشنطن لا تريد منح دمشق وقتاً للسلام، فإن أي حديث عنه مع ازدياد قرع طبول الحرب في المنطقة هو مضيعة للوقت وإضعاف للتحضيرات المفترضة للمواجهة المرتقبة، بما لا يبقي أمام كل الوطنيين في البلاد سوى خيار وحيد هو المقاومة لتكون بوابة السلام ولكن من موقع الانتصار لا المساومة والانتظار، وفي ذلك كرامة للوطن والمواطن.

آخر تعديل على الجمعة, 11 تشرين2/نوفمبر 2016 12:58