الافتتاحية ضدان لا يجتمعان.. الفساد والإصلاح

إن تصاعد وتيرة الحملة على الفساد في الفترة الاخيرة أنعش الآمال المتراجعة في إمكانية التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة من أجل القضاء عليها واجتثاثها جذرياً....

 لذلك فإن أي تراخ أو تردد أو تراجع في وتيرة هذه الحملة مرة أخرى، سيؤثر سلبياً على مصداقية نوايا مواجهة هذه الظاهرة مستقبلا، وسيصبح حشد قوى المجتمع في هذا الاتجاه أصعب بكثير من قبل، إن لم نقل سيصبح شبه مستحيل.

 من هنا لا خيار إلا تطوير هذه الحملة وإعطاؤها بعداً شعبياً واجتماعياً عميقاً من خلال دمج القوى النظيفة للمجتمع وجهاز الدولة إلى أقصى حد ممكن في هذه العملية.

إن مكافحة الفساد الذي هو نتاج للنهب الواسع لثروات الشعب والوطن هي مهمة وطنية لا تختلف بأهميتها وأبعادها التاريخية عن مهمة تحرير الجولان مثلاً....

 لأن الفساد بنتائجه على الأرض هو عائق أمام تنفيذ وتحقيق الاستحقاقات الوطنية العامة والاقتصادية – الاجتماعية والديمقراطية التي تصب مباشرة في مصلحة المواطن ولقمة عيشه وكلمته.

لذلك يصبح من الضروري إيجاد تلك الآليات التي تسمح لهذه الحملة أن تتصاعد باتجاه هدفها النهائي، وبحيث يصبح التراجع عنها أمام مقاومة قوى الفساد الكبرى المدعومة موضوعياً من العدو الخارجي، أمرا غير ممكن، بحيث تصبح عملية لا رجعة عنها.

 ولعل أهم حاضنة يمكن أن تحسن التعبئة الشعبية العامة وأن تستنبط آليات استمرارية حملة مكافحة الفساد هي انعقاد ندوة وطنية عامة لمكافحة الفساد يشارك فيها مختلف الفعاليات والاختصاصات والهيئات ويستخلص منها برنامج عملي وواقعي واسعافي مع الآليات الضرورية لتنفيذه مما يجعل هذه القضية قضية الساعة التي تجتمع عليها كل القوى الوطنية الحقة.

إن البدء بنجاح حملة مكافحة الفساد سيخلق الأجواء الملائمة لإصلاح شامل يؤثر إيجابياً على الأداء الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، ويزيل من أمامه أهم المعوقات التي كانت تعيق سيره وتقدمه.

إذا كان البعض يحاول اقناعنا بنجاحاته الاقتصادية المتحققة، فإن هذه النجاحات حتى الآن خلبية وغير حقيقية، بل هي أوهام وأضغاث أحلام، لأن مقياس النجاح هو معيشة المواطن وتحسنها التي تراجعت طرداً مع زيادة تصريحات المسؤولين الاقتصاديين عن النجاحات الدونكيشوتية المحققة، فماذا يمكن أن نقول عن مقياس نجاحاتهم إذا كانوا يعتبرون أن رفع الدعم عن المواد الأساسية هو قمة نجاحاتهم اللاحقة المفترضة، وهم باتجاه هذا الهدف يسعون منذ فترة، ولو كانت الأمور بيدهم وحدهم فعلاً لنسفوا كل الدعم الموجود في ظل الانخفاض المستمر للقوى الشرائية للمواطنين أصحاب الدخل المحدود، بل أكثر من ذلك يمكن أن نقول إن ما يسعون إليه هو موضوعياً تحرير موارد جديدة لوضعها تحت تصرف آليات النهب والناهبين بشعارات كبيرة وضخمة وديماغوجية..

لأن الدعم الموجود هو شكل من أشكال توزيع الدخل الوطني, وإلغاؤه يعني إعادة توزيع هذا الدخل الذي - في ظل هذا الوضع الحالي المتميز بدقة آليات الناهبين المخترقين لجهاز الدولة حتى أخمص قدميه، وبشراهتهم التي لا حدود لها - سيؤدي إلى توجيه إعادة التوزيع هذه باتجاه «بالوعات» النهب والفساد التي تشفط الأخضر واليابس....

والخلاصة... إن الفساد والإصلاح المنشود من المجتمع ضدان لايجتمعان, وان اجتمعا سابقاً في يوم من الأيام، فبسبب ظروف استثنائية إقليمية ودولية، لم تعد متوفرة وموجودة حالياً، ولن تتكرر لاحقاً..

إن المعركة اليوم هي معركة حياة أو موت بين الفساد والإصلاح الشامل الجذري الذي إذا قيض لقوى المجتمع أن تنهض لدعمه، فلن تبقي من الفساد الكبير المنتج بالطول والعرض للفساد الصغير حجراً على حجر, وفي ذلك ضمانة لكرامة الوطن والمواطن...

آخر تعديل على الجمعة, 11 تشرين2/نوفمبر 2016 13:13