محمد الجندي محمد الجندي

الشيوعية والأحزاب الشيوعية «2»

بالنسبة للمنظرين المعادين للشيوعية، فإنهم:

ـ ركزوا كثيراً على انتقاء التحليل الاقتصادي الماركسي.

ـ ركزوا أيضاً على انتقاء طروحات ماركس الاجتماعية.

في انتقاء الطروحات الاجتماعية، قال خصوم الماركسية، بأنها ضد الدين، وضد القومية، وبأن المجتمع ليس مؤلفاً فقط من الطبقة العاملة، وإنما للطبقات الوسطى والرأسمالية أدوار وطنية.

كل ذلك لا يأخذ المنظور التاريخي في الاعتبار، فالمرحلة الرأسمالية تأتي قبل المرحلة الشيوعية، ومعنى ذلك أن الماركسية لا تنفي لا أدوار الطبقات الأخرى غير الطبقة العاملة، الإيجابية والسلبية، الإيجابية في تطوير المجتمع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، والسلبية في الاستغلال والصراعات، ولا تنفي أيضاً البنية الفوقية أي الثقافية والايديولوجية للمجتمع الرأسمالي، وينطوي ذلك على استوعبته الرأسمالية من المراحل الاجتماعية السابقة ومنها الدين والروابط الإقطاعية. وعندما تحارب الطبقة العاملة الرأسمالية كنظام سيطر، وتنتصر عليها، فإنها ترث، وتستوعب كل ما هو إيجابي في البنيتين التحتية والفوقية، أي في البنية المادية (الإنتاج ومؤسساته المختلفة) وفي البنية الفوقية (الثقافية والإيديولوجية).

وفي انتقاد التحليل الاقتصادي الماركسي يقوم خصوم الماركسية بتجاهل المنظور التاريخي في التحليل ففي كتاب رأس المال، يضع ماركس فرضية الأصل التاريخي للتبادل، وهو التبادل العيني المباشر: طرفان منتجان، الأول ينتج مثلاً الخراف، والثاني القمح، يتبادلان، ويكون التعادل هنا بين العمل الذي يصرفه الأول والعمل الذي يصرفه الثاني، وهذا يصح في المنظور الاجتماعي، حتى لو غش أحدهما الآخر، لأن تواتر التبادل يجعله في النهاية دون غش. بعدئذ يأتي تاريخياً التبادل العيني المركب: ثلاثة أطراف ينتجون مثلاً الخراف والقمح والطيور، فيتبادل الأول والثاني بالخراف والقمح، ويتبادل الأول والثالث بالقمح والطيور. هنا استعمل القمح كنقد، لأنه استخدم في المبادلة بالخراف، ثم بالطيور. فتكرار سلعة اجتماعياً في التبادل يجعلها تقوم بدور النقد، الذي يتطور من مادة عينية ما (قمح، جلود، مواش) إلى مادة أخرى، وتطور فيما بعد إلى المعدن (الذهب والفضة والنحاس). كان التبادل العيني بالمعدن يتم بالوزن، وبعدما أصبح المعدن يصك لم تعد القطعة المعدنية سلعة، وإنما أصبحت أشبه بالبطاقة تحمل رقماً دالاً على وزن معين (باوند Pound، الخ)، بذلك توصل المجتمع إلى استعمال النقد، واستعماله أوجد المال عن طريق التراكم، وأصبح يوجد في المجتمعات تراكم عيني (ثروات عينية مختلفة) وتراكم مالي.

ثم أتى التبادل الرأسمالي، سواء في بداياته، أو بعد تطوره: هنا المال يبادل بإنتاج سلعة، ثم تبادل السلعة المنتجة بالمال: والمال الذي نحصل عليه من بيع السلعة المنتجة، يزيد عن المال الذي وظف في جمع قوة العمل مع المواد التي دخلت في الإنتاج، وهذه الزيادة ليست الربح وإنما فضل قيمة، يوزع ربما على جميع من يديرون شبكتي الإنتاج والتصريف (أي تصريف المنتجات). أيضاً خلق التطور الرأسمالي. أيضاً هناك فضل قيمة ربوي، من خلال توظيف المال في مؤسسات مالية، فينتج عن التوظيف مال يزيد عن الأول بفضل قيمة. وهذا التوظيف من شأنه أن يؤدي إلى التضخم النقدي وانخفاض القيم الشرائية للنقد. إن تحليل ماركس الاقتصادي هو علم اقتصادي اجتماعي، وهو بحاجة إلى استكمال علمي، لأنه وضع في القرن التاسع عشر، ولو قام الاقتصاديون الكبار بذلك، لحققوا قفزات هائلة في هذا العلم الهام. خلط القيمة بالسعر من قبل خصوم الماركسية هو خطأ كبير في فهم التحليل الاقتصادي، وكذلك هو خطأ كبير القول، إن ثمة سلعاً عديدة لا علاقة للعمل الإنساني بها، مثل الأسناد المالية المختلفة والملكيات المختلفة، التي لم يدخل إليها العمل الإنساني بعد، مثل الأراضي البكر، والينابيع..الخ، فمجموع الأسناد هي مال، والأسهم هي مال، هو جزء من التطور إلى النقد، أما الأراضي البكر غيرها، فلا قيمة لها إذا لم تكن قابلة للتوظيف كرأسمال عيني، فأي أرض تبقى دون قيمة إذا لم تكن قابلة للتوظيف،مثلاً في الزراعة، أو في استخراج الثروات الطبيعية..الخ.

يتبع...

آخر تعديل على الجمعة, 11 تشرين2/نوفمبر 2016 13:32