الافتتاحية «لا غالب و لامغلوب» وحرب السياسات والمصطلحات

بعد اجتماع الأضداد في بغداد، ومحاولة إيهام بعض الأطراف المشاركة فيه عبر الترغيب والترهيب، «بإمكانية» إنهاء الاحتلالات لأرض العرب ليس بالمقاومة، بل «سلماً» وعبر التفاوض بين الجلاد والضحية، وصولاً إلى تعميم صيغة «لا غالب ولا مغلوب»، ترتسم في الأفق القريب على مساحة المنطقة جملة من المواعيد والمؤتمرات الإقليمية والدولية، سيشارك فيها عدد أكبر من الأضداد تتمخض عن سلسلة من الوعود الكاذبة تعطي فرصة لواشنطن وتل أبيب لاستكمال عناصر سيناريو توسيع رقعة الحرب في المنطقة باتجاه إيران وسورية ولبنان مجدداً.

تعدنا الجامعة العربية بأن قمة الرياض في 28 من الشهر الجاري «لن تكون قمة بيانات وأن كل المسائل في العالم العربي وبينها الانقسام الطائفي ستناقش في اجتماع مغلق يحضره القادة ووزراء الخارجية...»!!

لقد علمتنا التجارب المريرة مع الخط البياني الهابط في منسوب كرامة الوطنية للقمم العربية من صيغة «لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف» نزولاً إلى صيغة «دول الاعتدال»، أن النظام الرسمي العربي بأفضل الحالات هو دائم الاتكال على المواعيد والاستحقاقات دون أن تكون له أية إرادة سياسية وطنية في صناعة وقائع تلك الاستحقاقات وأهدافها ولا التحكم بنتائجها.

... ومن هنا نستشرف ما ستؤول إليه نتائج القمة العربية الجديدة، خصوصاً أن وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس ستزور المنطقة عشية القمة، وستجتمع مع «أهم دول الاعتدال» وستحدد لهم ما سيعلن وما سيضمر في البيان الختامي للقمة. وقد سبق لرئيس وزراء الكيان الصهيوني إيهود أولمرت أن دخل على أجندة مؤتمر القمة جهاراً بالقول: «نحن سنتعاطى بجدية مع المبادرة العربية شريطة التخلي عن حق اللاجئين والقدس. وكل شيء عدا ذلك مطروح للتفاوض...».

من نافل القول إن مصطلح «التفاوض» بالمفهوم الأمريكي – الصهيوني هدفه تكريس الأمر الواقع، وإجهاض أي خيار للمقاومة، وإجبار العرب مجتمعين أو كل بلد على حدة بالتخلي عن السيادة الوطنية، وأولى الوسائل للوصول إلى نتيجة كهذه، هي إبعاد الشعوب عن معاركها المصيرية أو الانخراط في منظومة القوة الشاملة ضد أعداء الخارج والداخل...

إن النظام الرسمي العربي الآن ليس فقط انهار بالمعنى التاريخي، ويحمل في عنقه مسؤولية قمع الشعوب والتفريط بدماء الشهداء ضد كل أنواع الاحتلالات قديمها وجديدها، بل يحاول التحالف الإمبريالي – الصهيوني تسخير ما تبقى منه لمواجهة الميل المتصاعد نحو خيار المقاومة الشاملة لدى شعوبنا ومجتمعاتنا ضد المشروع الإمبراطوري الأمريكي الصهيوني..

ففي لبنان انتصرت المقاومة البطلة وهزمت عدوان تموز باعتراف قادة العدو أنفسهم، وفي فلسطين لم تخمد المقاومة وكذلك في العراق، وأحرار الجولان تحت الاحتلال يتمسكون بالهوية السورية، ويتعزز الميل العام في سورية كلها نحو خيار المقاومة الشعبية لتحرير الجولان.

لكن مايسمى بـ «دول الاعتدال» وكل المرتبطين بالرأسمال المعولم من ناهبين وفاسدين، وبعض النخب والمرتدين ممن كانوا محسوبين على معسكر الشعوب، لهم رأي آخر، ويسمعون صوت سيدهم خلف البحار لحرف الصراع الأساسي عن مجراه الموضوعي بين الإمبريالية والشعوب إلى ترويج الأدوات والمفاهيم التي يعتمدها التحالف الإمبريالي - الصهيوني بالأساس لتغيير خرائط المنطقة وتفتيت بنية دولها ومجتمعاتها، وأهمها: «الصراع السني الشيعي، وتسعير الصراعات العرقية والمذهبية والقبلية» وصولاً إلى صيغة حرب الكل ضد الكل بهدف إدامة الاحتلال والإجهاز على منطق المقاومة.

لكن «حساب السرايا لا ينطبق على حساب القرايا»، والذي سيولد من رحم المخاض ليس شرق أوسط «أمريكي – صهيوني كما تسرعت رايس بالإعلان في بيروت إبان عدوان تموز، بل شرق أوسط بكل ما يملك من موقع وثروات ملك شعوبه بقيادة حركات التحرر الوطني فيه. وعند ذاك لن تكون مقبولة أبدا صيغة «لا غالب ولا مغلوب» بل ستكون الغلبة للشعوب عبر خيار المقاومة. فالاحتلال هو البادئ ولابد من مواجهته بالخيارات التي تفرض عليه الرحيل مهما بلغت التضحيات!

آخر تعديل على الجمعة, 11 تشرين2/نوفمبر 2016 14:13