الافتتاحية لا فكاك بين الوطني والاجتماعي..

معروف لدى كل الثوريين منذ أوائل القرن العشرين أن الشعوب بنضالها ضد الاستعمار ستندار ضد الرأسمالية.. هذه النبوءة اللينينية تتجلى اليوم على أرض الواقع بأوضح تجلياتها.. إذ أن الشعوب قد اندارت اليوم موضوعياً وفعلياً ضد الرأسمالية بمختلف تجلياتها.. سواء أكان هذا التجلي عدواناً على الغير، أو تجويعاً للآخرين، أو اجتثاثاً لفقراء ومستضعفي الأرض..

فأزمة الغذاء العالمية المصطنعة، هي انتقال من مهمة طرحتها بكل نفاق بعض المؤسسات الدولية المسيطر عليها من الإمبريالية العالمية وهي اجتثاث الفقر إلى مهمة اجتثاث الفقراء، وقد عبر عن ذلك بوضوح أحد منظريها الهامين منذ 1974 وهو هنري كيسنجر حينما قال: «إن تكرار المجاعات قد يشكل أداة واقعية للحد من الزيادة السكانية».

وتؤكد الدراسات والمختصون اليوم، أن العوامل المصطنعة والمفتعلة،وأهمها المضاربات بأسعار المواد الغذائية، هي الأهم في رفع أسعار المواد الغذائية التي ستطحن خلال عام تقريباً (حسب تقارير الأمم المتحدة) مئة مليون إنسان.. والأسوأ أن هذه الموجة من الإبادة الجماعية، تجري بعد أن استكملت قوى الرأسمال العالمي خطط ما سمي بـ«التغييرات الهيكلية في العالم الثالث» التي دمرت كل أنظمة الحماية الاجتماعية التي كانت تديرها الدول الناشئة مستندة إلى وزنها الاقتصادي وتدخلها الفعال في العمليات الاقتصادية ـ الاجتماعية.. كل ذلك تم تحت شعارات الليبرالية وحرية السوق التي كانت ستفضي إلى الازدهار بعد إزالة ما اصطلحت على تسميته بـ«التشوهات البنيوية» التي حصلت بسبب تدخل الدولة الواسع خلال الحقب الماضية..

أي أن معظم دول العالم أصبحت اليوم مهددة ليس فقط بالمعنى الجغرافي الذي يهدد كياناتها الوطنية عبر عمليات الفك والتركيب على مثال النموذج اليوغوسلافي الذي حصل، أو نموذج الشرق الأوسط الكبير الذي دخل حيز التطبيق الفعلي بعد احتلال أفغانستان والعراق؛ بل أصبحت مهددة أيضاً ديموغرافياً ـ سكانياً من خلال تحكم قوى الرأسمال العالمية عبر مراكزها المختلفة بأسعار المواد الغذائية..

لقد وصل الأمر نتيجة ذلك إلى حد الاندماج الكلي بين القضايا الوطنية المتمثلة في الدفاع عن الكيانات الوطنية واستقلالها وسيادتها ووحدتها، وبين القضايا الاجتماعية المرتبطة بلقمة الناس ومعيشتها، بل وبوجودها على قيد الحياة..

ومؤخراً أثبتت الأحداث في لبنان، وما حققته قوى المعارضة الوطنية من انتصار ساحق ومذهل على الأرض هذا الاندماج نفسه، فهذا الانتصار ما كان ليتحقق لولا الرصيد الذي راكمته القوى الوطنية في معاركها الوطنية التي كان انتصار تموز 2006 قمتها، ولولا الانبطاح الكامل للطغمة الحاكمة أمام مشيئة المراكز الاقتصادية والمالية الدولية، هذه السياسة التي أدت إلى تجويع الشعب اللبناني وراكمت عليه ديوناً تجاوزت الـ 50 مليار دولار، متجاوزة بأكثر من ضعفين الدخل الوطني اللبناني سنوياً.. وما هذا الانتصار الذي تحقق في أوائل أيار بعد الاحتجاجات الواسعة للعمال وكل الشغيلة إلاّ تأكيداً على ذلك..

إن الهزيمة التي ألحقت بالإمبريالية الأمريكية وبإسرائيل الصهيونية على أرض لبنان، بإظهارها لهشاشة وضعف القوى التي تستند إليها في المجتمع اللبناني، بينت بالمقابل أنها ستجعلها أكثر شراسة وحمقاً وهمجيةً في خطواتها اللاحقة.. مما يتطلب رفع مستوى الحذر واليقظة إلى أقصى درجاتهما لإحباط خطواتها اللاحقة.. وعليه نقول إنه بعد الهزائم المتكررة للمخطط الإمبريالي ـ الصهيوني في العراق وفلسطين، ومؤخراً في لبنان، أصبحت قوى الممانعة في المنطقة مستهدفة بشكل مباشر ومستعجل، بهذا الشكل أو ذاك، أي بالأشكال العسكرية الفجة إذا ما تيسر لهم ذلك، أو بالأشكال الأخرى غير العسكرية، أو بكليهما..

لذلك تصبح الضمانة لحماية سورية في مواقفها الممانعة للمخطط الإمبريالي ـ الصهيوني، هو أمنها الاجتماعي، فهذا الأمن بالذات هو الملاذ الآمن والوحيد لقضيتها الوطنية.. فأنصار الليبرالية الاقتصادية لن يحموا سورية، لا هم ولا سياساتهم، بل لن يكونوا حين ستدق ساعة الحقيقة أفضل من غيرهم من شاكلة السنيورة وسلام فياض وأحمد نظيف، خريجي المؤسسات الإمبريالية الدولية ومعتمديها في منطقتنا، والذين تكمن مهمتهم في حرق الأخضر واليابس اقتصادياً تمهيداً لاستقدام قوى العدو من الخارج..

فقط إجراءات اجتماعية قوية مستندة إلى اقتصاد وطني قوي ضد مصالح الفاسدين والناهبين الكبار، هي المقدمة الضرورية لأكبر التفاف شعبي حقيقي في جبهة واسعة تضم كل الشرفاء، تستطيع إلحاق الهزيمة الأكيدة بأقل الخسائر الممكنة بالمشروع الأمريكي ـ الصهيوني، وفي ذلك ضمانة لكرامة الوطن والمواطن..