الافتتاحية رأس وقاعدة جبل الجليد

أثار التحقيق الذي نشرته جريدة الثورة في الأسبوع الماضي حول الفساد ردود أفعال واسعة ومختلفة... والجوهريّ في الموضوع أن هذا التحقيق أثبت، بغضّ النظر عن دقّة استنتاجاته الرقميّة، أن المجتمع يعيش حالة قلق عميق من حجم الفساد واتساعه، في وقت يعاني فيه من ارتفاعات في الأسعار وانخفاض في مستوى المعيشة، يتفق عليه الجميع وإن اختلفوا في تقدير مستواه..

والحال أن الفساد تحوّل من ظاهرة اقتصاديّة إلى ظاهرة اجتماعيّة، والمهمّ ألا يتحوّل بمفاعيله إلى ظاهرة سياسيّة تفرض توجهاتها التدميريّة على البلاد والعباد.

أين يكمن الخطر الحقيقي في ظاهرة الفساد؟ إنّه بالدرجة الأولى، يكمن في الفاسدين الكبار الذين ينهبون الدولة والمجتمع، مانعين الدولة من القيام بمهماتها في تحقيق النمو المطلوب، ومانعين المجتمع من تحقيق الحدّ الضروري من مستوى المعيشة الذي يليق بالكرامة الإنسانية.

وهؤلاء في ظلّ «عولمة» الفساد و«عولمة» الرأسمال المالي، تحولوا إلى نقاط اختراق أساسية للعدو الخارجي الذي يريد الإطاحة بالدولة والمجتمع عملاً بـ«النموذج العراقي».. لقد قيل مثل هذا الكلام قبل انكشاف «خدّام» وانتقاله علناً إلى الصف الحليف للمشروع الأمريكي- الصهيوني... والذي قام الأمر العرفي بتاريخ 22 كانون الثاني 2008 بمصادرة أكثر من 130 عقار ومنشأة وشركة ومؤسسة تعود ملكيتها له ولأقاربه المقربين... ولكن السؤال العالق الكبير هو: هل هذا النموذج في الفساد هو الوحيد، وهو فريد من نوعه وغير مكرر، أم أنه يمثل ظاهرة رأينا منها فقط رأس جبل الجليد؟..

المعروف أن الباخرة لا تصطدم عادة برأس جبل الجليد بل بقاعدته المخفية تحت الماء... ورأينا مآل هذه الظاهرة التي تحوّلت من الفساد إلى الخيانة، وأصبحت الشريك العلنيّ لجماعة 14 شباط. والملفت للنظر أنه في بيان أصدرته مؤخراً جماعة 14 شباط السوريين راح هؤلاء يذرفون دموع التماسيح على الأوضاع الاقتصاديّة- الاجتماعيّة للسوريين، وكأنهم لم يكونوا مشاركين مع من لف لفهم من الفاسدين الذين انتقلوا إلى الصف الآخر أو لم ينتقلوا بعد، في وصول الأمور إلى ما وصلت إليه في هذا المجال..

ولذلك ثمة سؤال يطرح نفسه بقوة: هل هنالك علاقة ترابطيّة وتبادليّة بين هؤلاء الفاسدين والعملاء الذين يحاولون الاستفادة من القضية المعاشيّة لتوسيع نفوذهم السياسي خدمة للأجنبي، وبين أولئك الذين يقومون على الأرض بتوتير القضية المعاشيّة من خلال السياسات الليبرالية التي أثبتت فشلها، والتي تعطي المادة الخام لتزكية الهجوم من الخارج، لأن مقياس النجاح أو الفشل هو انعكاس النتائج على مستوى معيشة الناس، هذه المسألة التي لم يعد ممكناً النقاش حولها بسبب الوقائع والأرقام التي تثبت بما لا يدع مجالاً للشك الاستنتاج أعلاه.

قد يقول قائل إن هذه النتائج غير مقصودة وغير مخطّطة.. وإذا كان الأمر كذلك فإن المصيبة أعظم...

إن الحياة والضرورات الوطنية تطرح علينا سؤالاً كبيراً: هل يمكن خوض المواجهة المفروضة علينا من العدو الأمريكي- الصهيوني بنجاح قبل ضرب مراكز الفساد الرئيسية، التي بضربها تتمّ إزالة خطر قاعدة جبل الجليد أمام الباخرة الوطنية التي تمخر عباب الأحداث العاصفة التي تضرب المنطقة، أم أن تأجيل المعركة الحاسمة ضدّ الفساد هو ضرب من الواقعية لتركيز القوى على المعركة الوطنية الكبرى كما يتصور البعض؟!..

لقد أثبتت الحياة بكل وضوح أن الناهبين الأساسيين لقوت الشعب بفسادهم الكبير هم أحد اثنين: إما خائن أو مشروع خائن، والتعامل مع الخائن المكشوف هو أسهل بما لا يقاس من التعامل مع الخائن المحتمل الذي لن يكشف عن وجهه إلا مضطراً في اللحظة الحاسمة لتوجيه طعنة في الظهر..

لذلك فإن الشعب ينتظر معاقبة الفاسدين من أية شاكلة كانوا قبل انتقالهم العلني إلى الضفة الأخرى جزاءً على ما فعلته أيديهم بقوت الناس ومنعة الوطن، وفي ذلك ضمانة للانتصار في المعركة الوطنية العظمى، مما سيحفظ كرامة الوطن والمواطن...

آخر تعديل على الثلاثاء, 22 تشرين2/نوفمبر 2016 11:28