ثمة «دخان أبيض»..!

ثمة «دخان أبيض»..!

على الرغم من التسويف الشامل في التصريحات الصحفية لوزير الخارجية الأمريكي حول مختلف القضايا الخاصة بالأزمة السورية التي تناولها اجتماعه الماراثوني في جنيف مع نظيره الروسي يوم الجمعة 26 الجاري، إلا أن «الدخان الأبيض» حول قطع خطوات إلى الأمام في هذه المسائل كان يظهر في الحديث الواضح حول القضايا ذاتها من سيرغي لافروف، والذي جاء ضاغطاً على الطرف الأمريكي بوضوح.

 مباحثات الجانبين التي انضم إلى جزء منها المبعوث الدولي إلى سورية ستافان دي ميستورا تناولت تعزيز نظام وقف الأعمال العدائية، أي الهدنة، وموضوع المساعدات الإنسانية، وموضوع استئناف المفاوضات السورية- السورية في جنيف، وموضوع فصل جماعات المعارضة المسلحة المعتدلة عن «داعش» و«جبهة النصرة»، وهذا الأخير هو ما شكل بؤرة تصالب في المواقف بين كيري ولافروف، مع محاولة الأول التحجج بالقوى الإقليمية لتبرير التقصير الأمريكي المتعمد في عدم إنجاز هذه المهمة، وكأن هذه المجموعات لا تربطها صلة بغرف العمليات الأمريكية أو كأن واشنطن لا «تمون» على القوى الإقليمية المذكورة. ولكنه اضطر للتأكيد على الطابع الإرهابي لجبهة النصرة «مهما غيرت من أسمائها»، وعلى أن لا حل عسكرياً للأزمة السورية..

في المقابل، كان الضغط الروسي واضحاً: لا يمكن ضمان وقف إطلاق نار مستدام دون الفصل بين المعارضة والإرهابيين، مشيداً بتلقي الجانب الروسي للمرة الأولى بالقائمة الأمريكية للمجموعات التي انضمت لنظام الهدنة عبر الجانب الأمريكي.

الوزير لافروف الذي أعلن أن الجانبين باتا على مسافة خطوة من بلورة نص اتفاق حول سورية سيجري إعلانه قريباً حال الانتهاء منه، كان واضحاً في جملة المسائل الأخرى: 

- حان الوقت لقيام مفاوضات مباشرة بين الحكومة السورية وقوى المعارضة السورية كلها، بمن فيهم الأكراد «الذين يجب أن يبقوا جزءاً من الدولة السورية».

-  ثمة ربط جدلي بين تعزيز ضمان وصول المساعدات وإطلاق العملية السياسية الشاملة، فأحدهما يخدّم الآخر في خلق أجواء التهدئة المطلوبة.

- ثمة اتفاق بين الجانبين على آلية محاسبة الأطراف التي تنتهك نظام وقف الأعمال العدائية.

- الوجود العسكري الروسي هو الشكل الشرعي الوحيد في سورية، كونه بناءً على طلب الحكومة السورية، ما يعني أن أي وجود آخر، أمريكي أو تركي أو أياً يكن هو مخالف للشرعية الدولية.

في المجمل، وبانتظار بلورة الاتفاق الناجز بين موسكو وواشنطن حول الشق العسكري المتعلق على الأرجح بالعمليات المشتركة في مكافحة الإرهاب، بعد إلزام واشنطن بممارسة دورها في تحقيق الفصل المطلوب بين الجماعات المسلحة القابلة للحل السياسي وغيرها من المنظمات الإرهابية في سورية، يبدو واضحاً أن التقدم الذي جرى في اجتماع جنيف الأخير بين الجانبين يرقى إلى مستوى الاختراق، دون أن يعني ذلك عدم ظهور صعوبات وعراقيل ستزداد وتيرتها كلما تم التقدم أكثر، ولاسيما من مختلف الأطراف التي لا تريد الحل السياسي، بل إدامة الاشتباك، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة ذاتها، لو كان الأمر بيدها وحدها. 

 

غير أن الاتجاه العام بات أكثر وضوحاً في التقدم للأمام نحو بلورة الحل السياسي للأزمة السورية حسب بنود القرار الدولي 2254، ومرتكزاته من القرارات والبيانات السابقة.