«هدنة الأضحى» وهلع المتشدّدين من وقف العنف!!

شكّل الحديث عن «هدنة عيد الأضحى» أملاً لدى السوريين بإمكانية نيل قسط من الراحة تتوقف خلاله آلة الحرب المُدمِرة الدائرة في البلاد منذ ما يقارب العشرين شهراً، والتي باتت تمنع أبسط مظاهر الحياة والنشاط الاجتماعي والسياسي. وما لبث أن تبدد هذا الأمل مع تسجيل المزيد من الأعمال العسكرية التي خرقت الهدنة وفتحت الباب أمام «خيبات الأمل» الدولية، وتتالى على أثرها تراشق الاتهامات ما بين الأطراف المتنازعة على الأرض، وسارعت أطراف النزاع إلى إعلان وفاة الهدنة. وضمن هذه المعطيات ينبغي البحث بما خلف هذه الخروقات، ولا سيما أن الهدنة لاقت قبولاً محلياً وإقليمياً ودولياً واسعاً، فهل كان يعني سقوط هذه الهدنة بالضرورة سقوط أي محاولة لاحقة لإخماد نار الاقتتال في سورية؟ أم مازال الأمل قائماً في طي صفحة الصراعات المسلحة؟؟

سقطت الهدنة فمن المسؤول؟

مع اللحظات الأولى من إعلان المبعوث العربي والدولي إلى سورية الأخضر الإبراهيمي لمبادرته حول إمكانية وقف إطلاق النار خلال أيام عيد الأضحى، ومع اتساع دائرة المباحثات التي قام بها الإبراهيمي بهدف استطلاع مواقف الأطراف الدولية، وقياس نوايا الأطراف الداخلية والخارجية بمدى التزامها بما تتعهد به من ضمانات لمساعدته في مهمته، بدأت تتكاثر الأسئلة حول ماهية بنود هذه الهدنة والآليات التي يعمل من خلالها الإبراهيمي على رسم تصوره حول الإمكانيات المتوافرة لضمان نجاح مبادرته، ولكن سرعان ما تلاشت هذه التساؤلات حينما أعلن الأخير-وكنتيجة حتمية لاستحالة التواصل مع جميع الأطراف المسلحة الفاعلة على الأرض- أنه من غير الممكن الحديث عن آليات محددة تضمن النجاح، ويجب أن يكون التعويل موجهاً نحو التزام كل من يحمل السلاح داخل سورية على الالتزام بوقف إطلاق النار من تلقاء نفسه، وفي الوقت عينه وضع الإبراهيمي سقفاً لطموحاته حين أشار إلى أنه من الجيد التوصل إلى التقليل من حجم نزيف الدم، حتى ولو لم يكتب النجاح للهدنة، إلى هنا بدأت الشكوك تراود المترقبين، وبالفعل حملت الساعات القليلة الأولى من أول أيام عيد الأضحى دلالات سقوط الهدنة، ثم تتالت مؤشرات السقوط..

من غير المنطق تحميل أحد أطراف الاقتتال في سورية وحده مسؤولية ما جرى من خروقات خلال فترة العيد، فمن خلال نظرة أعمق إلى تسلسل الأحداث نجد أن دعاة التطرف في النظام السوري والمعارضة يتحملون المسؤولية الكاملة عن عدم نجاح هذه الهدنة، وذلك عبر التمسك الأعمى بمبدأ «الحسم العسكري» والتهليل لقرب «موعد الانتصار» من قبل الطرفين معاً، ولم يكتفِ الطرفان بنشوة استمرار أعمال العنف، بل استثمروا هذا الاستمرار عبر وسائل الإعلام التابعة لهم، وباشر كل طرف بالتجييش ضد الآخر عبر التدليل إلى أنه «من المستحيل أن يلتزم بما وعد به»..

 

قبلوا الهدنة، لماذا؟

باستثناء «جبهة النصرة الإسلامية» التي لا تولي أهمية كبيرة إلى حجم التأييد الداخلي لها- باعتبار أن عملها بالمجمل هو تأدية لمهمة مفروضة عليها من الخارج- تداعت الأطراف الداخلية والإقليمية والأممية (مجلس الأمن الدولي) إلى الإعلان السريع عن قبولها لمبادرة الإبراهيمي، والتساؤل هنا هو: ما الذي يُجبر أطرافاً ترمي سياستها ـ حسب معطيات الأزمة السابقةـ إلى العمل على الإطالة بأمد الاقتتال على الأرض السورية، على المسارعة للقبول بالهدنة؟؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تتمحور حول شقين أساسيين، الأول مفاده أن الكثير من الأطراف التي وافقت على الهدنة اعتبرت أن الفشل المحتم للهدنة سيفتح الباب أمام المزيد من القدرة على التصعيد بالخطاب السياسي، فعلى سبيل المثال، تركيا التي أبدت توجهاً مؤقتاً نحو الحلول السياسية خلال الأسابيع السابقة لعيد الأضحى – خلال لقاء نجاد وأردوغان على هامش قمة باكو في أذربيجان- وجدت في فشل الهدنة سبيلاً نحو تحميل النظام السوري المسؤولية الكاملة عن هذا الفشل، وبالتالي الإدلاء بتصريح يقول: «لا معنى لحوار مع نظام يستمر بقتل شعبه حتى خلال عيد الأضحى، وأن الحوار مع دمشق يضفي شرعية للنظام القاتل»، والتقلب الواضح في المواقف التركية يعكس السياسة التي تعتمدها العديد من القوى الدولية، والتي تهدف إلى اعتماد سياسة المواقف المتقلبة خلال فترات زمنية قصيرة، بما يؤدي إلى تحقيق الهدف غير المعلن، وهو إطالة فترة التناحر ما بين السوريين، المعارضة منهم والموالاة، إلى الحد الأقصى الكفيل بإضعاف الدور الإقليمي لسورية في المنطقة. أما الشق الثاني الكفيل بإجبار هذه الأطراف،الداخلية منها خاصة، على الموافقة على الهدنة، فهو الإدراك الواضح لهذه الأطراف بأن مطلب وقف النار هو مطلب شعبي، وأن من يرفض مبادرة كهذه يسقط في اختبار كسب الولاء الشعبي..

 لقد بات من الواضح أن قوى التطرف في النظام والمعارضة لا تولي أهمية للبحث عن حلول من شأنها تأمين مخرج آمن لسورية من أزمتها، بل أنها تجاوزت ذلك إلى استثمار أي محاولة للحل في سبيل زيادة الاقتتال لا تقليصه، فهي تدرك أن التوجه نحو طاولة الحوار والتهدئة يفتح الباب أمام صراع من نوع آخر، وهي تفتقد لأي أداة من أدواته، في حين أن القوى الشعبية الحقيقية التي تمثل غالبية الشعب هي صاحبة المصلحة ليس في طاولة الحوار فقط بل وفي دور قوي لسورية وشعبها وفي أمنهما..