الافتتاحية: الجديد المزيف.. قديم منسي

اتصف وضع سورية طوال السنتين الماضيتين بأنه يحمل شروط الوضع الثوري الثلاثة التي يمكن تكثيفها كالتالي: النظام لا يعود قادراً على الحكم بالطريقة السابقة، والمجتمع لا يقبل باستمرار هذه الطريقة، ويعبر عن ذلك من خلال نشاط سياسي عالٍ.

من المعروف تاريخياً، أن أمام كل وضع ثوري طريقين لا ثالث لهما، فإما الذهاب إلى الأمام وذلك بإحداث تغيير جذري شامل في البنية، أو السير خلفاً عن طريق تدمير البنية.. إن ما اصطلحنا على تسميته الخطة «ب» هو بالتحديد الطريق الثاني الذي يمر عبر تدمير سورية وتفتيتها طائفياً..

وإذا كان معسكر واشنطن قد حاول منذ بدايات الحراك الشعبي في سورية استثمار الوضع الناشئ وتحويله مطية لتدخل عسكري مباشر تحت مظلة مجلس الأمن أو دونها، فإن دخول الوزن الروسي- الصيني ساحة الصراع ليوقف الخطة الأمريكية «أ»، أي خطة التدخل العسكري المباشر، أجبر واشنطن على إعادة صياغة تكتيكها ضمن خطة جديدة للوصول إلى الأهداف نفسها التي تتركز حول تدمير البنية، جزئياُ عبر إنهاء دور سورية الإقليمي، وكلياً إنهاء سورية كدولة موحدة، حسب الإمكانية.

إن تماسك الجيش العربي السوري وانتفاء إمكانية تفتيته كمؤسسة وطنية ضامنة للوحدة الوطنية، قد غدا أمراً واضحاً، الأمر الذي وضع البلد عسكرياً وأمنياً ضمن استعصاء لا يؤمن لواشنطن أهدافها عبر التدخل العسكري غير المباشر، إذا أخذنا بعين الاعتبار سيرورة تطور التوازن الدولي إلى غير مصلحتها، فإن من الضروري لها لتحقيق أهدافها أن تستفيد من جميع أدوات «الثورات المضادة» التي استخدمتها تاريخياً وتزج بها في سورية مستندة إلى تقاطع مصالحها العامة مع المصالحة الضيقة للفاسدين والعملاء الموجودين في طرفي الصراع.. وبذلك فهي ستسعى إلى توليفة محددة بين قوى التشدد والتكفير كممثل للفاسدين الجدد الذين سيدخلون ساحة اقتسام ثروة المجتمع السوري من جهة، وبين القوى الليبرالية كممثل للفاسدين القدامى الموجودين داخل النظام وعلى تخومه، أي هي توليفة بين رجعية قديمة ورجعية مستحدثة، ولتحقيق ذلك لا بد من تقديم وجوه جديدة تتسم بأن جدتها ليست إلا تزييفاً للقديم نفسه وهذا الأمر ضروري لإيهام الناس بالتغيير من خلال استغلال حاجتهم الملحة للخروج من الأزمة..

إن تحالف فاسدي الطرفين يجب أن يضمهما وفقاً لصراع يناسب بنيتهما، وتلك الوحدة أو التحالف وذلك الصراع لن يناسبهما إلا بوصفه صراعاً طائفياً، أي أنهم سيتحدون في صراعٍ طائفي لأن هذا النوع من الصراع في الظروف السورية هو الوحيد القادر على منع توحد غالبية الشعب السوري في مواجهتهما معاً من جهة، وهو تحالف يمكن إخفاؤه تحت كثافة النيران الطائفية. وتحالف كهذا كفيل بتدمير البنية وتحقيق الغاية الأمريكية ولذلك ينبغي لجم هذا التحالف ومنع تشكل أساساته أصلاً..

إن قيام هذا التحالف في الفضاء السياسي الجديد قيد التشكل في البلاد يتناقض أساساً مع الفضاء السياسي الجديد الآخذ بالتشكل هو الآخر دولياً، أي أن واشنطن المتراجعة عالمياً تريد من تبلور تحالف كهذا في سورية أن يكون حَمْلاً خارج رحم التعبير عن التوازن الدولي الجديد، وسابقة يستند إليها في ساحات الحراك الشعبي العربي الأخرى بعد مصر وتونس- من دون وضع إشارات مساواة تلقائية بين خصوصيات كل بلد- كي يصبح السوريون مثل المصريين والتونسيين بانتظار مرحلة ثانية لقطف ثمار التغيير المطلوب، انتظار ثمنه المزيد من الدماء السورية، ولكن مع إيحاءات كاذبة من خلال تغييرات شكلية تطال بعض الشخوص والوجوه.

إن منع تحالف قوى الفساد التي تنتمي جميعها إلى الفضاء السياسي القديم، حتى تلك المقيمة الآن خارج سورية، هو ضرورة شعبية ووطنية، وهذه القوى تستخدم كأداة في تحقيق تحالفها إيهام الناس بكونها تشكل فضاءً سياسياً جديداً في حين أن حقيقة الأمر لا تخرج عن كونها جديداً مزيفاً يكرر القديم المنسي.

إن منع هذا التحالف يمر بالضرورة عبر كسر جميع الثنائيات الوهمية الطائفية والقومية التي تقسم المنهوبين بين موال ومعارض، ويلزم لإتمام منع هذا التحالف رفع وزن تمثيل المنهوبين في الحوار واستخدام الحوار نفسه كأداة في رفع الوزن السياسي للغالبية المنهوبة من الشعب السوري.