وللسوريين حقوق.. حقوق!
عاد المواطنون السوريون بعد طول غياب للحديث في شأنهم الداخلي، وفيما كان دم السوري ينزف في الجنوب والوسط والشمال الساحلي، كان النقاش الحاد يدور في كل مكان حول الحدث ومسبباته ومآلاته وكيف يمكن معالجته، وهكذا حقق دم الشهداء والجرحى أول إنجازاته، وأعاد للسوريين واحداً من حقوقهم الضائعة، حق الحديث بصوت عال في الشأن السوري الداخلي.
تزاحمت آلاف الأسئلة في رؤوس السوريين: هل يحق لنا فعلاً أن نعترض على سياسات الدولة وأجهزتها؟ هل يحق لنا الاعتراض على الفساد ونهب المال العام ورفع الدعم عن المواد الغذائية؟ هل يحق لنا أن نصرخ بصوت عال مطالبين بالحرية؟
الحرية التي ظنها البعض خطاباً مشبوهاً له مآرب أخرى، واعتبرها البعض الآخر دليلاً على عدم النضج الجماهيري، وحاول فريق ثالث اختزالها في حرية إبداء الرأي... هذه الحرية التي تردد صداها في سماء المدن السورية، ليست إلا حزمة الحقوق التي تم حرمان المواطن السوري منها لعقود، وبديهي أن هذه الجموع التي حرمت من أحزابها السياسية التي يمكن أن تعبر عنها، وحرمت من حقها في تكوين نواة مجتمع مدني صلبة، لن تتمكن من صياغة مطالبها وحقوقها في شعارات واضحةw ومركّزة، وخاصة في غياب أي قدرة على التنظيم والحوار الحر في البلاد، فخرجت هذه الجموع مطالبة بالحرية، كترميز وتكثيف لجملة حقوق منتهكة، وأولها حق التظاهر السلمي.
الحرية التي طالب بها السوريون، هي حقهم في التخلص من عسف الأجهزة الأمنية، وحقهم في التظاهر السلمي للاحتجاج على سياسات لا تعجبهم، وأن يكون هذا التظاهر بحماية الأجهزة الأمنية، وحقهم في حياة كريمة بعيداً عن الفساد والرشى والمحسوبيات، وهكذا حتى آخر حزمة الحقوق التي يقرها مفهوم المواطنة، وأعني الحق في المشاركة الحرة والمنظمة في الحياة السياسية للبلاد. هذه هي حقوق السوريين التي يطالبون بها، وهذه هي الحرية التي ننشدها جميعاً، ولأن غياب هذه الحقوق هو سبب الاحتجاج، فإن إعادة هذه الحقوق لأصحابها هو الطريق الوحيد لإنهاء الاحتجاج، وهذه معادلة واضحة ومترابطة لمن يريد إنهاء الاحتجاج بشكل سلمي ووطني يدفع البلاد إلى الأمام.
إن الإصرار على اللجوء إلى الحلول الأمنية، أو الحلول الإصلاحية التجميلية هنا وهناك، أو الاستمرار في تعليق المسألة على شماعة المؤامرات الخارجية التي لم ولن تتوقف عن استهداف سورية في المدى المنظور، كلها إجراءات لن تفيد إلا في محاصرة المشكلة وضغطها، وربما تأجيلها تمهيداً لانفجارات أوسع وأعمق وأكثر دموية.. أما المواطنون السوريون الذين طرحوا على أنفسهم أسئلة الحقوق هذه، وأدركوا أن لهم سلة من الحقوق المختطفة، فإنهم سيستمرون في طرح الأسئلة والوصول إلى أجوبة، وقد لا تكون أجوبتهم على أسئلة الحقوق تلك أجوبة صائبة دائماً، ولكن لا شك أن عدداً منهم سيستمر في الاحتجاج، وربما يتجه عدد آخر منهم إلى البحث وفقاً لأجوبته عن حلول غير الاحتجاج السلمي، ولكن أهم ما في الأمر أن للسوريين حقوقاً لن يسكتوا قبل استردادها، ولن يفيد التخوين أو إطلاق الرصاص أو تأجيل البت بالمشكلات بعد اليوم. للسوري حق المواطنة بكل ما يتضمنه من حقوق وواجبات، فأعطوا صاحب الحق حقه قبل أن تضيع معالم الطريق إلى سورية.