حسين ابراهيم حسين ابراهيم

الداخلي والخارجي في التغيير

إن منطق التفكير عند الناس  يختلف حسب المواقع الاجتماعية والسياسية، ومستوى الشعور ودرجة الإحساس، وبالتالي لا يتطابق منطق كل من  القوي والضعيف معا،ولا منطق الظالم والمظلوم، ولا الحاكم والمحكوم ولا الناهب والمنهوب وإذا كان الأول في هذه الثنائيات، يبيح لنفسه كل المحظورات ويحلل كل المحرمات، ويشرعن لذاته كل الممارسات، ويرى أن الآخر يجب إن يقبل منه موبقاته ويخنع لعنجهيته ويرضخ تحت وطأته، وانطلاقا من هذه الرؤية المنحرفة بزاوية منفرجة يحاول مقاربة الرفض لدى الآخر، فتتشوه صورة الأحداث والظواهر ويتغيب جوهرها، وبالتالي يستحيل إيجاد الحلول المنطقية والواقعية للقضايا المطروحة.

فحين تحتج الجماهير وتتمرد كرد فعل طبيعي على هذا الواقع، لتغييره نحو ما يؤمن حريتها وعيشها الكريم، وبالتالي يحقق شخصيتها وكرامتها الإنسانية، تنطلق الأبواق، ويتم اتهام المحتجين بأبشع التهم جزافاً، بالخونة والعملاء والمتآمرين والمخربين والانفصاليين والمهلوسين والطائفيين والمندسين والجرذان* والفئران والخفافيش... وكل ذلك دون برهان وبيّنات، مستغلين في اتهاماتهم محاولة بعض القوى الخارجية المتربصة، لملاقاة هذه التحركات الشعبية المشروعة وركوب موجتها لتوجيهها إلى مسارات تخدم مصالحها من خلال استغلالها لمآسي ومعاناة الشعوب التي طالما تحملت مصائبها وأخفت جروحها وانتظرت لحظتها التاريخية طويلاً. وأطلقت هذه الاتهامات في أكثر من بلد، وعلى أكثر من مستوى، وفي أزمنة مختلفة، فعندما انهار الاتحاد السوفيتي قالوا: الامبريالية والصهيونية.!! وعندما احتل العراق قالوا: خان الشعب قائده.!؟ وهكذا...الخ..

إن الخارجي موجود دوما ويفعل فعله ويؤثر قبل وأثناء وبعد كل العمليات في المجتمع، ومقدار تأثيره يتناسب عكساً مع تماسك البنية الداخلية للمجتمع ذاته. وللخارج أجنداته أيضاً وعناصره وبيادقه في الرقعة من ضعاف النفوس، إلا أن السؤال الهام هو: كيف ينفذ هذا الخارج إلى الداخل؟ ولماذا تستجيب عناصر الداخل  للتفاعل مع العناصر الغريبة؟ أليس من خلال الثغرات والفجوات التي ظلت مفتوحة لفترة طويلة والتي أشارت إليها  قوى شريفة من الداخل مرارا وتكراراً، وتعرضت نتيجة لمواقفها إلى المضايقات والتعسف؟. أليست لأن العناصر الداخلية تعيش حالة العطالة لغياب الوسط النشط لفاعليتها؟ لماذا يقبل الإنسان أن يكون عميلاً أو خائناً، وأخطر من ذلك،  كيف تتحول قطاعات واسعة من الشعب إلى أداة بيد الخارج وتتحرك وفق مشيئته؟!. لقد قلنا مراراً إن الوطن هو جملة الحجر والشجر والبشر معا ويتعزز الانتماء الوطني بقدر إمكانية تمتع  المواطن بخيرات هذا الوطن، بهوائه ومائه وثرواته في أجواء من الحرية والطمأنينة، وبالتالي فان كرامة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار..!! مع إن الإنسان ككائن اجتماعي ليس بالخبز وحده يعيش، فهو شبكة معقدة من العلاقات، ويسعى إلى تعزيز أواصر هذه العلاقات من خلال الحرية القائمة على ضرورة التواصل والتفاعل المنتج مع محيطه الاجتماعي الذي يتسع أكثر فأكثر.. لكن التهويل للحرية دون تحقيق نمو اقتصادي وأعمق عدالة اجتماعية هو الآخر محاولة للالتفاف على المطالب الشرعية للمحتجين والمتظاهرين هنا وهناك، وهو تعبير عن مواقع ورؤى طبقية معينة. فكيف بالمواطن أن يمارس حريته وهو يلهث من الظلام إلى الظلام وهاجسه الوحيد تأمين الرغيف اليومي ناهيك عن كل الضرورات والمستلزمات الأخرى للحياة، أم أن «البطن الشبعان لا يدري بالبطن الجائع» كما يقول المثل الشعبي؟.

وهكذا فان المنطق السليم يقول:

بدلاً من  اللجوء إلى الاتهامات المختلفة أو ردود أفعال تزيد حرارة الاحتجاج والتي تناقض الحلول المقترحة في كل انعطاف، هو النزول عند مطالب الجماهير المشروعة والاستماع إلى نبضهم، والاحتكام إلى العقل لوضع هذه التحركات في إطارها السياسي الصحيح  كتحركات شعبية مناهضة للظلم والاستبداد ومناضلة من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية .

- أحد الشبان الليبيين افتخر بجرذانيته وكتب على يافطة: (الجرذان يريدون الحرية).